“النصر” في الأردن أيضاً
موقع إنباء الإخباري ـ
الأكاديمي مروان سوداح*
لم يتطرّق أحدٌ في هذا العالم، خلال الاحتفالات الأُممية الراهنة للنصر على النازية والفاشية والعسكرتاريا اليابانية في الحرب العالمية الثانية وفي شقِّها السوفييتي – الروسي، المعروف بـِ”الحرب الوطنية العظمى للشعب السوفييتي”، لدور موسكو الحاسم في إحراز النصر المؤزر وإنقاذ العالم العربي، من الماء الى الماء، من فناء تام على يد مجرمي التطرف والارهاب الدولي الهتلري والموسوليني والامبرطوري، الذي هدّد العالم والوجود العربي برمته بالاسترقاق والتبعية الأبدية بطاعُون بُني.
في حقيقة الأحداث الجِسام التي عَصفت بالكونِ خلال تلك الحرب، أن الشعب السوفييتي بقومياته المختلفة التي تحيا في روسيا حالياً، وتلك التي انفصلت عنه للأسف بفِعل البيريسترويكا التخريبية، قد كان تبوأ الدور الأول والأساسي في دحر العدوان الفاشستي وإنقاذ العالم العربي منه، ونحن بالتالي مدينون للروس والقوميات الأُخرى والشهداء الذين أُسقطوا على الجبهة السوفييتية – الألمانية ويتجاوز عددهم 27 مليوناً (وعشرات ملايين الجرحى والمشوهين)، في انكسار جيوش “هتلر- شيكل غروبر” في مدينة أريحا الفلسطينية على نهر الاردن والمجاورة للاردن، و “رومل” النازي في شمالي أفريقيا، و “حكومة فيشي” الانقلابية الفاشستية في دمشق وغيرها.
لقد خطّط هتلر لاحتلال العالم العربي بأكمله وإبادة العرب، لكونه صنّفهم في آخر قائمة البشر، وبرغم ذلك تمكّن من تجنيد عددٍ منهم في الحرب العالمية الثانية لخدمة الرايخ الثالث وأهدافه الكونية، لكن مراميه انكسرت على أعتاب موسكو ولينينغراد وستالينغراد، وفي معارك القوقاز أيضاً حيث أَبعد الجيش الأحمر الفاشست عن منابع الطاقة القريبة من جيوشه الاحتلالية، والتي كانت هذه الجيوش في حاجة ماسّة إليها، كذلك تم إبعادها عن العراق وليبيا حيث النفط لهذه القوات الزاحفة، وتضج صفحات الحرب العالمية الثانية بالكثير من الحقائق والوقائع التي تشهد، على أن الجيش السوفييتي كان عنوان النصر والتحرير والاستقلالية الأُممية، وليس جيوش أمريكا وأوروبا الغربية، التي تدخّلت في الحرب فقط قُبيل وصول القوات السوفييتية الى حدود ألمانيا المُنكسرة، رغبة من عواصم تلك الدول الغربية في إبعاد السوفييت عن وسط وغرب أوروبا، الذي استولت عليه واشنطن، وحوّلته بسرعة الى قواعد عسكرية تهدّد أمن روسيا وشعبها علناً.
وكان لافتاً بهذه المناسبة الأُممية للنصر المبارك، أن الرئيس فلاديمير بوتين كان قد أعلن في خطاب له، في الساحة الحمراء، صباح الإحتفاء بعيد النصر، أن روسيا وشعبها لن تنسى أبداً بطولات وشجاعة الجنود الذين قاتلوا ودافعوا عن الأرض خلال الحرب الوطنية العظمى. ونقلت فضائية “روسيا اليوم” عنه أقواله، أمام العسكريين في الساحة الحمراء: “جنود بلادنا لم يدّخروا حيواتهم من أجل حرّيتها، فهم حاربوا ونهضوا من أجل مستقبل السّلم العالمي ومستقبل كل واحد منا”. وأضاف بوتين قائلاً ” لن ننسى أبداً شجاعة هؤلاء الجنود وتضحياتهم الباهظة، ونحن ننحني لهم إجلالاً على كل ما قدّموه للبلاد ولنا في سبيل عيش حر وسلام حقيقي”. وتابع بوتين مُشيراً إلى تضحيات الأجداد والأزواج والأخوة والأخوات والزملاء من الجنود والأقارب والأصدقاء، وأكد “نحن نحزن على قُدامى المُحاربين الذين لم يَعودوا بيننا”.
وبمناسبة “عيد النصر” المجيد على الطاعون البُني، نظّمت سفارة روسيا الفيديرالية والمركز الثقافي الروسي في الاردن، فعاليات حاشدة وذات مغزى دولي وإقليمي، وذلك في المركز الثقافي الروسي وفي مركز الحسين الثقافي لأمانة عمّان الكبرى، اشتملت على محاضرات قيّمة، تحدث فيها السفير الروسي الجديد لدى الاردن السيد غليب فيليكسوفيتش ديسياتنيكوف، والسيد ستانيسلاف إيغوروفيتش سيماكوف مدير عام “المَركز الروسي للعلوم والثقافة” و “رئيس ممثلية (الوكالة الروسية للتعاون الدولي “روس ساترودنيتشيستفو (Rossotrudnichestvo)” في الاردن)”، بالإضافة الى تنظيم مَسير “الفوج الخالد” مرتين في المركزين، وعروض فنيّة مُؤثرة، تجسّد رُقي الثقافة المُكتَنزة والإرث الحضاري والإنساني التاريخي لشعوب روسيا الاتحادية الشقيقة، والتي امتزجت في الاردن بالثقافة والفنون الانسانية الاردنية، لتعبّر بأجلى الصور عن أهمية النصر المؤزر لقوميات وشعوب الاتحاد السوفييتي وروسيا وأمَم العالم، والذي تم إحرازه بالروح والدم والتضحيات الاخرى، حِرصاً على هِبة الحياة الإلهية المُقدّسة التي وَهبهَا الله للعالم حراسةً لها ولقيمتها ومغزاها.
وفي كلمته، عالج سيماكوف واستهجن، محاولات البعض في هذا العالم تشويه وتزييف تاريخ الحرب العالمية الثانية، التي شكّلت دفعاً قوياً لنهوض الفِعل المقاوم للنازية والفاشية في العالم والمنطقة العربية، واستذكر الأجداد الذين حاربوا وصنعوا النصر بأثمان باهظة، داعياً في الوقت نفسه الى أهمية فهم معنى النصر وأبعاده، بالرغم من أنه حدث سابق، حتى لا تتكرر المأساة الانسانية، مؤكداً بأن الشعب في الاتحاد السوفييتي لم يَعتدِ على أحدٍ، بل دافع عن أرض وطنه وشعبه ومستقبله، ونوّه الى أن “شركاء” روسيا الحاليين يحاولون تشويه معنى النصر المؤزّر، وما هذه الفعاليات والاحتفائيات المتعدّدة سوى علامة بارزة لتذكير الأجيال بذكرى النصر الخالد وحقائقه ومعناه الدولي والأُممي.
من جانبه قال الملحق العسكري الروسي في الاردن، فاليري فيكتوروفيتش كاتشيتكوف، أن الخسائر الكبيرة التي فقدها شعب الاتحاد السوفييتي خلال الحرب، تحكي عن نفسها بنفسها، وتحكي عن دور موسكو الحاسم في إحراز النصر، برغم محاولات جهات ما تشويه معناه، وبالتالي لا يَخضع أمر النصر الى أي نقاش يُقلّل من دور موسكو وأبناء وبنات الاتحاد السوفييتي وروسيا المُعَاصِرة في إحرازه.
وبيّن كاتشيتكوف الى أن ما يجمع السلافيين مع العرب والعالم العربي هو الدم الواحد، وبأن مَن يحاول فرض نظامه علينا لا ينتمي الى هذا الدم الزكي، ومؤكداً بأن النصر آتٍ لجميعنا نحن الروس، والكازاخيين، والمسلمين والمسيحيين، فقد كنّا في خندق واحد ونحن كذلك الآن، والنصر كان لجميعنا بغض النظر عن انتماءاتنا القومية واختلافاتنا اللغوية، واختتم كلمته مُعلياً الشعار الخالد: “إن قضيتنا مُقدّسة.. والنصر حَليفنا”.
وقال مُستنكراً، أنه وفي الوقت الذي يَحتفل فيه العالم في شهر مايو/ أيار بذكرى الانتصار على الفاشية في الحرب العالمية الثانية، نرى مع الأسف، في بعض البلدان محاولات تجري لتشويه وتزييف تاريخ هذه الحرب، من خلال “مساواة الأيديولوجيا الشيوعية بالفاشية”، و “مساواة الاتحاد السوفييتي بالمانيا النازية في تحمّل المسؤولية عن اندلاع الحرب”..!
وقد حضر الحفل عدد من الدبلوماسيين الروس لدى الاردن، ورئيس رابطة القلميين العرب حُلفاء الروسيا في الاردن والعالم العربي، وجَمعٌ من الناطقين بالروسية من روسيا وبلدان الاتحاد السوفييتي السابق، ورؤساء منظمات المغتربين الروس، والعسكري الأُممي “يوري نيدوغين”، حامل النياشين وشهادات التقدير العسكرية من الجيش الروسي.
وفي مركز الحسين الثقافي، في عَين المكان الذي وُلدت فيه حضارات الاردن وعمّون وربّة عمّون قبل أُلوف السنين، التقى جمع غفير من العائلات الروسية وأبناء الوطن، وعدد من ممثلي هيئات المغتربين من الوطنيين من روسيا ودول الاتحاد السوفييتي السابق، المُقيمين في الاردن، لإحياء ذكرى النصر، ولمتابعة حفل فني أقيم بهذه المناسبة على مسرح المركز، حيث تألّق السفير الروسي غليب ديسياتنيكوف خلال إلقائه كلمة شاملة وغنية المضامين بهذه المناسبة التاريخية، التي انعكس النصر السوفييتي والروسي فيها على الاردن وفلسطين، اللتان تم إنقاذهما من جحافل الهتلرية والفاشية المُندفعة نحوهما بكل قِواها الحربية القاتلة، والمتّجهة الى طول وعرض بلدان “الشرق العربي” للنيل منها.. وما تم ذلك.
لذلك، كان السفير ديسياتنيكوف قد نَوّه بجهورية في كلمته من على خشبة مركز الحسين الثقافي، إلى أن الحرب الوطنية العظمى على الجبهة السوفييتية – الألمانية، هي الحدث الأساسي في حياتنا وفي حياة البشرية جمعاء، وبأن النصر السوفييتي لا يُثمّن بثمن مادي، ذلك أن النصر في الحرب كان قَصمَاً لظهر الباطل وإن تم نيله بثمن باهظ، لكن في خواتيمه رُفعت راية النصر فوق بناية “الرايخستاغ” في برلين، وَوُلِد نظام عالمي جديد، وظهرات منظمة الامم المتحدة، كأساس جديد للعلاقات الدولية.
وتطرّق السفير كذلك الى العمليات الحربية على الجبهة السوفييتية – الالمانية، والتي حَسمت الحرب العالمية الثانية، ومنها معركة موسكو، و “عملية باغراتيون” الحاسمة، ومعركة تحرير برلين وغيرها، وتوقف السفير عند العامل الانساني في هذه الحرب العالمية التي مَسّت كل مواطن سوفييتي، وألقت بآلامها على كل شعوب وقوميات الاتحاد السوفييتي السابق، إذ أُسقط في الحرب بسلاح المعتدين عدد كبير من أفضل أبناء وبنات الدولة السوفييتية، وعشرات ملايين الجرحى والمشوهين والثكالى وملايين العائلات التي اختفت الى الأبد بعد مقتلها على يد المعتدين، وعدد كبير من الضحايا كانوا من أسرى معسكرات الاعتقال النازية.
وتناول السفير ديسياتنيكوف ألـ75 سنة الأخيرة التي اعقبت النصر، وفيها ينجلي عن ان هذا النصر كان بالفعل وفي الواقع الحدث المفصلي والأساس عالمياً.
كما تناول سعادة السفيرأحداثاً عالمية مؤلمة، على سبيل المثال لا الحصر، تدمير الجمهورية اليوغسلافية، وتوظيف الارهابيين، وداعش، في سورية والعراق، وأكد في الوقت نفسه أن السياسة الخارجية الروسية تبذل قصارى جهودها، في إتجاه تأكيد السلام العالمي وتطبيع العلاقات الدولية.
وأكد السفير الجهد الروسي الذي ما زال قائماً على قدمٍ وساق، في البحث عن رفات الشهداء الأبطال.. وخَلُص الى القول، بأن “التاريخ هو نحن وأنتم”، فمعظم المقاتلين السوفييت في الحرب الضروس أنما هم “أُناس عاديون، صاروا أبطالاً في الحرب”، وتمنى للجميع أن يَنعموا بسماء سلمية فوق رؤوسهم، وبنجاحات وازدهار في حياتهم وحَيوَات عائلاتهم.
وشهد المركز الثقافي الروسي ومركز الحسين الثقافي مسيرات “الفوج الخالد”، الذي شارك فيها أبناء وأحفاد المقاتلين الروس والسوفييت، المقيمين في الاردن، والذين دحر أقاربهم هؤلاء جحافل النازية والفاشية، ودفعوا حيواتهم ثمناً للنصر وسيادة الحياة المقدسة على الكرة الارضية، كما إفتتح السفير معرض الصور الخاص بالنصر في قاعة مركز الحسين الثقافي، والذي عرض الى الكثير من صحف وملصقات ونشريات فترة الحرب.
#مروان_سوداح: رئيس رابطة القلميين العرب حُلفاء #الروسيا في #الاردن والعالم العربي.
شكرا للجهود الرفاقية المخلصة للاخ الصديق الكبير المدير العام محمود ريا لعنايته الشخصية بنشر هذه المقالة واشرافه بعناية فائقة على بقية المواد و الأخبار المنشورة بخاصة عن روسيا الحليفة.. موقعنا المتقدم هذا يتفوق بنشر ما لا ينشر في مواقع اخرى.. ونشكر كل المهتمين بقراءة ومتابعة الموقع.