اليمين المتطرف إلى الحكم…!
جريدة البناء اللبنانية-
بتول قصير:
«اليوم، يمكنكم المساهمة في كتابة التاريخ. في أوروبا، إنهم قلقون جميعاً لرؤية ميلوني في الحكومة (…) انتهى العيد. ستبدأ إيطاليا بالدفاع عن مصالحها القومية». بهذه العبارات غرّدت جورجيا ميلوني على تويتر مخاطبة أنصارها بعد فوزها في الانتخابات التشريعية الإيطالية، وسط مخاوف وقلق أوروبي وغربي من جناح القارة العجوز نحو صعود اليمين المتطرف.
للمرة الأولى منذ العام 1945، يحقق اليمين المتطرف انتصاراً تاريخياً في أوروبا، بعد فوز جورجيا ميلوني في الانتخابات التشريعة الإيطالية. فقد فرَضَ حزب «فراتيلي ديتاليا» بزعامة ميلوني نفسه بديلاً رئيسياً، وانتقلت حصته من الأصوات من 4.3 في المائة قبل أربع سنوات إلى نحو ربع الأصوات، وفق استطلاعات مكاتب الاقتراع، ليُصبح بذلك الحزب المتصدّر في البلاد. فميلوني التي أعلنت أنها ستقود الحكومة المقبلة قالت في خطاب مقتضب في روما إنّ الإيطاليين بعثوا برسالة واضحة لدعم حكومة يمينية بقيادة «فراتيلي ديتاليا»، واعدة الشعب بعبارة «سنحكم لجميع الإيطاليين»، في إشارة منها الى الثقة التي منحها الإيطاليون لليمين المتطرف.
والمعلوم عن المسؤولين الأوروبيين، الذين يحرصون كثيراً على عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، لا يخفون قلقهم من وقوع إيطاليا في قبضة اليمين المتطرف في هذه المرحلة من الإصلاحات المهمة المطروحة أمام المشروع الأوروبي وطرائق عمله، فـ هذا الصعود المخيف سيشكل ضربة لرئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين التي أشارت إلى أنّ لدى الاتحاد الأوروبي «أدوات» لمعاقبة الدول الأعضاء التي تنتهك سيادة القانون وقيمه المشتركة. كما سيكون بمثابة تحوّل جذري بالنسبة لإيطاليا نفسها والتي تعدّ ثالث قوة اقتصادية في منطقة اليورو. إلا أنّ انتصار ميلوني المتأثرة بفكر موسيليني، سيواجه عقبات عدة، حيث سيتحتم عليها معالجة الأزمة الناجمة عن الارتفاع الحادّ في الأسعار في وقت تواجه إيطاليا ديناً يمثل 150% من إجمالي ناتجها المحلي، في حين انّ إيطاليا بأمسّ الحاجة لمعونات الاتحاد الأوروبي في إطار خطته الإنعاشية بعد جائحة كورونا، ما يعني انّ هامش تحرك ميلوني المالي والاقتصادي سيكون مقيّداً الى حدّ ما.
وعلى الرغم مما سيواجه قادة اليمين المتطرف من تحديات، بالإضافة الى تأكيدهم لأكثر من مرة نيتهم عدم الانفصال عن الاتحاد الأوروبي، وعدم اتخاذ إجراءات تصعيدية تجاه التكتل القارّي، والتركيز على مشاكل إيطاليا التي تمرُّ بأزمة اقتصادية واجتماعية، إلا أنّ ذلك لم يطمئن قادة أوروبا، لأنه وبحسب المعطيات التي يبني عليها قادة الاتحاد عن وصول اليمين المتطرف بزعامة ميلوني، بأنّ ذلك سيعيد إحياء الفكر الفاشي في إيطاليا والنازي في ألمانيا، تزامناً مع الذكرى الـ 100 لوصول موسوليني إلى الحكم، وتأسيسه أول ديكتاتورية شمولية في أوروبا الغربية. كما يخشى قادة الاتحاد من تحالف كلّ من جورجيا ميلوني والنائب في البرلمان سيلفيو برلسكوني، الذي يُعدّ صديقاً بارزاً للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وستكون حكومة بقيادة اليمين المتطرف أقلّ حماسة بكثير لدعم الجهود الأوروبية لمواجهة المدّ الروسي. ما يعني توجه قادة الاتحاد الأوروبي نحو الداخل لتقوية الجبهات الداخلية وعدم السماح لليمين المتطرف بالتمدّد ثانية لما يواجهه من خطر على وحدة الاتحاد وترابطه.
أما في ما يخص قضيتَي المسلمين والمهاجرين، فيجب الفصل بين ما يحاول قادة اليمين إظهاره من اعتدال، لا يعبّر عن حقيقة ما يحمله أنصارهم. فالمعروف انّ اليمينيين المتطرفين هم أشدّ عداوة للمسلمين والأفارقة والمهاجرين، يدعون الى هدم المساجد والحدّ من الهجرة الى بلادهم. ومع وصول اليمين الى الحكم ستتوضح أكثر مسألة رسوخ الفاشية في إيطاليا على عكس ما كان يعتقد الكثيرون أنها اصبحت من الماضي.
في الحقيقة يبدو انّ تقدّم الأحزاب اليمينية المتطرفة، بما في ذلك حزب أخوة إيطاليا ذو الجذور الفاشية، ووصول جورجيا ميلوني، من المحتمل أن تضعف حكومة اليمين المتطرف فى إيطاليا من قوة وتماسك الاتحاد الأوروبى ككلّ، فى وقت حرج وحسّاس للغاية يتسم بمواجهات جيوسياسية عنيفة. إذ ربما تساعد على تمكين القادة المعارضين للاتحاد الأوروبى، كـ فيكتور أوربان (المجر) ومارين لوبان (فرنسا). كما سيضعف أيضاً من وحدة أوروبا أمام روسيا، فى ظلّ تواصل العملية العسكرية الروسية فى أوكرانيا.
ولا يمكن ان ننكر انّ وصول جورجيا ميلوني للحكم هو دليل واضح على الأداء الجيد لليمين المتطرف في كلّ من فرنسا والمجر والسويد على صعود قادة اليمين المتطرف في أوروبا، هذا الصعود سيكون حدثاً فاصلاً لتغييرات استراتيجية على مختلف المستويات في القارة الأوروبية.