الهجوم الأوكراني المضاد.. عوائق موضوعية
موقع العهد الإخباري-
يونس عودة:
من المفترض أن العد التنازلي “للهجوم الأوكراني المضاد” الذي قررته الولايات المتحدة ومعها أداتها العسكرية الأوسع المتمثلة بالحلف الأطلسي قد بدأ وفقًا لما يروّجه الغرب عمومًا، وأميركا وأوكرانيا خصوصًا، رغم فضيحة الوثائق الاستخباراتية الأميركية التي تجزم بصعوبة تحقيق نتائج من مثل هذا الهجوم.
تشير المعطيات الى أن الهجوم المنوي القيام به، سيكون كارثيًا على أوكرانيا إذا حصل، التي تتربص بها أقرب حلفائها لا سيما بولندا لاقتطاع جزء من أراضيها وضمها اليها خصوصًا أنها الدولة الأكثر حظوة لدى واشنطن، وهي باتت القاعدة الأطلسية الأولى في أوروبا الشرقية، ومؤهلة لاحتلال موقع المانيا في منظومة الأطلسي.
إن القيادة الأوكرانية لم تترك بابًا إلا وطرقته استجداء لمدها بمزيد من الأسلحة وبالأخص الدبابات والطائرات الحربية والذخائر الثقيلة، إلا أن الاستجابة للمطالب ولا سيما من الأوروبيين الذين باتوا يعانون نقصًا في مخزوناتهم الاستراتيجية لم تكن على مستوى الاستجداء، رغم أن كل شيء بأثمانه، سواء المالية أو السياسية، وهو الأمر الذي تعمل الولايات المتحدة على معالجته بالضغط والابتزاز.
نقل البنتاغون من مخزونه في الكيان الصهيوني المؤقت الى أوكرانيا – والذي هو للاستخدام في الشرق الأوسط – أكثر من ألف حاوية ذخائر خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، وفق ما ذكرت القناة 12 العبريّة.
وتعتزم الولايات المتحدة أن تخرج من ترسانتها في الكيان حوالي 300 ألف قذيفة مدفعية عيار 155 ملمتر، وصواريخ كتف مضادة للطائرات من طراز “ستينغر”، لأن مصانع الأسلحة الأميركية غير قادرة على تزويد أوكرانيا من انتاجها المعزز بالكميات المطلوبة. وهذا الأمر طرح معضلة أمام جهاز الأمن الإسرائيلي الذي يدرس في هذه الأثناء زيادة الإنتاج الإسرائيلي لهذه الذخيرة، وخاصة القذائف المدفعية عيار 155 ملمتر، بهدف ملء احتياطي الذخيرة.
بلا شك أن الهجوم المضاد الذي تدفع اليه واشنطن ولو أدى الى تمزق الجيش الاوكراني وكتائبه النازية مثل “ازوف” الى أشلاء يستحيل جمعها، يواجه عقبات عدة، ليس التسليح إلا إحداها. فقد كشفت صحيفة “بوليتيكو” الأميركية، عن تزايد الصعوبات أمام أعضاء مجموعة الاتصال لمساعدة أوكرانيا، على هامش اجتماع 21 نيسان في قاعدة رامشتاين الأميركية في المانيا، في الحفاظ على الوحدة. حيث كان من الواضح أن الحفاظ على الوحدة في المجموعة سيصبح مهمة صعبة بشكل متزايد. كما أن أصواتًا أميركية وازنة في الكونغرس تجاهر بضرورة وقف امداد أوكرانيا بالأسلحة والإسراع في إنهاء المساعدات العسكرية والمالية الأميركية لأوكرانيا. لأنها تستنزف ترسانات وخزينة دافعي الضرائب الأميركية ولا يظهر في الأفق جدوى يركن اليها. وبحسب الصحيفة “ليس من مصلحة الولايات المتحدة أن تصبح أكثر تورطاً في نزاع إقليمي بين أوكرانيا وروسيا فيما لا يزال الدرس الأفغاني ماثلًا. الرئيس جو بايدن سمح بقراره الانسحاب السريع من أفغانستان، لـ”طالبان” بالاستيلاء على السلطة، وترك شركاء التحالف ذوي النوايا الحسنة غير قادرين على سدّ الفجوة التي خلفتها الموارد الأميركية، وهذا يجب أن يبقي فلاديمير زيلينسكي مستيقظاً في الليل”.
ما يزيد طين زيلينسكي بلة ما أعلنه الرئيس التشيكي بيتر بافيل، من أن المشكلة الرئيسية للقوات الأوكرانية اليوم هي نقص الذخيرة، ويزود الشركاء الغربيون أوكرانيا بمعدات فعالة للغاية، مثل الدبابات الحديثة، ولكن بكمية قليلة جدًا من الذخيرة، يمكن للأوكرانيين نشر المركبات لبضعة أيام فقط، ثم يتعين عليهم سحبها”. في هذا الاطار، قال الرئيس بافيل: “في الواقع، تصبح هذه (الدبابات) منتجا للمستودعات، ولا فائدة كبيرة منها”.
بالرغم من كل ذلك سيضطر الجيش الأوكراني لشن هجوم مضاد، بغض النظر عما إذا كان مستعدًا له أم لا، لأن استمرار تقديم المزيد من الدعم الغربي للقوات الأوكرانية يعتمد على هذا الهجوم الذي يمكن أن يتحول إلى مغامرة وهو كذلك، لا سيما وأن المخابرات الأمريكية التي تحاول أن تعمم بعض التفاؤل تعتقد أن كييف يمكن ان تحقق “استحواذات متواضعة على الأراضي” فقط، من دون تقدير ما يمكن أن تفعله القوات الروسية التي لم تستخدم بعد إلا بعضًا من فيض القوة النارية التي بحوزتها.
وتعتقد صحيفة “التايمز” استنادًا إلى المخابرات الأميركية أن كييف ليس لديها خيار سوى المضي في الهجوم للحفاظ على الدعم الغربي حيث يجب على زيلينسكي أن يوضح ما تسميه واشنطن “عائد الاستثمار”. وستحدد أوكرانيا لنفسها هدفًا يتمثل في استعادة ميليتوبول، الأمر الذي سيقطع الطريق البري بين شبه جزيرة القرم وروسيا، أو دونيتسك، والتي لها أهمية رمزية أكبر. وقال مساعد الرئاسة الأوكراني ميخايلو بودولياك إن الخطط الاستراتيجية لأوكرانيا لم تتغير، لكن الخطط التكتيكية الأكثر دقة تخضع دائمًا للتغيير.
لا تزال الأسلحة والذخائر تتقاطر الى الأراضي الأوكرانية، بهدف تجميعها في المخازن، فيما على الأرض تقوم القوات الروسية بقضم مدروس في مدينة أرتيوموفسك (باخموت)، وباتت تسيطر على حوالي 90% من المدينة الاستراتيجية التي تراهن القوات الأوكرانية على أنها ستكون نقطة تحول ممهدة لهجوم ناجح فيما بعد على جبهة القرم.
بلا شك أن الخطط توضع على الورق من أجل تحقيق الأهداف مع تقدير دقيق للخصم أو للعدو وقدراته العملياتية، مع توقع رد فعله أيضًا اذا لم تكن خططه الميدانية واضحة. ولذلك تشهد الحروب مفاجآت بعضها معد سلفًا وبكتمان، وبعضها يصنع في الميدان. والأهم يكمن في خلاصة ما يتمخض عنه الهجوم المضاد اذا وقع، لأن كسره لا يعني هزيمة الجيش الاوكراني، وانما الأطلسي بكليته، والغرب بمفاهيمه كلها وفي المقدمة أميركا الغاشمة.