النظام الرئاسي هو الحل للأزمات في العراق
صحيفة الوفاق الإيرانية-
سيدرضا قزويني غرابي:
لقد اشتدت حدة الأزمة السياسية في العراق هذه الأيام مرة أخرى. وطبعا العراقيون معتادون على هذه العملية خاصة في فصل الصيف عندما يواجهون أزمة طاقة وكهرباء. هذه الأزمة نفسها تشل البلاد كل عام في فصل الصيف وتجعل المواطنين يخرجون للشوارع. أن خروج الناس للشوارع يخلق ظروفاً أمنية خطيرة.
“أزمة بعد أزمة” هو الوضع الذي اصبح سائدا في العراق بصورة دائمة في كل مرة بعد اجراء كل انتخابات يواجه العراق تحديات ومشاكل ومعضلات خطيرة تدفع بهذا البلد الى حافة الهاوية. قضية انتخاب رئيس الوزراء والاتفاق على تسميته ليست السبب الرئيسي الوحيد لأزمة العراق. وانما هناك اسباب اخرى مثل: تشكيل كتلة الأغلبية في البرلمان والتحديات المتعلقة به، والاعتراف بكتلة الأغلبية من قبل الأحزاب السياسية، وانتخاب رئيس مجلس النواب، وانتخاب رئيس الجمهورية ثم تشكيل الحكومة، كل ذلك يؤدي الى تعقيد الازمة في العراق في كل مرة. وتتكرر هذه الأزمات بعد كل فترة انتخابات نيابية. من الطبيعي أن تكون لهذه الأزمات خلال السنوات الأربع من عمر الحكومة عواقب وخيمة على حياة المواطنين، لأنهم دائماً ما يواجهون حكم الحكومات الضعيفة والعاجزة عن تلبية مطالب وحاجات الشعب.
“الصدر” جلب انصاره للشارع
10 أشهر مرت على الانتخابات النيابية، وأصبحت الشوارع أداة ضغط بيد تيار “الصدر” للضغط على منافسيه. لقد استخدم “الصدر” هذا الخيار -جلب انصاره للشارع- في كل مرة وفي كل أزمة. بعد فشل الأحزاب السياسية في إدخال كتلة الأغلبية في البرلمان وتشكيل الحكومة، أعلن تكتل “الصدر” استقالة جميع نوابه في البرلمان الجديد، مما فتح المجال لتشكيل الحكومة ضد منافسيه في البيت الشيعي. المقصود بالبيت الشيعي هو نفسه “الإطار التنسيقي”. حدث ذلك في حين لم يخطر ببال “إطار التنسيق الشيعي” أن التيار الصدري سيترك المشهد السياسي بهذه السهولة. ورأى قادة “الإطار التنسيقي” أن “الصدر” يحمل في جيبه ورقة رابحة بعد انسحابه من البرلمان وتسليم مقاعد نوابه، وهو ما يريد أن يفاجئ به منافسيه.
اختيار “محمد شياع السوداني”
اختيار “محمد شياع السوداني” كمرشح لمنصب رئيس الوزراء من قبل “الإطار التنسيقي الشيعي” أعطى هذا العذر لـ “الصدر” كشخص رأى نفسه خارج لعبة المشهد السياسي، لإشعال الشوارع مرة اخرى. اشتعلت النيران في الشوارع من قبل “الصدر” بينما كان “مقتدى ” نفسه هو الذي أعطى الفرصة لمنافسيه، بتخليه عن مقاعده البرلمانية، لانتخاب رئيس للوزراء. تسبب تحرك “الصدر” في انطلاق مظاهرات ضد الحكومة التي لم تتشكل بعد. هاجم متظاهرون ينتمون للتيار “الصدري” المنطقة الخضراء المحصنة في بغداد ووصلوا إلى مبنى البرلمان. حتى أنهم دخلوا مجلس القضاء الأعلى للمرة الأولى.
حلاً تفاوضياً
من ناحية أخرى، وصف “إطار التنسيق الشيعي” هذه الحركات من قبل أنصار “الصدر” بانقلاب على السيادة والشرعية، وفي إجراء مماثل دعا الاطار أنصاره إلى تظاهرات في الشوارع. كما دعا “الإطار التنسيقي” أنصاره إلى القيام بمظاهرات دفاعا عن السيادة. هذه بعض المشاهد التي اعتاد العراق عليها. لا شيء جديد يمكن رؤيته في هذه المشاهد. وانما التفاصيل هي الوحيدة التي تختلف عن بعضها البعض، في غضون ذلك، يقترح البعض إجراء انتخابات مبكرة والسعي لحل البرلمان من خلال جمع التواقيع حتى يتمكنوا من تحقيق الهدف الذي يريدونه. من ناحية أخرى، يقترح البعض الآخر حلاً تفاوضياً؛ حل اعتاد العراقيون على رؤيته على أنه عديم الجدوى وغير فعال. مع كل هذا يجب أن نقول إن إجراء انتخابات مبكرة ليس السبيل للخروج من أزمة العراق. والسؤال المطروح هو: “طالما توفرت شروط تشكيل أزمات متتالية في العراق، كيف يمكن اللجوء إلى انتخابات مبكرة وتشكيل حكومة وحدة وطنية، ان يؤدي إلى الخروج من الأزمة”؟
تعديل الدستور وقانون الانتخابات
اليوم، ربما أدرك الجميع أن السبب الرئيسي للأزمات العديدة والمتكررة في العراق هو طبيعة النظام السياسي الذي يحكم هذا البلد بعد سقوط النظام السابق في عام 2003. بعبارة أخرى، يعتبر النظام السياسي وقانون الانتخابات والدستور من بين الجذور الرئيسية للأزمة في العراق وقد تسببت في إضفاء الطابع المؤسسي على نظام الحصص في الهيكل السياسي لهذا البلد. لذلك، بعد أحداث أكتوبر 2019، رأينا جيداً أن الأنظار تتجه نحو ضرورة إجراء تغييرات جذرية في الدستور وقانون الانتخابات. وفي هذا الصدد، تم تشكيل عدة لجان في مجلس النواب العراقي لبحث كيفية تطبيق الإصلاحات والتغييرات المذكورة أعلاه. إلا أن مصالح عدد من الشرائح السياسية والجهات المؤثرة جعلت عمل هذه اللجان لا يؤدي إلى أي نتائج.
يمكن بوضوح ملاحظة أن العديد من الأزمات السياسية في العراق لها أصل واحد، وهو طبيعة وشكل النظام السياسي البرلماني الذي يحكم هذا البلد. هذه هي آلية اختيار رؤساء القوى الثلاث، مما تسبب في تشكيل أزمات كثيرة في العراق. آلية تشكيل كتلة الأغلبية في مجلس النواب، التفسيرات الغامضة للمحكمة الاتحادية العليا في تحديد كتلة الأغلبية، خطوات تشكيل الحكومة، آليات اختيار الوزراء، عدم صلاحية رئيس الوزراء لعزل الوزراء وإقالتهم، وما إلى ذلك، كلها تمثل مشاكل ومعضلات عانى منها الهيكل السياسي للعراق دائما. كما أن الأزمة الحالية في المشهد السياسي هي نتيجة حكم النظام السياسي النيابي وحكم الآليات غير الصحيحة المذكورة. وبناءً على كل ما قيل، فمن نافلة القول أنه بسبب تجارب الماضي المريرة، فان “النظام البرلماني” قد فشل خلال العقدين الماضيين، ومن الضروري تغيير هذا النظام إلى “النظام الرئاسي” طبعا هذا التغيير يجب ان يتم وفق الاوضاع السياسية والاجتماعية الحالية للعراق من اجل منع تكرار الازمات.
يضمن “النظام الرئاسي” الاستقرار في العراق
“النظام الرئاسي” يمكن أن يجلب نوعاً من الاستقرار إلى العراق. في ظل هذا النظام، فإن الناس هم من يختارون رئيسهم خلال عملية انتخابية مباشرة. في هذه الحالة، يعتبر الرئيس نفسه مسؤولاً أمام الشعب. لن ينتمي الشخص المنتخب من قبل الشعب إلى حزب أو أحزاب معينة وهو رئيس كل الشعب. في ظل حكم “النظام الرئاسي”، تكون السلطة في يد السلطة التنفيذية، وهو بصفته رئيس الدولة، يقوم باختيار الوزراء. إذا تبين أن أي من الوزراء غير أكفاء، فيمكن للرئيس اتخاذ إجراءات ضدهم شخصياً وإقالتهم إذا لزم الأمر.
بشكل عام، يضمن “النظام الرئاسي” الاستقرار في المجتمعات التي تتأثر دائماً بالتوترات السياسية والأمنية. على الرغم من حقيقة أنه في ظل حكم هذا النوع من النظام السياسي، قد يحدث نوع من الأحادية في اتخاذ القرارات السياسية، إلا أنه يجب الاعتراف بأن الانهيار السياسي والاجتماعي، تماماً مثل ما يعاني منه العراق اليوم، هو أخطر بكثير من الأحادية في اتخاذ القرارات. بالطبع، من خلال الدستور والمؤسسات القانونية، يمكن إنشاء آليات لمنع ظهور الاستبداد والديكتاتورية في النظام الرئاسي أثبتت تجربة “الأنظمة البرلمانية” أن الاعتماد على هذا النوع من النظام الحكومي لا يفيد إلا الديمقراطيات الراسخة والمؤسسية في جوهر الأحزاب الوطنية الأصيلة. هذا النظام [النظام البرلماني] جعلنا نواجه مشاكل كثيرة في العراق. الحقيقة هي أن المجتمع السياسي في العراق ليس مجتمعا ديمقراطيا.لم يشهد العراق قط أحزابا وطنية قوية ذات خطط وبرامج مستقرة. على الرغم من أن النظام العشائري في العراق لا يزال قوياً، إلا أن منظمات المجتمع المدني ضعيفة. لم يكن للفاعلين السياسيين في العراق هوية مستقلة وقوية.
منشأ الأزمات السياسية
“مدى وجود مصالح مالية” هو العامل الرئيسي في اصطفاف الفاعلين السياسيين في البرلمان والأحزاب. لذلك، انحرف “النظام البرلماني” عن مهامه الرئيسية، وتسبب في المزيد من التعقيد في البيئة السياسية. هذا النظام اصبح اليوم هو منشأ الأزمات السياسية.
من جهة أخرى، وكما ذكرنا سابقاً، في ظل “النظام الرئاسي”، ينتخب الشعب العراقي رئيس وأعضاء مجلس النواب مباشرة ورئيس الجمهورية بصفته رئيس الدولة يقوم باختيار الوزراء نيابة عن الشعب. في هذا الوضع لن يصرف مجلس النواب والأحزاب السياسية وقتهم طيلة اشهر في انتخاب رئيس الوزراء وتشكيل الحكومة. هكذا يتم منع الأزمات المتكررة والمتعددة وإغلاق الأبواب أمام شراء الوظائف والمناصب والبرلمان في “النظام الرئاسي” مسؤول عن التشريع ومراقبة تصرفات رجال الدولة في ظل هذا النظام لن يكون للبرلمان أي تدخل مباشر في شؤون الحكومة على أساس مبدأ “فصل السلطات”.
في غضون ذلك يخشى البعض من أن يصبح “النظام الرئاسي” حاكما في العراق وتكرار تجربة نظام “حزب البعث”. هذا بينما ظروف العصر الحالي لا يمكن مقارنتها بظروف تلك الحقبة. النظام السياسي الحالي في العراق ليس نظاما حزبيا بحيث نشعر بالخشية من تكرار تجربة ذلك العصر المظلم والاسود، لأن شؤون العراق اصبح اليوم جزءاً من المجتمع الدولي وله مؤسسات وأجهزة قانونية وشرعية. مؤسسات تلعب فيها جميع العشائر والأديان والأعراق دوراً فيها.
من ناحية أخرى، لا بد من القول إن “النظام السياسي” يتأسس بعد مناقشات شاملة ومتعمقة بين كافة الفئات السياسية والمنظمات الاجتماعية والناشطين والخبراء الأكاديميين. ونقول بحزم انه بدون تعديل الدستور وقانون الانتخابات لتأسيس “نظام رئاسي او شبه رئاسي” لا يمكن التخلص من الازمات المتلاحقة والمدمرة في العراق. حتى لو نجحت الدعوات لإجراء محادثات وحوارات سياسية للخروج من الأزمة، فإن هذا النجاح سيكون مؤقتاً. النقطة المهمة هي المطالبة بتغيير النظام السياسي في البلاد. طبعا من الصعب جدا ادراك هذا الاهمية في ظل مصالح الاطراف العراقية ومصالح الاطراف الاقليمية والدولية وتدخلاتها. لكن «النظام الرئاسي» هو السبيل الوحيد لإنقاذ العراق من أزمات مدمرة.