النظام القضائي الأمريكي: عنصرية عرقية
موقع العهد الإخباري-
د. علي دربج :
لم يتعب الرئيس السابق دونالد ترامب المتهم بعشرات الجرائم والجنح وأبرزها الاغتصاب والابتزاز والتزوير، من تصوير نفسه على أنه ضحية، إذ يزعم هو وأنصاره أن هناك نظامًا قضائيًا في أمريكا يعتمد سياسة الكيل بمكيالين ومتحيز ويقوم على مستويين.
في الواقع، يحظى ترامب بفريق من المحامين الجيدين، وهو بذلك في وضع أفضل بمئات المرات من العديد من الأمريكيين المتهمين بجرائم مختلفة تقل عما ارتكبه ترامب طوال مسيرته في رئاسة أمريكا. لم يفكر أحد، على سبيل المثال بجدية في احتجاز ترامب أو حتى مراقبته إلكترونيًا أو مطالبته بالتخلي عن جواز سفره. وهو لا يحصل على نفس المعاملة مثل أي شخص آخر مدان في أمريكا. ولهذه الغاية نشرت الكاتبة سينثيا إي جونز، مقالًا في مجلة التشريع والسياسة العامة (نيويورك) في عام 2014، كتبت فيه أن “سلطة اتخاذ القرار شبه الجامحة الممنوحة لكافة المسؤولين غالبًا ما تتأثر باعتبارات غير لائقة، مثل الموارد المالية للمدعى عليه أو عِرق المدعى عليه”.
وتابعت: “نتيجة لهذه الإخفاقات، لم تؤد عملية تحديد الكفالة إلى عدم المساواة العرقية في قرارات الكفالة والاحتجاز السابق للمحاكمة فحسب، بل تسببت أيضًا بالإفراط في حبس المتهمين قبل المحاكمة واكتظاظ السجون في جميع أنحاء البلاد”. وما يدعم كلام جونز هو الأرقام الرسمية التي تؤكد هذه الوقائع المخزية للنظام القضائي الامريكي.
ماذا تقول الأرقام والتقارير عن اللاعدالة الأمريكية مقارنة بترامب وعامة الشعب؟
عام 2019، وجد تقرير صادر عن مبادرة سياسة السجون في الولايات المتحدة أنه اعتبارًا من عام 2002 (آخر مرة جمعت فيها الحكومة هذه البيانات على المستوى الوطني)، كان حوالي 29٪ من الأشخاص في السجون المحلية غير مدانين، أي مسجونين بانتظار المحاكمة أو عقد جلسة استماع أخرى.
كما أن ما يقرب من 7 من كل 10 (69 ٪) من هؤلاء المعتقلين كانوا من الملونين، فيما كان المدعى عليهم السود (43 ٪) والأسبان (19.6 ٪) يمثلون النسبة الأكبر بشكل خاص، مقارنة بنصيبهم من إجمالي سكان الولايات المتحدة. أكثر من ذلك، منذ ذلك الحين، تضاعف عدد الأشخاص الذين ينتظرون المحاكمة، حيث يشكل المدعى عليهم غير المدانين حاليًا حوالي ثلثي (65٪) نزلاء السجون على الصعيد الوطني.
والأخطر أنه يمكن للحبس الاحتياطي – الذي يمكن أن يستمر لأشهر نظرًا لتراكم المحاكمات – أن يعرّض المتهمين لخطر جسدي، ويحرم الأطفال من أحد الوالدين، ويدفع بأسرهم إلى الانهيار المالي، ويزيد الضغط للتوصل إلى اتفاق مع الإقرار بالذنب.
زد على ذلك أن تأخير المحاكمات وهو أداة استراتيجية لترامب، يمكن أن يكون مشقة لأولئك المسجونين أو الحريصين على تبرئة أسمائهم. ففي ديسمبر/ كانون الأول الماضي، كشف تقرير لشبكة “سي بي إس” عن مئات الآلاف من القضايا الجنائية المعلقة في جميع أنحاء البلاد.
وفي السياق ذاته وثق “المركز الوطني لمحاكم الولايات” أنه رغم جهود الإصلاح “لا يزال التأخير في معالجة القضايا الجنائية، يمثل مشكلة مستمرة لمحاكم الولايات. فهناك القليل من المشاكل الأخرى التي تحظى بنفس القدر من الاهتمام من القضاة والمحامين والجمهور”.
من هنا، وجد تقرير لمعهد تومسون رويترز لعام 2023 أن المشكلة تزداد سوءًا، حيث يقول 79 % من القضاة على مستوى الولايات والبلديات إن “التأخير أثّر على عملية جلسات الاستماع الخاصة بهم”. في حين أن 44 % من المشاركين يؤكدون أن الأعمال المتراكمة قد زادت خلال الأشهر الـ 24 الماضية. وبالمثل قال 45% الشيء نفسه، عن عدد القضايا في المحاكم.
وبناء على ذلك، صحيح أن ترامب قد يتذمر من أنه سيحتاج لسنوات للتحضير للمحاكمة في المحكمة الفيدرالية بشأن دوره في تمرد 6 يناير 2021، لكن بإمكانه توظيف العديد من المحامين كما يحلو له والاستثمار في البرامج لإدارة المستندات، فضلًا عن أنه سيكون قادرًا أيضًا على إيجاد مستشارين وخبراء، ومحققين لهيئة المحلفين.
ماذا عن الظلم العنصري من قبل نظام العدالة الأمريكي؟
في الواقع، أدى نظام العدالة غير المتكافئ إلى جانب تجريم جرائم المخدرات غير العنيفة إلى ظاهرة السجن الجماعي، وهي محرك لعدم المساواة والفقر والضيق الاجتماعي. فالتأثير التمييزي على الملونين لا يمكن إنكاره، كونه فاضحًا جدًا.
من هنا، أفاد مركز برينان للعدالة أن أكثر من 70 مليون أمريكي لديهم سجل إجرامي، بينهم ما يقرب من 8 ملايين في السجن.
ترتبط هذه العواقب الوخيمة ارتباطًا وثيقًا بتاريخ الأمة الأمريكية الممتد لحوالي 400 عام من الظلم العنصري. إذ يشكل الرجال والنساء السود واللاتينيون أكثر من نصف جميع الأمريكيين الذين ذهبوا إلى السجن. والمثير في الأمر أن هذا التفاوت يعود إلى عقود من السياسات التمييزية والإفراط في مراقبة المجتمعات الملونة.
وانطلاقًا من هذه النقطة، وبينما يواجه جميع الأشخاص الذين ذهبوا إلى السجن انخفاضًا شديدًا في مداخيلهم المالية، فإن تحسُّن أرباح الأمريكيين السود واللاتينيين، يبقى الأقل احتمالًا من البيض من نفس المجموعة الاجتماعية والاقتصادية.
في المحصلة، حتى لا يظن أحد أن السجون الأمريكية تتمتع بالرفاهية وتراعى فيها حقوق الانسان، لنقرأ ما قالته صحيفة “واشنطن بوست” عن سجن مقاطعة فولتون – حيث قد يقضي ترامب دقائق فقط أثناء المعالجة لتهمه العديدة – الذي يشتهر بالآتي: “الاكتظاظ ووفيات المعتقلين”. فالسجن مصمم لاستيعاب 1,125 بدلا من ذلك يستوعب 2,500. وما يلفت الانتباه هنا، أنه توفي داخله أكثر من 60 سجينًا بين عامي 2009 و 2022، 15 منهم في العام الماضي وحده. كذلك يوصف السجن بالرائحة الكريهة، وببرودته، إضافة الى أنه موبوء بالحشرات، وكذلك يوصف بقذارته وببنيانه المتهالك.