امتداد نار الربيع إلى الخليج
صحيفة العرب اليوم الأردنية ـ
د. حياة الحويك عطية:
لن ترحم نار أصروا على تسميتها بالربيع، الخليج العربي، هذا ما قاله المحللون الاستراتيجيون منذ بداية الثورات العربية، وها هو رأسها يطل في الإمارات، لكن العين الأقوى هي على السعودية، لان جوهر المخطط هو عدم الابقاء على أية دولة كبيرة تمتلك مقومات السيادة المعروفة من جغرافيا وديموغرافيا وتاريخ وثروات، وتحويلها الى دول ميكرو- مذهبية، وفاقدة لعناصر السيادة. وقد يقول بعضهم إن التفتيت لن يؤمن خضوعا للاستراتيجيات الأمريكية أكثر مما هو حاصل اليوم، لكن الجواب هو نعم وزيادة الخير خير. كما ان الاتيان بأنظمة جديدة توحي للعالم وللعرب بأن ثمة تغييرا قد حصل يناسب الدعاوى الأمريكية بخدمة الديمقرطة، والأوروبية بالدفاع عن حقوق الانسان.
على أية حال الأمر لم يعد مجرد تحليل، بل انتقل الى معلومات يتناقلها الاعلام ويفصلها ويعطي لقطَر دورا أساسيا فيها، وهنا يبرز السؤال من جديد عن مبررات هذا الدور القطري الذي برزت الشكوى منه لدى السعودية والامارات والكويت. ويبدأ الجواب من أن دولة كقطر عديد جيشها اثنا عشر الفا، وعديد جسمها الانتخابي خمس وعشرون، في الوقت الذي تعوم فيه على بحر من الذهب هي شكل نموذجي لما يريده الغرب واسرائيل لدول المنطقة. ويقع هذا النموذج في أساس الدور الذي كلفت به منذ زيارة أمير قطر لواشنطن في ربيع 2011 حيث أعلن الرئيس الامريكي: ” ان لقطر دورا مهما في الثورات العربية”. بعدها عاد الأمير القطري ليحمل رسالة الى دمشق واخرى الى طهران، وليعلن اثر رفضهما الحرب الاعلامية والديبلوماسية على سورية. واذا كان هذا التكليف قد اعتبر فرصة العمر بالنسبة للمشيخة الصغيرة التي لا يؤرقها شيء كما يؤرقها هم الاعتراف بوجودها، فان فشله أو انتهاءه يشكلان همّا آخر لأسباب وجودية عديدة أهمها مرتبط بخريطة الخليج العربي نفسها.
هذا الهم كتب فيه الكثير من الباحثين الاستراتيجيين والسياسيين الاوروبيين، ووصل الحديث عنه الى الصحافة الفرنسية، وبالتالي عرفت فرنسا كيف تستغله، في شقه الأول: اثبات الوجود، فتبالغ بالحفاوة بأمير قطر وزروجته لقاء صفقات مالية واستثمارية ضخمة، ولقاء دور سياسي في الشرق الاوسط. غير أن السيد الأول والأخير يبقى الامريكي الذي يمتلك أكبر قاعدة عسكرية في المنطقة على الأرض القطرية. غير أن الشق الثاني والأهم هو ما عبرت عنه صحيفة لوموند بقولها: ” قطر مثل صاروخ انطلق بالمصادفة، ولكن لا بد له من الاصطدام بالواقع والعودة الى الأرض”. هذه العودة الى الأرض هي مصدر القلق الأكبر، قلق متعدد الأطراف ولكن أبرز أطرافه يكمن في العنصر المهم الذي لا يمكن من دونه فهم المعادلة الخليجية.
ان التخوف الرئيسي الذي تعيشه الامارة الصغيرة يأتي من العربية السعودية التي لم تتوقف عن اعتبار قطر جزءا منها، ولا يزال الخلاف الحدودي قائم بينهما وعند حقول نفطية أساسية. في حين يجسد قاعدة عمد المستعمر الاوروبي على تطبيقها عندما رسم خرائط التقسيم سواء في الاعلان البريطاني للجزيرة العربية أو في سايكس- بيكو. قاعدة تقوم على خلق دول صغيرة فاقدة لعناصر السيادة على حدود دول كبيرة ( لبنان وسورية، العراق والكويت، قطر والسعودية) وعليه تظل الاولى تعيش عقدة الخوف وعدم الاعتراف والثانية تعيش عقدة الظلم والحق بالاستعادة ان لم يكن بالضم فبالهيمنة. عقدة يشكل الثنائي القطري السعودي اكثر تجلياتها حدة، ويفسر الكثير من عقدة البحث عن تأكيد الذات، والبحث عن الحماية، والان البحث عن عدم الاصطدام بالواقع والعودة الى الارض. خاصة اذا كان هذا الواقع هو حل ما للمسألة السورية تساهم فيه السعودية، بعد ان بدا واضحا ان الحلم القطري في سقوط النظام خلال اسابيع او تدخل عسكري اجنبي قد اصبح بعيدا. والحل هو نقل الصراع، او مده الى الجزيرة العربية بدءا من الامارات والكويت ووصولا الى السعودية ليكتمل الشرخ المذهبي الكفيلة بالتفسيخ وبخلق كيانات جديدة، بل والأهم بخلق حالة استنزاف دائمة. حال ليس ما يحدث في العراق ببعيد عنها.
كتبت لوموند : إن ما يجري في العالم العربي هو ” أشبه بحصول حالة افلاس تصيب فرنسا وبريطانيا فتجعل سلوفانيا تقود الاتحاد الاوروبي” وعندها سيكون على سلوفانيا كي تحتفظ بدورها أن تدعم افلاس فرنسا وبريطانيا أو أن تستغل افلاسهما لتقسيمهما الى دول بحجم سلوفانيا.