الولايات المتحدة: مَن يدفع في إتجاه حرب عالمية؟
موقع قناة الميادين-
ليلى نقولا:
يتأثر العالم كله بالتحولات والتفاعلات داخل أميركا، والتي يُخشى أن تنتقل إلى حرب عالمية، بدفع من البعض في الداخل.
تنعكس المعطيات الداخلية في الولايات المتحدة الأميركية على قرارات السياسة الخارجية، ولا شكّ في أن قوة الولايات المتحدة في العالم ونفوذها يجعلانها قادرة على جعل العالم انعكاساً لصورتها في الداخل، أو متفاعلاً مع أزماتها الداخلية. فحين انتخب الأميركيون دونالد ترامب، عاش العالم على وقع نزوات ساكن البيت الأبيض ونرجسيته. واليوم، يتأثّر العالم كله بالتحولات والتفاعلات داخل الولايات المتحدة الأميركية، التي تجد نفسها في الحرب الأوكرانية، والتي يُخشى أن تنتقل إلى حرب عالمية بدفع من البعض في الداخل الاميركي.
ولعل أخطر ما يمكن أن يؤدي إلى حرب عالمية، هو الحماسة الأميركي الإعلامية لها، على الرغم من إعراب كثيرين من الأميركيين العاديين، في استطلاعات الرأي، عن قلقهم من ارتفاع تكلفة المعيشة وأسعار النفط، بالإضافة إلى خوفهم من السلاح النووي.
وهكذا، يبدو أن هناك عدة جهات داخل الولايات المتحدة الأميركية تستفيد من تسعير الصراع في أوكرانيا، وتدفع نحو توسيع رقعته، حتى لو أدّى ذلك إلى حرب عالمية كبرى. وفي تحليل عوامل الاندفاع الأميركي إلى التصعيد، نجد ما يلي:
أولاً- ضغوط المجمع الصناعي العسكري
مدفوعاً برأي عام متأثر بصور الحرب في أوكرانيا، اقترح بايدن ميزانية البنتاغون لهذا العام، وقدرها 813 مليار دولار، بزيادة قدرها 31 مليار دولار عن ميزانية العام الماضي.
يقول تقرير مؤسسة كوينسي “إن موازنة الدفاع للولايات المتحدة الأميركية، والتي تقدّر هذا العام بـ813 مليار دولار، هي الأعلى على الإطلاق منذ الحرب العالمية الثانية. ويمثّل إنفاق البنتاغون ما يقرب من نصف الإنفاق التقديري الفيدرالي ككل، وتبلغ موازنة الدفاع 13 ضعفاً لموازنة وزارة الخارجية ووكالة التنمية الدولية مجتمعة”.
ويعزو التقرير سبب ارتفاع الموازنة الدفاعية كل عام، إلى أنه “منذ الـ11 من أيلول/سبتمبر 2001، أنفقت صناعات الأسلحة الأميركية 285 مليون دولار على مساهمات الحملة الانتخابية، و2.5 مليار دولار على جماعات الضغط. في مقابل ذلك، تلقت عقوداً بقيمة 7 تريليونات دولار”.
تحتل الولايات المتحدة المرتبة الأولى في العالم في بيع السلاح ، بحيث حصلت على 37% من إجمالي مبيعات الأسلحة في الفترة من 2016 إلى 2020. تليها روسيا بنسبة 20%، ثم فرنسا (8%) وألمانيا (6%) والصين (5%).
وبسبب جائحة كورونا، تراجعت مبيعات السلاح الأميركية عام 2021. وقالت وزارة الخارجية الأميركية إن المبيعات العسكرية المباشرة للشركات الأميركية تراجعت بنسبة 17% (من 124 مليار دولار في السنة المالية 2020 إلى 103 مليارات دولار في السنة المالية 2021)، بينما انخفضت المبيعات، التي تمّ ترتيبها من خلال الحكومة الأميركية، 31% (من 50.8 مليار دولار عام 2020، إلى 34.8 مليار دولار في عام 2021).
لكن، منذ بدء الحرب الأوكرانية، واندفاع الغرب إلى زيادة موازنات الدفاع وتمويل الحرب الأوكرانية، ارتفعت أسهم شركتي Lockheed وRaytheon الأميركيتين نحو 16% و3% على التوالي، كما ارتفعت أسهم شركة BAE Systems، أكبر شركة في المملكة المتحدة وأوروبا، بنسبة 26%.
ثانياً- تنافس مراكز القوى بين البنتاغون ووزارة الخارجية
تندفع كل من وزارة الخارجية الأميركية والإعلام الغربي إلى الضغط من أجل توسيع المواجهة مع الروس على الرغم من خطورة تدحرج الأمور إلى حرب عالمية. واندفع بلينكن وكثر من الإعلاميين الغربيين إلى الضغط على إدارة بايدن بغية فرض منطقة حظر طيران فوق أوكرانيا، على الرغم من خطورتها. كما يجد عدد من أعضاء الكونغرس ضالَّتهم الشعبوية في هذا الطرح وفي الحرب الأوكرانية من أجل كسب مزيد من الأصوات الانتخابية في الداخل.
ويبدو أن البنتاغون يخوض معركة تهدئة الرؤوس الحامية، التي “تغرّد في مكاتب فاخرة”، ومع وزارة الخارجية والكونغرس، من أجل منع مواجهة عسكرية مباشرة بين الناتو وروسيا. رفض وزير الدفاع الأميركي، لويد أوستن، في وقت سابق الذهاب نحو فرض منطقة حظر جوّي فوق أوكرانيا، في حين دعم وزير الخارجية أنتوني بلينكن خطط إرسال الناتو من بولندا إلى أوكرانيا، وعرض على بولندا أن تعطي طائراتها لأوكرانيا وإبدالها بطائرات أخرى. رفضت بولندا الأمر، عارضة تسليم طائراتها إلى الأميركيين، الأمر الذي رفضه البنتاغون بشدّة.
ثالثاً- أزمة قيادة
تظهر الأزمة القيادية بحدّة مع جو بايدن، الذي يبدو في حالة ذهنية غير متوازنة، وظهرت حدّة هذه المشاكل في الخطابات التي يُلقيها في معرض الردّ على الحرب الأوكرانية، بحيث قام بسلسلة من التصريحات “غير المسؤولة”، بحسب وصف كثيرين في الولايات المتحدة، وأهمها الدعوة إلى تغيير النظام في روسيا، الأمر الذي اضطر البيت الأبيض إلى توضيح أنه لا يقصد ذلك.
لم يتَّعظ بايدن من تجربة باراك أوباما السورية، فاندفع إلى تحديد “خط أحمر” في أوكرانيا، سيكلف “ثمناً باهظاً”، هو استخدام الأسلحة الكيميائية، على الرغم من خطورة قيام “جهة ما” باستخدام الأسلحة الكيميائية من أجل توريط الأميركيين في حرب مباشرة مع روسيا في أوكرانيا.
هذا الخطر والكلام غير المسؤول لبايدن، دفعا البنتاغون إلى التصريح لـ”رويترز”، بأن “الولايات المتحدة لم ترَ حتى الآن أيَّ مؤشرات ملموسة على هجوم روسي وشيك بأسلحة كيميائية أو بيولوجية في أوكرانيا”.