النفوذ الروسي على ممرات "الحرير"
. النفوذ على الممرات البرية:
– لا يزال للنفوذ الروسي تأثير كبير على دول وسط آسيا التي كان يتشكّل منها الاتحاد السوفياتي السابق ما يجعلها تشرف على الممرات الموجودة في تلك المنطقة بطريقة غير مباشرة.
– الوجود الروسي في بحر قزوين وتطوّر هذا الوجود بشكل لافت وكبير خصوصاً مع التطوّرات التي أوجدتها الأزمة السورية واستخدام موسكو لهذا البحر كمنطلق لضرب الإرهابيين بصواريخ “كاليبر” المجنّحة من على بُعد حوالى 1500 كلم (وقد يصل مداه إلى 2600 كلم). من خلال ما سبق، يمكن القول بأن الشعاع الذي يقع تحت مرمى الصواريخ يطال جزءاً كبيراً من وسط آسيا ومنطقة القوقاز وحتى العديد من الدول العربية، ناهيك أيضاً عن المظلّة الدفاعية المُتمثّلة في صواريخ من فئة “أس” (300-400-500) التي تغطي آلاف الكيلومترات. ولتفسير ما سبق في مضمار السياسة، يمكن الاعتبار بأن النفوذ الروسي يُعدّ فعّالاً جداً في هذا المدى الجغرافي إذ ليس المقصود هنا إمكانية استخدام القوة العسكرية بالقدر الذي تعنيه “هيبة” القوة نفسها.
– تعتبر إيران إحدى أهم محطّات طريق الحرير البري بحيث تتوزّع منها الطُرق المتعدّدة إلى تركيا ومنطقة الهلال الخصيب. من هنا، ترى الباحثة في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، آنا بورشفسكايا، إن هناك العديد من المصالح التي تربط بين البلدين وأولها الهدف الجيوستراتيجي المشترك لاسيما ضد سياسات الغرب عموماً والولايات المتحدة خصوصاً. ولقد أوضحت بورشفسكايا، وفي إشارة إلى أهمية العلاقات الثنائية، إنه “وفقاً لمصادر روسية، ناقش مسؤولون روس وإيرانيون في ربيع عام 2013، فكرة انضمام طهران إلى الاتحاد الجمركي الأوراسي بقيادة موسكو خلال ندوة عُقدت في العاصمة الإيرانية بعنوان ” إيران والتعاون الاقليمي في أوراسيا”. إضافة إلى ما سبق، سمحت إيران لروسيا بعبور الصورايخ من بحر قزوين إلى سوريا عبر مجالها الجوّي، وسمحت للقاذفات الروسية باستخدام قاعدة همدان العسكرية، ناهيك عن الممر شمال-جنوب الاستراتيجي المنوي إنشاؤه والذي يبدأ من بحر البلطيق شمالاً، ويمر بروسيا وبحر قزوين، مخترقاً إيران إلى أن يتصل بالمحيط الهندي عند ميناء بندر عباس.
– بعد هبوط مؤشرات انضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي وبدء ترتيب العلاقات مع موسكو وتوقيع العديد من الاتفاقات الاستراتيجية، تبدو العلاقة بين البلدين إلى تحسّن ويمكن القول إلى تطوّر. بناء على ما سبق، يرى العديد من المحلّلين بأن تركيا قد تكون مرشّحة لدخول الاتحاد الأوراسي في وقت ليس ببعيد وبذلك يصبح أحد أهم ممرات هذا الطريق، الذي يمرّ في نفق مرمرة متجهاً إلى أوروبا، ضمن “القبضة” الأوراسية.
– تعتبر سوريا بوابة الطريق البري إلى أوروبا عبر المتوسّط، ومع الوجود العسكري الروسي المباشر في هذا البلد، يصبح معه الخط الواصل إلى دمشق تحت نوع من الإشراف الروسي.
النفوذ على الممرات البحرية:
– يرى العديد من المراقبين بأن العلاقات المصرية-الروسية سيكون لها مستقبل كبير لاسيما بعدما استلام الرئيس عبد الفتاح السيسي لمقاليد الحكم في مصر، حيث بدأت العلاقة بينهما حين شغل منصب وزير الدفاع المصري إبان حكم الاخوان المسلمين. إضافة إلى ذلك، قامت روسيا باستئجار عدد من المناطق على ضفاف قناة السويس لأغراض اقتصادية حيث قدّر حجم الاستثمارات بحوالى 4.6 مليار دولار. إضافة إلى ما سبق، لابدّ من الحديث عن التعاون في مجال الطاقة النووية وسعي روسيا لإعادة استكمال البناء في محطة الضبعة الذرية، ناهيك عن معلومات تشير إلى سعي روسيا لإقامة قاعدة عسكرية جوية فيها مستفيدة من التباعد المصري-الأميركي إبّان عهد الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما.
– يُعتبر ميناء بريوس اليوناني أحد محطات طريق الحرير البحري حيث يُعتبر أيضاً أحد أهم المداخل التي تسلكها البضائع الصينية إلى أوروبا. وليس خافياً على أحد العلاقة الكبيرة بين اليونان وروسيا إن لجهة التديّن بالأرثوذكسية، أو المواقف السياسية ومنها رفض اليونان العقوبات الأوروبية على روسيا عند ضمّها لشبه جزيرة القرم في آذار/مارس 2014. إضافة إلى ما سبق، تُعتبر اليونان محطة مهمة يمر عبرها الغاز الروسي بما يُسمّى “السيل الأزرق” أو “السيل التركي” مما يربطها بشكل أوثق مع روسيا لاسيما وأنها تعاني من ضائقة مالية كبرى. كذلك، يرى بعض المراقبين بأن لليونان فرصة مستقبلية في الدخول إلى الاتحاد الأوراسي إذا ما تبدّى في الأفق تفكّك للاتحاد الأوروبي خصوصاً وإن الأخير يعاني من أزمات عديدة.
– بسبب انحسار نسبة الجليد في المحيط المتجمّد الشمالي، يذكر العديد من التقارير بأن خط “الدرب الشمالي” يمكن أن يصبح جاهزاً للملاحة ما بين العامين 2030 و2050 خصوصاً وإن إحدى السفن الالمانية قد عبرت سابقاً تلك المنطقة. من هنا، إن المسار الطبيعي للبضائع الصينية، حال افتتاح هذا الخط، سيكون عبر مضيق برينغ الذي يفصل روسيا عن الولايات المتحدة الأميركية، إضافة إلى أن السير في المحيط سيكون تحت أنظار موسكو، وقريب من شواطئها، لاسيما مع زيادة الاهتمام الروسي بتلك المنطقة وتخصيص وحدات عسكرية تنحصر مهامها في القطب الشمالي.
– إن العديد من الدول المذكورة المرتبطة بمصالح مع روسيا، ترتبط أيضاً بمصالح مع الصين خصوصاً مع طفرة السيولة المادية التي تمتلكها الأخيرة.- إن العلاقات الروسية-الصينية اليوم هي في أحسن الأحوال لاسيما وأن هناك العديد من الرؤى المشتركة والعلاقات الاستراتيجية، وإمكانية “انجذاب” موسكو إلى الغرب مستبعدة حالياً بشكل كبير لاسميا وإنها تفتقر إلى الثقة بعد العديد من القضايا (مثل: الإرهاب – أوكرانيا – سوريا)