انتصارات «إسرائيل» الوهميّة.. وروسيا والصين تتحدّيان
صحيفة البناء اللبنانية ـ
جورج كعدي:
بلغ البؤس بـ«إسرائيل» حدّاً جعلها تلفّق انتصاراً وهميّاً من النوع الـ«جيمس بونديّ» حين أطلقت بالتواطؤ مع صحيفة غربية إشاعة ضرب صواريخ «ياخونت» الروسية المتطوّرة المضادّة للسفن الحربية في «مخزن» ! أو قاعدة في اللاذقية وبواسطة «غوّاصة» يقودها على الأرجح العميل 007 أو الخارق «جيمس بوند» العامل في «خدمة جلالتها» بحسب تعريف بطل السلسلة المشهورة. ولتمتين السيناريو الخياليّ المعدّ زعمت «إسرائيل» أنها كانت تريد بقاء العملية سرّاً متهمة حليفتها الولايات المتحدة بإفشاء «سرّ» العملية كأنّها بادعاء مثل هذا الخلاف «التكتيكي» مع الحليفة الحبيبة تُضفي مزيداً من قوّة الإقناع على القصة الملفّقة من ألفها إلى يائها فيضرب المتابعون كفّاً بكفّ قائلين في أنفسهم: «يا الله لو لم تفش أميركا السرّ لما علمنا بهذه الضربة العسكرية النوعية وهذا يثبت صحّتها وحدوثها فعلاً»!
حين تشرع «إسرائيل» في تلفيق «انتصار» وهميّ فإنّ في الأمر دليلاً واضحاً على البداية الفعلية والواقعية لنهاية أسطورة «الرعب الإسرائيليّ» التي أخافت الأنظمة العربية الجبانة والمتخاذلة لأكثر من ستين عاماً ورسّخت فيهم الشعور بالعجز والدونيّة وانعدام القدرة على المواجهة بل حتى على الدفاع عن النفس في حين أن الحركات المقاومة في فلسطين ولبنان وعموم بلاد الشام لم تعقها أسطورة التفوّق المخادعة عن الاستمرار في العمل المقاوم والرادع والمتصدّي وحتى المهاجم في أحيان كثيرة عمق الأرض المحتلّة لتنفيذ العمليات الفدائية النوعية التي تضرب الصهيونيّ في أمنه واقتصاده ومعنوياته… ومع ذلك ظلّت الأنظمة العربية المذعورة والمستسلمة والمتواطئة والعميلة للغرب تسير عكس التيّار المقاوم المبادر والشجاع ما كرّس واقع أن الأنظمة في وادٍ والشعوب المؤيدة للمقاومة في وادٍ آخر.
مفصلان تاريخيّان غير بعيدين في الزمن بدّلا المعادلة. المفصل الأول مؤلّف من سلسلة انتصارات للقوى والأحزاب المقاومة في لبنان وبين طلائعها أبطال الحزب السوري القومي الاجتماعي المميّزون مثل الشهيدة سناء محيدلي والشهيد خالد علوان الذي غرز بشجاعته الاستثنائية في عملية مقهى «الويمبي» أوّل مسمار في نعش «الإسرائيليّ» الخارج في 1982 منهزماً ومرغماً على الانسحاب في أعقاب سلسلة عمليات بطولية لسائر القوى المقاومة بلوغاً إلى انتصار عام 2000 الكبير وجلاء العدوّ المحتلّ مع عملائه المجرمين الصغار عن أرض جنوب لبنان والذروة في النصر العظيم والمجيد في حرب تموز 2006 إذ قُضي في هذا التاريخ قضاءً تاماً على «البعبع» الذي أخاف العرب عقوداً طويلة وأفقدهم كل أمل في الانتصار على جيش «لا يقهر». تأكّد في هذا التاريخ المفصليّ أن جيش العدو هذا «يقهر ونصّ» بل يُذلّ ويمرّغ أنفه في وحول وادي الحجير وفي كل قرية ومدينة جنوبية صامدة وأن هذا «الإسرائيليّ» المجرم والجبان ليس أكثر من «بعبع» أو «مارد» طالع من رحم الخرافة وأنّ رجال المقاومة الأبطال والمميّزين قادرون على سحق جنوده ومرتزقته وإغراقهم في دموع الهزيمة مثلما رأيناهم عبر التلفزيون مصدومين ومفجوعين وخائبين وخائفين.
المفصل التاريخيّ الثاني الذي ساهم كثيراً في شلّ الذراع «الإسرائيلية» المجرمة والغادرة كلّما سنحت لها فرصة الامتداد والضرب والاختراق يوم أعلنت روسيا بقيادة رئيسها التاريخيّ فلاديمير بوتين أنها ستزوّد سورية صواريخ أرض جوّ متطورة جداً إثر الغارات «الإسرائيلية» الجبانة على مواقع عديدة داخل الأرض السورية وفي محيط دمشق فقامت قيامة «الإسرائيليين» ولم تقعد وذهب الـ«نتن ياهو» إلى بوتين راجياً وباكياً عند قدميه ألاّ يقدم على هذه الخطوة فكان ردّ القيصر الروسي الصلب أن القرار اتخذ ولا عودة عنه مع تحذير بعدم تكرار تلك الغارات أو ستكون روسيا بالأصالة او النيابة شريكة في الردّ من خلال قواعدها في المنطقة أو من خلال القوّة السورية المعزّزة بسلاح روسيّ وخبراء روس حاضرين في الميدان.
هذان المفصلان التاريخيان في لبنان عبر الانتصارات المتلاحقة لمقاومته وفي سورية عبر المظلّة والحماية الروسيتين أنهيا إلى الأبد أسطورة «التفوّق الإسرائيليّ» ما جعل «إسرائيل» تبحث في الفترة الأخيرة عن انتصارات وهمية ترفع المعنويات الداخلية لشعبها المنهار وقياداتها العاجزة لكنّ في المشهد هذا ما يدعو إلى الضحك والرثاء على حال البؤس التي أوصل «الإسرائيليّ» نفسه إليها بعد استعراضات القوة لطيرانه العسكري الغادر والجبان طوال ستة عقود ونيف من الإجرام والعربدة في سماء الهلال الخصيب.
في جانب آخر تبرز المناورات البحرية المشتركة الروسية ـ الصينية التي أجريت بين الخامس والثاني عشر من الجاري أولاً في حجمها ثانياً في دلالاتها الإقليمية والدولية ثالثاً في موقعها الجغرافي الحسّاس مياه بحر اليابان ورابعاً لأنها تمّت في هذا التوقيت تحديداً. ففي هذه المناورات تحدٍّ جليّ لواشنطن التي باتت تقف موقف المتفرّج بعجز وخوف وقلق وتوتر حيال صعود هذه القطبية الدولية الثنائية الجديدة التي تبعث بمناوراتها رسائل في أكثر من اتجاه بينها إلى اليابان أيضاً في شأن الجزر المتنازع عليها بين طوكيو وبكين.
العالم المتعدّد القطب في وجه الأحادية الأميركية السابقة بات حقيقة فعليّة ولم يعد حلماً أو تمنّياً. يستعيد عالمنا توازنه المفقود من خلال صعود قوى عالمية وإقليمية جديدة تتعاون وتتكتّل وتضافر جهودها لإيقاف الولايات المتحدة عن انفرادها في حكم العالم وإدارة شؤونه تبعاً لمصالحها الإمبريالية التي أضحت اليوم من التاريخ والآتي أعظم وأفعل وأكثر جلاءً ووضوحاً. فلن يبقى العالم الذي نقطنه بكل مشاكله وأزماته الكبيرة ملعباً للفجور الأميركيّ.