اليابان وروسيا وضرورات اقتصاد السلام
موقع إنباء الإخباري ـ
مارينا كولتسوفا*:
لم تكن القيادة الروسية في أي يوم من الايام ضد أية علاقات متكافئة وندّية مع الجارة اليابان. بل على العكس من ذلك تماماً، واصلت موسكو ترحيبها بكل تقدّم يَطرأ على التعاون مع طوكيو، في كل المجالات، بما فيها الاقتصادية والسياسية والشعبية.
لكن الإدارات اليابانية المُتعاقبة لم تتوقف يوماً عن الإدّعاء بملكية عددٍ من جُزر الكوريل الروسية والسيادة عليها، بدون أية أسانيد تاريخية. فقد بقيت تلك الجُزر مَسكونة بمواطنين روس، واستمرت رسمياً وقانونياً وثقافياً وعَبر التاريخ جزءاً لا يتجزأ من روسيا، برغم احتلال اليابان لها لعدة عشرات من السنين جرّاء ضعف الدولة الروسية التي واجهت موجات استعمار أجنبية متلاحقة، إلى ان تمكّنت روسيا من تحريرها واستعادتها لحضن الوطن الأُم في ختام الحرب العالمية الثانية 1945م، حين تم وضع أسس جديدة وثابتة للعلاقات الثنائية وافقت عليها اليابان رسمياً، فغدت وثائق مُعتمدة للعلاقات النافذة بين الدول التي تحاربت عدة سنوات، أفضت الى هزيمة محور طوكيو – برلين – روما.
واليوم تتجه اليابان لعلاقات جديدة مع روسيا، مُعتمدةً المدخل الاقتصادي فيها، وتقديم حزمة من الاستثمارات اليابانية لتوظيفها في الشرق الأقصى الروسي، وقد رحّبت قيادتنا الروسية بهذا التطور، كترحيبها بكل تطور إيجابي يَطرأ على العلاقات بين البلدين والشعبين الجارين.
ففي روسيا ومدنها تنتشر بصورة كثيفة المطاعم اليابانية لل”سوشي” والأطعمة البحرية اليابانية الاخرى، كذلك يَنظر الروس بإيجابية للفنون والرياضة والثقافة اليابانية، ويَحذون حذو رئيسهم فلاديمير بوتين في هذا الاتجاه، الذي من شأنه تبريد العلاقات التي احترّت سابقاً بين البلدين ولفترة طويلة، ولأجل تحويل الشرق الأقصى وشرق القارة الآسيوية الى موقع للاستثمارات السلمية وتوطين السلام بين الشعوب، ولتوطيد أمانها ومشاعرها وصِلاتها الأخوية التي ترفض منطق الحرب والعدوان وفبركة التاريخ وتحريفه، لصالح طرف يتطلع للتغوّل على الطرف الآخر، أو اتخاذ مواقف معادية لروسيا تحت ضغط أمريكي، بخاصة تلكم المواقف التي لا تتسم بالصداقة نحو روسيا والتي اتخذتها اليابان، بخاصة بعد إعلان شعب القرم عن خياره التاريخي والمستقل بالعودة الى الوطن الأُم روسيا، وتصحيح التاريخ ليتمتع بالأمان في أحضانها الدافئة.
زد على ذلك، كانت اليابان وللأسف تهاجم روسيا وتنتقدها بحدّة بعد كل تحرّك روسي رسمي على أراضي جُزر الكوريل الروسية، وتجر وراءها جهات معروفة في المجتمع الدولي الى مواقفها المناهضة لموسكو.
ومنذ سنوات طويلة ما فتئت روسيا تؤكد رغبتها بعلاقات متساوية ونافعة مع اليابان، ولم تغيّر العاصمة الروسية توجهاتها هذه، وبقيت وفيّة لتوجهها وثابتة على رأيها، وأذكر على سبيل المثال لا الحصر، تصريحات وزير الخارجية سيرغي لافروف الذي أعلن قبل سنوات ان موسكو ترحّب بفكرة تطوير مشاريع أممية مشتركة في جُزر الكوريل، وبالدرجة الأولى مشاريع روسية مشتركة مع اليابان.
واليوم وبعدما تيقّنت طوكيو بأن حالة العداء مع موسكو سوف تكون مُكلفة لها في كل حقل ومنحى، بادرت للتعاون الرسمي مع روسيا في مجال اقتصادي واسع، سيّما بعدما فرغت جعبتها من المناورات المكشوفة للهيمنة على “الكوريل”، من خلال ما سمّته واقترحته بـ”السماح!؟” لسكانها بالإبقاء على جنسيتهم الروسية، مقابل تلك الهيمنة!!!
نحن في روسيا نكرر للمرة المليون، بأننا لسنا ضد أحد في هذا الكون سوى الارهاب الدولي والعدوان والأكاذيب، ونعارض محاولات البعض الطعن في الظهر، ونؤكد بأننا لن نتخلَّ عن أراضينا لأيٍ كان، ولم ولن نسمح لمن يريد التدخل في شؤوننا الداخلية بالاستمرار في ذلك، حتى ولو كان يجري أمره بلبوس استثمارات وتجارة، ولن نسمح بتحويل الاقتصاد الى وسيلة للاستعمار الناعم لأراضينا وتغيير ثقافة مواطنينا الى أخرى أجنبية دخيلة، فروسيا غنية بثرواتها، وهي أغنى بأُنفتها الوطنية ودفاعها عن استقلالها ووحدة أراضيها الشاسعة.
*كاتبة من روسيا تكتب عن الصداقة الروسية العربية والقضايا الروسية الدولية، وعضوة في رَاَبِطَة الَقَلَمِيِّين مُحِبِّيِ بُوُتِيِن وَرُوسيِّهَ للأُردُن وًالعَالَم العَرَبِيِ.
*المقالة خاصّة بموقع إنباء الإخباري.