النزوح السوري.. الدولة في سُبات عميق
موقع العهد الإخباري-
فاطمة سلامة:
يكاد لا يمر يوم لا تتصدّر فيه قضية النازحين السوريين عناوين نشرات الأخبار والبرامج والمقالات وما الى هنالك. تصدُّر هذه القضية المشهد الإعلامي لا يعني أنها جديدة، لكنّ خطورتها بلغت الذروة هذه الأيام، والأسباب متعدّدة. أولًا، ثمّة “تُخمة” كبيرة في أعداد النازحين وتسلُّل الآلاف في غضون أيام قليلة. يحضر في هذا السياق، ما قاله قبل أيام مسؤول ملف النازحين في حزب الله النائب السابق نوّار الساحلي لجهة أنّ ما نسبته 40 إلى 45 %، ممن يقطنون في لبنان، هم من الجنسية السورية، وهذا أمر غير موجود في أي بلد في العالم. وفي هذا الإطار، لنا أن نتخيّل، ماذا يعني أن يصبح نحو نصف سكان لبنان غير لبنانيين!.
وفي لائحة الأسباب، ثمّة مخاوف وهواجس أمنية من ميول بعض النازحين الجُرمية على خلفية التوقيفات التي تكرّرت داخل مخيّمات النزوح والتي قيل إنها بمعدّل 10 أشخاص يوميًا ارتكبوا أفعالًا جرمية. وما يزيد القلق هو تحوُّل بعض المخيمات الى مستودع للأسلحة ما يجعل نظرية “المؤامرة” أو التحضير لهدف ما واردة، طالما الأدوات متوفرة. وطالما أنّ مداهمة بعض المخيمات جوبهت بتصدي المطلوبين للقوى الأمنية بالنار.
إلا أنّه ورغم تصدُّر القضية المشهد، ورغم المخاطر المذكورة، لا يبدو المعنيون في الدولة في عجلة من أمرهم لوضع حد لهذا الأمر. جلسة شبه “يتيمة” لحفظ ماء الوجه ربّما عقدتها الحكومة على نية النازحين السوريين. أما بعد، فمعالجة القضية ليست على قدر التحدي أبدًا. لو أننا في بلد آخر لكان بالتأكيد اختلف الواقع خاصة أنّ القضية باتت مكشوفة وواضحة: ثمّة ضغط كبير من الخارج لإفراغ سورية من ناسها ووضعهم في لبنان وإبقائهم فيه الى أجل غير مسمى. هذا المخطّط يتناغم مع ما كشفته المديرية العامة للأمن العام أمس الخميس لجهة تزايد أعداد المنظمات والجمعيات التي تُعنى بأوضاع النازحين، لا سيما أن عددًا منها لم يستحصل على إجازة ترخيص أو علم وخبر تخوّلها ممارسة أي نشاط. كما تبيّن أن بعض هذه الجمعيات تقوم بممارسة نشاطات مخالفة لطبيعة عملها ونظامها التأسيسي الذي صدر بموجبه الترخيص أو الإذن.
ولعلّ أكثر ما يُثير الغرابة يتجسّد بعجز السلطات اللبنانية عن ضبط الحدود البرية، ومسارعتها لضبط الحدود البحرية ومنع النازحين من التسلل الى أوروبا لحماية الأخيرة من هذه الآفة. مسؤول ملف النازحين في “التيار الوطني الحر” نقولا شدراوي يرى في هذه المفارقة الغريبة العجيبة مسألة لا منطقية. كيف تكون لنا القدرة على حماية الحدود البحرية لمنع أي نازح من التسلّل الى أوروبا، ولسنا قادرين على حماية الحدود البرية؟!.
وفق حسابات شدرواي، ثمّة إجراءات عدّة من الممكن اتخاذها على الحدود البرية لم تُتخذ حتى اليوم. الجيش يقوم بمهامه وفق الأوامر المُعطاة له، إلا أنّ ثمّة خطوات عسكرية وأمنية من الممكن تنفيذها لمنع أحد من الدخول عبر المعابر غير الشرعية. وفي هذا السياق، يذكر شدراوي حادثة تعرض البعض في الأيام الماضية الى انفجار لغم أرضي من الجانب السوري. برأيه، هذا التدبير البسيط يمثل طريقة ناجعة يمكن اعتمادها، اذ ولمجرد أن يُصاب أي شخص جراء لغم أرضي يكون عبرة لغيره لعدم عبور الأراضي اللبنانية.
كما يُشير المتحدّث لموقع “العهد” الإخباري الى المهربين والشبكات المهرّبة اللبنانية والمعروفة بالصور والأسماء لدى القوى الأمنية، هؤلاء يُلقى القبض عليهم وسُرعان ما يُطلق سراحهم، هذه المسألة بحاجة الى ضبط أمني وربما قرار سياسي، وفق شدراوي الذي يذهب أبعد من مسألة تهريب النازحين عبر المعابر غير الشرعية، ولا يجد حرجًا في القول إنّ بعض النازحين يجري تهريبهم عبر المعابر الشرعية مقابل بدلات مالية.
رئيس الحكومة “مقصّر”
وأمام كل ما يرزح تحته لبنان من تداعيات جراء الملف الأخطر المتمثل بالنزوح، يحمّل مسؤول ملف النازحين في “التيار الوطني الحر” المسؤولية لرئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. برأيه، الحكومة والدولة اللبنانية لم تقم بواجباتها بتنظيم وجود النازحين السوريين في لبنان تمهيدًا لتطبيق خطة العودة التي أقرتها حكومة الرئيس السابق حسان دياب عام 2020. الرئيس ميقاتي لا يريد تطبيقها وهو “مقصّر”، وأيضًا وزير الداخلية لا يُطبق القوانين. وفق شدراوي، يتذرعون بقلة عديد الأجهزة الأمنية، فهل كان العدد كذلك قبل عام 2019؟ وفق المتحدّث، لو أرادوا حلًا لوجدوه، لديهم أجهزة بإمكانها تطبيق القوانين، لدى وزير الداخلية أجهزة أمنية وإدارية من بلديات ومحافظين وقائمقاميين لو وضعها في التصرف لحل هذه الأزمة لأحدثت فرقًا.
يرى شدراوي أنّ من واجب الدولة اللبنانية تصنيف السوريين المتواجدين على الأراضي اللبنانية ومعرفة الهدف من وجودهم سواء نزوح أو عمالة أو ما الى هنالك. هذا الأمر من واجبات وصلاحيات الدولة اللبنانية لا مفوضية الأمم المتحدة لشؤون النازحين “UNHCR”. بالنسبة له، المنظمات الدولية والمحلية مستفيدة من وجود النازحين واستدامة بقائهم في لبنان، لأنهم لا يريدون للنازحين أن يعودوا. أكبر بُرهان على ذلك ما حدث في عهد المدير العام السابق للأمن العام اللواء عبّاس إبراهيم، اذا وكلما كان الأمن العام يعمل على تسيير قوافل العودة الطوعية الى سورية، كان يُسارع السوريون للتسجيل، وبعدها تبدأ المفوضية بأجهزتها والـ”NGOs” بتنفيذ سياسة الترغيب والترهيب وتحريضهم على عدم العودة وترهيبهم بقطع المساعدات، عندها يتناقص عدد الراغبين بشكل كبير فيهبط من الـ1000 الى الـ300. هذا الأمر ــ وفق شدراوي ــ بات مفضوحًا لأن من سبق ذكرهم مستفيدون كموظفين وكخلفية سياسية من هذه القضية.
أما الهدف من سعي تلك المنظمات لإبقاء النازحين في لبنان فكبير وفق قناعات شدراوي ويتخطى ما يتم الحديث عنه. ثمّة مخطط واسع للتدفق المقصود للسوريين الى لبنان واستدامة بقائهم فيه يتمثّل في استهداف المقاومة بالوقت المناسب. يتوسّع شدراوي في فكرته، فيوضح أنّ ضبط أسلحة في حوزة بعض النازحين ينسجم مع هذه القناعة. برأيه، الفريق الذي يمثل ثقلًا على الساحة الإقليمية والدولية هو الفريق المنتمي للمقاومة. وعليه، من يعلم، قد يقوم نحو عشرة آلاف نازح وبتغطية وجود ملايين النازحين بعمل متناسق متزامن ضد المقاومة.
انطلاقًا مما سبق ووسط المخاوف الأمنية، يشدّد شدراوي على ضرورة أن نعمل لعودة النازحين بشكل عملي. يشير في هذا الإطار الى الخطة التي أعدت وكانت محور البحث بين حزب الله و”التيار الوطني الحر” لعودة النازحين الطوعية عبر البلديات. يوضح أنّها تشكّل أملًا يعول عليه اذا أصرت الحكومة على عدم العمل. الخطوط العريضة لهذه الخطة تقوم على أنّ لبنان بحاجة الى اليد العاملة السورية، والسوريون بحاجة الى فرص العمل. وعليه، من الممكن إرسال عائلات العمال الى سورية وبقاء العمال في لبنان بعد قوننة أوضاعهم. وهنا يلفت الى أنّ العمل البلدي في حزب الله بدأ العمل تدريجيًا في هذا المخطط الذي يعد الحل الوحيد المتاح حاليًا، وثمة تجاوب مع هذه الخطة، على أن يستكمل العمل بها في الأسابيع المقبلة وسط غياب الدولة.