النظام التركي ومعارضته.. إستبدال الوجوه والأقنعة!
صحيفة الوطن السورية-
د. بسام أبو عبد الله:
يعتقد البعض من خلال طرق التعاطي التي اعتدنا عليها، والتي تقوم على «الحب والكراهية» و«الأبيض والأسود»، و«الخير والشر»، أن قاعدة «عدو عدوي صديقي» هي صحيحة، وتصلح لكل وقت وزمان، وهذه القاعدة يطبقها البعض لدينا دون قراءة في عمق التطورات والملفات المعقدة والمتداخلة والتخصصية إلى حدّ ما، ومناسبة حديثي أن البعض لدينا يُبرز في الشأن التركي تصريحات زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كيليتشدار أوغلو على أنها الخلاص لسورية إذا وصل هو وحلفاؤه إلى السلطة، وخاصة أنه تحدث عن إعادة اللاجئين السوريين خلال سنتين، وإعادة السفارة التركية والاتصالات مع الدولة السورية، والحقيقة أن هذا الكلام يبدو للوهلة الأولى إيجابياً، ويناسب ما تدعو إليه سورية كل الدول التي تورطت بالحرب عليها، ولكن نفسه كيليتشدار أوغلو، وفي 8 تشرين الأول الجاري خلال لقاء له في مقر حزب الشعب الجمهوري مع وفد ممن يسمون أنفسهم «معارضة سورية»، التي تحولت لمهنة من لا مهنة له، عندما سألوه عن تصريحاته بشأن إعادة اللاجئين السوريين، وكيف يمكن إعادتنا إلى نظام قتلنا وشردنا، حسب تعبيرهم؟ قال: «سوف نطبق النظام الذي طُبق في قبرص، ونقيم لكم مناطق آمنة بحماية قوات سلام دولية، مدعومة من قوات تحالف دولية، لا يسمح فيها للنظام أن يقترب منها، وسوف تبقون تعيشون في هذه المناطق الآمنة حتى يتم تغيير النظام في سورية».
إذا دققنا ما الذي يجمع التصريحين الأول والثاني، فالحقيقة لا شيء! لأن الأول هو تصريح انتخابي لجذب أصوات الأتراك الذين كرهوا ملف اللاجئين السوريين بشكل عام، وجذب أصوات أولئك المتعاطفين مع سورية والرئيس بشار الأسد في تركيا، والثاني ومن خلال الحديث مع وفد ما يسمى «معارضة سورية»، هو المشروع الحقيقي الذي ستتبناه المعارضة التركية إذا وصلت للسلطة، وهنا علينا أن ننتبه إلى أن طرح موضوع قبرص كنموذج لسورية يعني أن مشروع التقسيم مازال يدغدغ مخيلة الصهاينة والإسرائيليين، وأن بعض الأدوات لا تزال بين أيديهم للقيام بمحاولات أخرى، ولذلك فإن كلام زعيم حزب الشعب الجمهوري ليس من بنات أفكاره، إنما من بنات أفكار من يخطط له في الخارج لإيصاله للسلطة كحامل لهذا المشروع، كما جاء أردوغان كحامل لمشروع الإخوان المسلمين، وكجزء تنفيذي من مشروع الشرق الأوسط الكبير أو الجديد.
الناحية الأخرى التي يجب أن نلتفت إليها أن الصهيوني الفرنسي برنار ليفي زار منطقتين مؤخراً، الأولى في أفغانستان عندما قدم الدعم لأحمد شاه مسعود، الابن، والتقط الصور معه، وعبر عن الاستعداد لتسليحه ضد حركة طالبان بهدف الاستمرار بـضرب الاستقرار، وتفتيت المجتمع الأفغاني، وإشعال الحرب بين مكوناته كي لا يتمكن خصوم الولايات المتحدة من الاستفادة من هزيمتها وانسحابها، أما الزيارة الثانية لبرنار هنري ليفي فكانت لجماعة «قسد» الانفصالية، حيث التقط الصور نفسها، وعبر عن الدعم لمشروعهم الذي يهدد وحدة الدولة السورية، وجميعنا يعرف أنه حيثما حل برنار ليفي فهذا، يعني أن أقدام هرتزل وبن غوريون واليمين الفاشي الصهيوني تتحرك، ويعني أيضاً أن الدعم الأميركي الصهيوني لما يسمى «مشروعاً كردياً» سوف يستمر، وسيأخذ صيغاً جديدة، ولن تتخلى أميركا عنهم كما يروج، لأن هذا المشروع صهيوني إسرائيلي، ومصلحة بقائه لإسرائيل وليس لأميركا، وهي الدافع للاستمرار به، وبالمناسبة فإن مسؤول الشرق الأوسط في مجلس الأمن القومي الأميركي بريت ماكغورك هو أحد أكبر الداعمين لما يسمى «مشروعاً كردياً» في المنطقة.
يترافق كل ذلك مع مطالب ملّحة ويومية للمعارضة التركية لإطلاق سراح صلاح الدين ديميرطاش من السجن، والذي تزعم حزب الشعوب الديمقراطي، نظير «قسد» في سورية، أي الواجهة السياسية لحزب العمال الكردستاني في تركيا، وديميرطاش الذي يطالبون بإطلاق سراحه يومياً كان يقول: «إنه سوف يضع تمثالاً لـعبد اللـه أوجلان يوماً ما في ساحات الرقة، وفي الجزيرة السورية، وسوف يضم اللاذقية إلى كردستان السورية – روجافا»، كما يسميها محتالو المشروع الانفصالي لدينا، وهو نفسه من كان يقول أيضاً: «إن بصاق حزب العمال الكردستاني PKK قادر على إطفاء القومية العربية والفارسية والتركية»! وبالطبع فإن الهدف من إطلاق سراحه هو صناعة هيكل جديد مثل أوجلان، أي خلق أوجلان جديد للمرحلة القادمة!
إن وصول المعارضة التركية للسلطة، سيكون خطراً جداً حتى لو تخلصنا من أردوغان، لأن أردوغان استهلك من الولايات المتحدة، ولم يعد مفيداً لأصحاب المشروع، وملفاته وسخة جداً، ولابد من استبداله والإتيان بوجوه جديدة ليست مستهلكة، ونحتاج لوقت طويل لكشفهم، وكي نفهم أكثر علينا أن نتابع ما يكتب في أميركا عن أردوغان: قصة مرضه وخليفته، وقصة عدم استقبال بايدن له في نيويورك، وقول بايدن إنه سيطيح به بالتعاون مع المعارضة التركية، وفي كل يوم هناك قصص وروايات عن فساد أردوغان وتسلطه، واستبداله وأسرته وغيرها.
بالطبع هو كذلك، وهذا قد يُطربنا ويسرنا، ولكن الهدف من إزالة أردوغان ليس إسعادنا، وليس لأنه ديكتاتور وطلق الديمقراطية، ولكن لأنه أستُهلك، ولم يعد لاعباً مطلوباً على المسرح، وخطابه ليس جذاباً، وانكشفت أوراقه كلها، ولهذا يجب أن نفهم بعمق ماذا تريد أميركا التي جلبت أردوغان للسلطة، وهي من يريد الإطاحة به!
الآن قد يسأل سائل: إذاً ما العمل؟ الحقيقة أن موسكو والرئيس فلاديمير بوتين يعرف هذه التفاصيل، ويعرف أنه إذا انتهت أوراق أردوغان عند واشنطن، علينا استثماره وهو ضعيف، والاستفادة قدر الإمكان من هذا الوضع للتقدم للأمام في إدلب، وحصار المسلحين الإرهابيين هناك، وإعطاء رسالة أوضح للانفصاليين أن دوركم قادم.
ما أود قوله بوضوح وصراحة إننا يجب أن نفكر بـعقل بارد أكثر تجاه ما يجري، وألا ننجر سريعاً بشكل عاطفي لتصريح من هنا أو هناك، فما يمكن أن يحدث في تركيا مع مجيء المعارضة قد يكون أكثر خطورة علينا من بقاء أردوغان على كل قذاراته، ووضع أردوغان يذكرني تماماً بوضع صدام حسين بعد انتهاء الحرب الظالمة التي شنها على إيران، حيث انقلب حلفاؤه وداعموه عليه، وممولو حربه، وتحول من بطل القادسية والعرب، إلى شخصية يجب إزالتها من الطريق بعد أن انتهى دوره ونفذ ما هو مطلوب منه، فتم اللجوء لشيطنته تمهيداً لإسقاطه، وصدام كابر آنذاك وتأخر في التواصل مع دمشق لأنها كانت مخرجه الوحيد بسبب عقدته النفسية مع الراحل الكبير حافظ الأسد، والآن يبدو أن أردوغان يسير على نفس الخطوات التي سار عليها صدام حسين، فهو يدور في عقده النفسية، ومكابرته الشخصية تجاه الرئيس بشار الأسد، وهو يعرف أن لا مخرج له سوى بوابات دمشق، لكن بعد أن يتعاون في إدلب، ثم للقضاء على مخاطر تقسيم سورية وتركيا.
أردوغان لا خيار أمامه سوى دمشق والرئيس الأسد، وإذا تأخر كثيراً فلن يكون مصيره إلا كمصير صدام حسين، أما المعارضة التركية بكل ألوانها فهي ليست سوى وجوه وأقنعة جديدة بديلاً من القناع القديم لأردوغان وجماعته، الذي سقط وكشف قباحة الوجوه، التي تتلطى خلفه.
النظام التركي ومعارضته هذا هو واقعهما، وما سيتم إذا نجحت المعارضة التركية ليس خلاصاً لسورية، وإنما استبدال للوجوه القديمة بوجوه جديدة تحت عناوين مختلفة للاستمرار باستهداف سورية التي أسقطت حتى الآن هذا المشروع الصهيوني الخطر، والذي لا يخدم إلا بقاء الكيان العنصري في فلسطين عبر الإطباق على سورية من جنوبها، عبر إسرائيل، والإطباق من شمالها عبر «إسرائيل الثانية» تحت عنوان إثني كردي، وسيكون الإخوة الكرد ضحايا ليس إلا، ونحن لا نشك هنا بوطنيتهم وانتمائهم ومحبتهم لسورية، لكن نشك بأولئك العملاء والمرتزقة الذين يعملون على تنفيذ مشروع التقسيم ووهم الانفصال.