النزاعات الإقليمية والعالمية ومستقبل نهاية أسبابها الاستعمارية
صحيفة الوطن السورية-
تحسين حلبي:
في اليوم الأول من بداية هذا العام 2023 نشر مركز «مجموعة الأزمة» الدولي في موقعه أن العالم أصبح فيه حتى شهر أيار الماضي 2022 ما يزيد على مئة مليون من الذين شردوا داخل أوطانهم وخارجها كلاجئين بسبب الحروب والنزاعات الداخلية بموجب تقارير المفوضية العليا للاجئين التابعة للأمم المتحدة وأن 121 ألفاً ماتوا لنفس الأسباب في عام 2021 وحده، وأن ثلث عدد سكان أوكرانيا البالغ 42 مليوناً تحول إلى لاجئين.
وفي واقع الأمر اعتاد العالم منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية وانهيار الاتحاد السوفييتي على حروب ونزاعات كانت دول الاستعمار الغربي البريطاني والفرنسي، بشكل خاص، ثم الأميركي بشكل عام، هي التي تشنها أو تتسبب بها بين الدول بهدف المحافظة على مصالحها الاستعمارية التي أسستها منذ القرن التاسع عشر حتى القرن الحالي، وفي مقدمتها أقدم حروب الاستعمار الاستيطاني في فلسطين المحتلة منذ عام 1920.
وخلال قرنين من الزمان وحربين عالميتين وحروب أخرى بعد تلك المرحلة، كانت الدول الاستعمارية وبخاصة البريطانية والفرنسية تظهر بمظهر من انسحب من المستعمرات لكنها تكون قد خلفت وراءها قبيل وبعد انسحابها، أسباباً لحروب ونزاعات قادرة على إشعالها داخل نفس أراضي الدول التي انسحبت منها بشكل من الأشكال، بعد تقسيمها وتفتيت بنيتها السيادية الواحدة أو بين دولة وأخرى مجاورة لكي تتدخل للمحافظة على مصالحها، وهذا ما فعلته في الهند، أقدم وأكبر مناطق العالم التي استعمرتها بريطانيا، حين قسمتها لباكستان ولبنغلاديش والهند، وهو ما فعلته في الصين حين نزعت عنها تايوان وهونغ كونغ، ورسمت حدودا متنازع عليها بينها وبين الهند، ونفس ما فعلته فرنسا حين قسمت بلاد الشام في سايكس بيكو وزرعت في فلسطين قاعدة الصهيونية إسرائيل ونزعت لواء اسكندرون ومنحته لتركيا، فقد أبقت هذه السياسات على أسباب الحروب والنزاعات داخل وبين معظم الدول التي استعمرتها بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة لكي تحتفظ لنفسها بمبررات تدخلها الحربي والسياسي في شؤون كل الدول.
وكان من المستغرب أن يحدد مركز «مجموعة الأزمة» وجود واستمرار عشرة نزاعات فقط للعام 2023، ولا يضع الصراع العربي -الصهيوني بينها، وهو أقدم الصراعات المشتعلة المتواصلة منذ أكثر من قرن وفضل تحديد المناطق أو الدول التي تشهد هذه الحروب والنزاعات التي تعد هي المسؤولة عنها بالتحديد على الشكل التالي: 1- أوكرانيا 2- أرمينيا وأذربيجان 3- إيران 4 – اليمن 5 – إثيوبيا 6- جمهورية الكونغو الديمقراطية والبحيرات الكبرى 7 – دول الساحل الإفريقي 8- هايتي 9 – باكستان 10 – تايوان، وتجنبت الإشارة إلى انتهاك واشنطن وأنقرة لسيادة الأراضي السورية واحتلال أجزاء فيها وشن حرب إسرائيلية – أطلسية – غربية – أميركية عليها طوال عشر سنوات على يد نفس القوى الاستعمارية البريطانية والفرنسية والأميركية.
فما يجري الآن من استقطاب غربي – أميركي في شن ما يشبه حرب واسعة على روسيا في موضوع أوكرانيا، وعلى الصين في موضوع تايوان، هو امتداد لكل أسباب الحروب التي يستخدمها الغرب الآن لشن حروبه الكبرى على القوتين العظميين روسيا والصين وكذلك على قوى محور المقاومة في إيران وسورية وفلسطين واليمن وكذلك في إفريقيا وآسيا، لكن التنويه بهذه النزاعات العشرة للعام 2023 ربما يشير إلى أن هذه الدول والمناطق العشر ستشهد تصعيدا في أشكال النزاع الكامن أو الجاري فيها، فالقوى الاستعمارية الكبرى لن يكون من مصلحتها القبول بالحلول الحاسمة والنهائية لمصلحة الشعوب في هذه النزاعات التي خلقتها عبر التاريخ إلا حين تتم هزيمتها في كل هذا الساحات والدول، ولذلك تشير معظم الأبحاث الأوروبية والعالمية إلى أن ما يجري الآن حول أوكرانيا بين روسيا وحلفائها من جهة والغرب الاستعماري الأوروبي – الأميركي من الجهة الأخرى، وما يجري بين الصين من جهة والولايات المتحدة وحلفائها من الجهة الأخرى حول تايوان، لن ينتهي إلا بواحدة من نتيجتين: إما أن تسلم القوى الاستعمارية بضرورة إنهاء جميع الأسباب التي خلقتها لتقسيم أراضي الدول والشعوب واحتلالها لتوليد النزاعات خلال القرنين الماضيين واستبدالها بسياسة إيجاد نظام عالمي جديد يتحقق فيه السلم العالمي والإقليمي، وإما مواجهة حرب عالمية بين هذه القوى الكبرى لن يراهن فيها أحد على انتصار القوى الاستعمارية على كل شعوب العالم الرافضة لكل أشكال الاستعمار الغربي – الأميركي، وفي النهاية لن يتجه مستقبل العالم إلا إلى الأمام وليس إلى الخلف الاستعماري.