انتظار التسويات أم الإصلاحات ؟
وكالة اخبار الشرق الجديد ـ
غالب قنديل:
بات الكلام عن شغور الرئاسة الأولى دارجا ومسلما به كنتيجة لاستعصاء المعادلات المحلية وللتوازن الدقيق في المجلس النيابي وثمة خياران امام اللبنانيين فإما انتظار سيطول للتسويات الدولية الإقليمية الصعبة في عالم الحرب الباردة الجديدة وإما السعي لعقد مؤتمر تأسيسي يقر إصلاحات دستورية جذرية تفتح الطريق امام إعادة تشكيل المؤسسات الوطنية وترسي قواعد جديدة في الحياة العامة على جميع الصعد .
أولا التسويات المحكي عنها تبدو أقرب إلى التمنيات باستمرار جبهات الصراع على مستقبل العالم والمنطقة وقد بات معلوما أن الولايات المتحدة وحلفاءها وشركاءها في العدوان على سوريا ما زالوا بعيدين عن التسليم بالفشل وقبول النتائج السياسية التي يرتبها ذلك على هذا المعسكر وعلى الرغم من توافر مؤشرات كثيرة على الاقتراب من مثل هذا التسليم فإن الاتجاه الرئيسي لحركة هذا المحور مايزال هو مواصلة دعم الإرهاب في سوريا مع اتخاذ التدابير المانعة لارتداده إلى دول المصدر ومن المؤشرات التي حفزت مخيلة بعض المحللين كان الاندفاع الأميركي لترتيب ولادة حكومة الرئيس تمام سلام وتسهيل إقرار بيانها فجميع الجهات اللبنانية المعنية تعلم جيدا ان السفير الأميركي ديفيد هيل المكلف من إدارته بالموضوع اللبناني هو من أبلغ السعودية بكسر الفيتو على مشاركة حزب الله في الحكومة وهو من أصدر قرار القبول بالبيان الوزاري للحكومة وألزم بذلك قوى 14 آذار التي حلف أركانها أغلظ الأيمان برفض تشريع المقاومة وهيل نفسه رتب امر رفع الغطاء عن الجماعات التكفيرية في احتواء صريح لانتصارات القلمون ونتائجها .
هذه المؤشرات حول السلوك الأميركي كانت بمثابة تحضير للفراغ الرئاسي عبر قيام حكومة المساكنة المنظمة بين فريقي 14 آذار و8 آذار وفي مناخ التفاوض بين إيران والولايات المتحدة حول الملف النووي وحيث يتوقع ان تبلغ المفاوضات منعطفا هاما مطلع الصيف بينما يستمر التجاذب الروسي الأميركي شديدا ويتصاعد في اوكرانيا .
ثانيا انتظار التسويات الدولية الإقليمية يعني أن يوضع الاستحقاق الرئاسي في ثلاجة انتظار طويل ريثما تتكون معادلات دولية وإقليمية جديدة وحتى ترسو الحرب الباردة الجديدة على قواعد الصراع والاتفاق الخاصة بها وهو امر يبدو عصيا على التنبؤ او التخيل في الظرف الحاضر لأن رهانات كثيرة ما تزال قيد الاختبار لدى المحورين المتقابلين وكما كانت تسوية انتخاب فؤاد شهاب في الستينيات من القرن الماضي تفاهما بين محورين متقابلين في المنطقة والعالم بعد تصدي الزعيم جمال عبد الناصر لحلف بغداد فإن التسوية التي انتجت الطائف كانت بين سوريا والمعسكر الغربي الذي ألقى بثقله السياسي والعسكري مع حكومات الخليج والحكمين المصري والأردني إلى جانب الاجتياح الصهيوني لحكم لبنان ولدعم اتفاق 17 أيار وسقط هذا الرهان تحت ضربات المقاومة المدعومة من سوريا وإيران وهي المعادلة التي انتجت فعليا اتفاق الطائف الذي نضجت شروطه الموضوعية منذ تفاهم مورفي الأسد ولم يشق طريقه إلى الولادة الفعلية إلا بعد احتلال الكويت وتحت ضغط حاجة الولايات المتحدة ومحورها الإقليمي إلى التغطية السورية في عاصفة الصحراء.
التسهيل الأميركي لقيام حكومة الرئيس سلام هو دليل على الربط بين رئاسة الجمهورية ومستقبل التوازنات الجديدة التي لم يسلم بها المخططون الأميركيون فهم ما زالوا يراهنون على استنزاف سوريا وعرقلة نهوضها بالتوازي مع سعيهم الحثيث لحماية المملكة السعودية وتأهيلها للتكيف مع خطة احتواء القوة الإيرانية الصاعدة بينما تدخل المواجهة بين روسيا والولايات المتحدة مرحلة حرجة لها انعكاساتها على مجمل تلك القضايا والملفات بما فيها لبنان .
ثالثا في ظل الاستعصاء النافر للمعادلات المحلية يبدو امام الواقع السياسي اللبناني عدد محدود من الخيارات والاحتمالات فإما التكيف مع انتظار طويل في ظل الشغور الرئاسي ومع انتقال الصلاحات الرئاسية إلى الحكومة ريثما تنقشع الصورة وتتبلور المعادلات الخارجية لتنتج كلمة سر رئاسية وإما محاولة تحريك ديناميكية محلية قادرة على فك أسر البلاد وإنتاج خيار لبناني بديل .
هذا الخيار هو بالتأكيد التفاهم على التعديلات الدستورية والإصلاحات التي لا بد منها بعد الانسداد الكلي في جمهورية الطائف وهذا ما يفترض بصراحة عقد مؤتمر وطني تأسيسي يقر التعديلات الدستورية والإصلاحات التي لا بد منها سياسيا واقتصاديا واجتماعيا فالبلد يموج بحالة من الرفض والمقاومة ضد نظام الاستبداد الريعي القائم منذ عشرين عاما على حساب قطاعات الإنتاج والمنتجين الفعليين بجميع فئاتهم وطبقاتهم الاجتماعية بينما يثبت نظام الطائف استنفاذ قدرته على الاستمرار.
عناوين الإصلاحات واضحة كما كانت عشية تسويتي الشهابية والطائف وهي محددة وواضحة انطلاقا من طبيعة الأزمة اللبنانية الحاضرة : انتخاب الرئيس مباشرة من الشعب ، إقرار النسبية في الانتخابات التشريعية ، اعتماد الاستفتاء الشعبي العام حول القضايا المصيرية ، تشكيل الهيئة العليا لتجاوز الطائفية السياسية ، وضع خطة شاملة للإصلاح الاقتصادي والإصلاح الإداري تزيل آثار الانفلاش النيوليبرالي وترد الاعتبار لفكرة الدولة الراعية .