النظام العالمي الجديد والخوف الإسرائيلي منه
صحيفة الوطن السورية-
تحسين حلبي:
ياكوف عاميدرور عميد متقاعد من جيش الكيان الإسرائيلي، ورئيس سابق لمجلس الأمن القومي ما بين 2011-2013 وخدم في مناصب متعددة خلال 36 سنة في الجيش، نشر دراسة في موقع «جروزليم تريبيون للأبحاث» بعنوان «مكان إسرائيل في النظام العالمي الجديد» انطلق فيه من مسلمة يعترف فيها بأن «العالم الذي تجد إسرائيل نفسها فيه الآن أصبح مختلفاً عن العالم الذي نشأ فيه جيل المؤسسين وسط توترات الحرب الباردة وظهور الجيوش العربية الكبيرة عند حدود إسرائيل، في حين بدأنا نشهد في السنوات العشر الماضية نهوض الصين ونية الولايات المتحدة المعلنة بتخفيض وجودها في الشرق الأوسط وظهور الدور الهجومي الروسي ومضاعفات هذه التطورات على الشرق الأوسط».
ويقر عاميدرور أن «إسرائيل تواجه أخطاراً متزايدة بسبب تحول كفة ميزان القوى العالمي لمصلحة آسيا وهذا ما يستدعي بالضرورة زيادة القوة الإسرائيلية والعمل الدؤوب على تعزيز الدعم الأميركي لها واستخدام ما أقامته من علاقات مع بعض الدول العربية».
وما نفهمه من هذه المسلمة أو المقدمة هو أن الظروف التي توافرت للحركة الصهيونية لتأسيس المشروع الصهيوني في فلسطين في القرن الماضي لم تعد موجودة لضمان استمرار وجود الكيان الإسرائيلي لأن ميزان القوى الذي كانت الدول الاستعمارية التاريخية مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة تشكله في فرض نظامها العالمي، بدأ يتعرض للضعف أمام الصين في آسيا وروسيا في أوروبا، ولأن ولادة نظام عالمي جديد أصبحت حقيقة أمام ضعف الوجود الأميركي في المنطقة وهزيمة مشروعه ضد روسيا في أوكرانيا، ولا أحد يقلل من أهمية الدور الصيني بعد أن تمكنت القيادة الصينية من إغلاق جبهة حرب أميركية كانت واشنطن تعدها للمنطقة بين الرياض وطهران خلال عشر سنوات ماضية، فالنجاح السريع والخاطف في جمع الطرفين الإيراني والسعودي واستعادة علاقاتهما برعاية وإسناد صيني، وجه ضربة شديدة التأثير على المخطط الأميركي – الغربي- الإسرائيلي ووضع عدداً من دول المنطقة أمام فرصة تاريخية عربية – إسلامية للتضامن من أجل مصلحة شعوبها.
ويكشف عاميدرور أن الصين وروسيا جمدتا قدرة واشنطن والغرب على استخدام الأمم المتحدة كأداة لفرض حلولها على النزاعات وأصبحت الصين وروسيا يفرضان قدرة دولية في منع الحلول التي يريد الغرب فرضها باسم الأمم المتحدة، وهذا ما جعل دول كثيرة تفقد الثقة بدور وقدرة واشنطن على إدارة الحلول والنزاعات.
وعلى مستوى المنطقة يقارن عميدرور وضع الكيان في الستينيات حين كانت دول إقليمية كبرى حليفة له في المنطقة مثل إيران الشاه وتركيا ثم جاءت تطورات جعلت إيران أكبر قوة إقليمية حليفة لكل القوى التي تهدد وجود إسرائيل مثل سورية والفصائل الفلسطينية، وبالمقابل لم يتمكن الكيان من الاستفادة من حليفه التاريخي التركي إلا قليلاً، كما لم ينجح في تحويل اتفاقه مع مصر في كامب ديفيد إلى مصدر قوة في المنطقة بل أصبح الكيان يجد نفسه محاطاً بجبهات حرب قوية من شماله وجنوبه ووسطه داخل الأراضي المحتلة.
وكانت الهزيمة القاسية على الكيان في السنوات الماضية بموجب ما اعترف به المحلل الإسرائيلي للشؤون العربية في مختلف مراكز الأبحاث والوسائل الإعلامية طوال خمسين سنة ايهود ياعاري هي هزيمته في سورية، فتحت عنوان «كيف هزمت إسرائيل في الحرب الداخلية السورية» نشره في موقع «جروزليم تريبيون» نفسه في حزيران 2023 يقول يعاري: «إن بقاء الرئيس بشار الأسد في الحكم وحليفاً لإيران، شكل فشلاً استراتيجياً لإسرائيل، فبعد حرب 12 عاماً على سورية، أصبحت إسرائيل الخاسر الأكبر في المنطقة، ولا يزال جيش سورية وامتداد تحالفه مع إيران وعبر العراق وامتداد تحالفه إلى حزب اللـه في جنوب لبنان يولد الأخطار ويجعل القوى المعادية قرب حدود إسرائيل».
ويبدو أن يعاري يدرك أثناء كل تلك السنوات بصفته أحد أهم الإعلاميين المحرضين للإرهابيين أن جيش كيانه تكبد هزيمة مريرة على الرغم من كل أشكال التدخل العسكري والاستخباراتي المباشر وغير المباشر الذي نفذه على الأرض السورية، وولدت هذه الهزيمة بالضرورة المزيد من الضعف للكيان والمزيد من القوة لمحور المقاومة وحلفائه في المنطقة وعلى المستوى العالمي، وهذا ما يعترف به أيضاً عاميدرور في دراسته.