النفايات تطمر ٣٦٤ بلدة
بعد ثلاثة أيام على قطع طريق مطمر الناعمة ـ عين درافيل، فاضت طرقات العاصمة وبلدات جبل لبنان بالنفايات. تحرّك الرئيس تمام سلام، ووعد بتقديم حلول مقابل فتح الطريق أمام الشاحنات لمدة ٤٨ ساعة، كما تحرك الرئيس ميقاتي وطلب من «سوكلين» رفع النفايات فبدأت آلياتها العمل اعتباراً من ليل امس
صحيفة الأخبار اللبنانية –
بسام القنطار:
في جلسة لمجلس الوزراء في نيسان عام ٢٠١٠، عندما احتدم النقاش حول جدوى تمديد عقود سوكلين. طالب وزراء بإطلاق مناقصة جديدة. حينها غضب الرئيس سعد الحريري وأطلق عبارته الشهيرة «خلّي الزبالة تطمركم». أمس، ملأت النفايات الطرقات من حاجز الأولي الى حاجز المدفون، والسبب أن شركة «سوكلين» رفضت جمع النفايات من طرقات بيروت وجبل لبنان بعد أقل من ساعة على منع أول شاحنة لشقيقتها «سوكومي» من الوصول الى مطمر الناعمة ـــ عين درافيل، تاركة أكثر من ٢٩٠ بلدية غارقة في نفاياتها وعاجزة عن القيام بأي دور، وهي التي لا تتلقى من الصندوق البلدي المستقل إلا فتات عائداتها التي تدفع غالبيتها مقابل «خدمات النظافة» التي تقوم بها مجموعة «أفيردا» نفسها.
ثلاثة أيام أمضاها الناشطون والناشطات أمام مدخل المطمر كانت كافية لإغراق العاصمة وجبل لبنان بالنفايات. فحملة إغلاق مطمر الناعمة ـــ عين درافيل تطالب بإيجاد بديل فوري من المطمر، وذلك بالعودة الى قرارات مجلس الوزراء التي حددت مواقع طمر بديلة عام ٢٠٠٧ ولم يتم تنفيذها، كما تطالب الحملة بتطبيق حرفي لعقد الطمر، الذي ينص على طمر العوادم وليس إدخال جميع أنواع النفايات الى المطمر وبكميات كبيرة، إضافة الى مطالبتها بإقرار رزمة القوانين التي تكفل التعويضات للبلديات وتعفيها من الديون المستحقة لصالح الصندوق البلدي المستقل.
مشهد النفايات المتراكمة في الشوارع حرّك بعض الركود في هذا الملف، إذ اجتمع رئيس الحكومة المكلف تمام سلام بوفد من المعتصمين، ووعد بأن تكون قضية إدارة النفايات على رأس أولويات الحكومة المنوي تشكيلها. وأعلن أمام الوفد أنه سيبحث الملف مع الرئيس نجيب ميقاتي ورئيس مجلس الإنماء والإعمار نبيل الجسر. الوفد وافق على مبادرة الرئيس سلام، والتزم بفتح الطريق أمام شاحنات «سوكلين» لمدة ٤٨ ساعة تنتهي عند السادسة من مساء الثلاثاء، على أن يتم تقديم اقتراحات عملية بالحلول المنوي تطبيقها، وشرط أن تبقى خيم الاعتصام موجودة الى جانب الطريق.
وعلمت «الأخبار» أن ميقاتي طلب من شركة سوكلين رفع النفايات من الطرقات بمعزل عن فتح طريق المطمر ، على أن يجري تجميعها في عقار مؤقت تحدده الحكومة الى حين إيجاد حل لموضوع المطمر .
لكن، ما هو الحل الذي تستطيع الحكومة المستقيلة والرئيس المكلف تقديمه للمعتصمين، في ظل الأزمة السياسية المفتوحة؟ فمن جهة، تحتاج القوانين المعجلة التي قدمت الى مجلس النواب الى إقرارها في جلسة عامة، وهو أمر صعب التحقيق، وسط توقعات بأن يتم تكرار سيناريو تطيير جدول أعمال الجلسة العامة لمجلس النواب المنوي عقدها في ٢٨ الشهر الجاري. في المقابل، لم تعمد حكومة الرئيس ميقاتي الى مناقشة خطة النفايات التي أعدّتها قبل استقالتها وهي خطة تبقي على مطمر الناعمة ـــ عين درافيل حتى عام ٢٠٢٠ بالحد الأدنى.
وعلمت «الأخبار» أن الوفد طرح أمام الرئيس سلام مبادرة بنقل مطمر عين درافيل الى موقع آخر اقترحه مجلس الإنماء والإعمار في منطقة إقليم الخروب وذلك كحل طارئ، وقد وعد الرئيس سلام بمناقشة الموضوع مع مجلس الإنماء والإعمار.
وعلى الرغم من مشهد النفايات المقزز في الشوارع، فإن ما اقترفته شركة «سوكلين» بامتناعها عن جمع هذه النفايات أعاد قضية إدارة النفايات الى جدول اهتماماتنا، بعدما تم تعطيله منذ سنوات.
وتقوم شركة «سوكلين» بأعمال الجمع والكنس في بيروت وجبل لبنان، ما عدا قضاء جبيل، وتضم هذه المنطقة ٣٦٤ بلدة وبلدية، وقد ارتفعت كمية النفايات التي تجمعها الشركة من ١١٤٠ طناً يومياً عند بدء أعمال العقد عام ١٩٩٤ إلى 3100 طن حالياً.
وفيما لم تعلن أي جهة رسمية بعد موقفها من امتناع شركة سوكلين عن جمع النفايات، ربطت الأخيرة المشكلة بتعذر دخول الشاحنات الى مطمر الناعمة ـــ عين درافيل، معلنة استعدادها لتنظيف المناطق خلال ساعات بعد ايجاد الحل.
ويستدل من هذا الربط بين جمع النفايات وطمرها أن عملية المعالجة للنفايات المرفوعة من الحاويات والتي تكلف المواطن اللبناني ما يزيد على ٧٠ دولاراً أميركياً لكل طن من النفايات، والتي يفترض أن تخفض كمية النفايات المطمورة يومياً الى أقل من ٦٠٠ طن، هي عملية هامشية وغير مجدية، وإلا فإن الشركة كانت لتستمر برفع النفايات لمدة تزيد على أسبوعين، قبل أن تعلن توقفها عن العمل لعدم وجود مكان لطمر «عوادم النفايات» في المطمر «الصحي» في عين درافيل.
وبالعودة الى العقود الموقعة من الشركات التي تتولى إدارة النفايات الصلبة، يتبين أن هذه العملية تمر في مراحل عدة بكلفة إجمالية تصل الى أكثر من ١٤٢ دولاراً أميركياً: من الكنس والجمع، الى الفرز والتسبيخ، مروراً بالكبس والتغليف ومن ثم الطمر، مع الإشارة الى أن هذه العمليات تخضع لإشراف شركتي لاسيكو ودي جي جونز.
نص عقد المعالجة مع شركة سوكوم أنترناشونال ـــ سوكومي، على أن تقوم الشركة بتشغيل مركزي المعالجة في الكرنتينا والعمروسية والتي قامت الحكومة اللبنانية بتجهيزهما عام ١٩٩٧. وقد أعدّ المركزان لمعالجة كميات تبلغ ١٧٠٠ طن يومياً. ورغم وصول الكمية المرفوعة يومياً الى ٣١٠٠ طن عام ٢٠١٣، بقيت مراكز المعالجة على حالها، فلم تعترض الشركة لأنها تحقق الأرباح من خلال زيادة كميات الطمر، ولم يبادر مجلس الإنماء والإعمار الى إيجاد مراكز معالجة جديدة، وهنا بالتحديد يظهر حجم الفضيحة المسماة «مطمر صحي» في عين درافيل الذي تحول الى مكب عشوائي بمواصفات «خمس نجوم»، فيتم تجهيزه بأغطية وتوضع له الأنابيب لتسهيل انبعاث غاز الميتان، في وقت يوضع فيه أكثر من ٢٤٠٠ طن من النفايات يومياً، بدون أي معالجة، في حين يتم تسبيخ ٣٠٠ طن في معمل الكورال في برج حمود بنوعية سيئة، ويتم فرز وإعادة تدوير قرابة ٢٥٠ طناً من الورق والكرتون والبلاستيك والمعادن التي تبيعها الشركة بأسعار تفاضلية، في احتكار واضح لسوق إعادة التدوير من دون أن تسترد الحكومة اللبنانية قرشاً واحداً من هذه الأموال!
وبعد خمسة عشر عاماً من افتتاح مطمر الناعمة ـــ عين درافيل، توسع هذا المطمر على مساحة وصلت الى قرابة ٣٠٠ ألف متر مربع، ودفن فيه ما يزيد على ١٥ مليون طن من النفايات. ورغم صدور مرسوم بالتعويض على البلديات المحيطة بالمطمر بستة دولارات أميركية عن طمر كل طن من النفايات، لم تحصل البلديات على التعويضات رغم رفع دعاوى أمام مجلس شورى الدولة.