الناتو يرتقب هزيمته في أوكرانيا.. ما هي استراتيجيته؟
موقع العهد الإخباري-
شارل أبي نادر:
بشكل متسارع لم يكن منتظرًا، الكثير من المعطيات الميدانية والاستراتيجية بدأت تفرض نفسها في مسار العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، لدرجة أن الناتو بدأ يتقبل فكرة هزيمته وانتصار الروس في أوكرانيا، وهذا الأمر لم يعد بالنسبة له بعيد التحقق فعليًا. من جهة، تبدو حركة الميدان واضحة ولا تقبل الكثير من الفرضيات المعاكسة، ومن جهة أخرى، بدأ الغرب الأطلسي يفقد زمام المبادرة والالتزام في متابعة انخراطه في المعركة كما كان في بدايتها، وذلك لناحية صعوبة استمراره على نفس مستوى الدعم المباشر للوحدات الأوكرانية، أولًا لأسباب سياسية حيث تتنامى معارضة هذه الحرب في أغلب دول الناتو، وثانيًا لأسباب لوجستية على خلفية الشح الكبير في ذخائر وأسلحة هذه الدول وانخفاض مخزوناتها إلى ما دون الحد الأدنى المطلوب عسكريًا وقوميًا وأطلسيًا.
صحيح أن تقدم الوحدات الروسية يظهر بطيئًا في مناطق الاشتباك المباشر والمواجهة المتقاربة، ولكنه تقدم ثابت وغير قابل للتراجع، وكل المؤشرات تدل على أن وتيرة هذا التقدم سوف ترتفع بنسبة كبيرة في الفترة القريبة، على خلفية تحضيرات جدية لهجوم روسي واسع وعلى أكثر من محور، شمالًا نحو مدينتي ليمان وسلوفيانسك، ووسطًا على محور غرب باخموت نحو كراماتورسك، وجنوب شرق نحو زابوراجيا، وجنوبًا أيضًا، حيث كل احتمالات توسيع السيطرة واردة نحو خيرسون مجددًا أو نحو أوديسا والسواحل الجنوبية الغربية لأوكرانيا الحدودية مع رومانيا، وهذا الأمر، بالاضافة لحركة الميدان كما ذكر أعلاه أيضًا، يمكن استنتاجه من الحركة السياسية الغربية الأخيرة التي تحمل مؤشرات ما يشبه الاعتراف بهذا الخطر الداهم نتيجة التغييرات الميدانية، والتي لا يبدو أن الغرب الأطلسي سيجد حلًا لمواجهتها، وذلك حسب التالي:
بشكل مفاجىء ودون اعلان مسبق، وصل أمس الاثنين الرئيس الأميركي جو بايدن إلى كييف، حيث اجتمع مع الرئيس زيلينسكي مكررًا التزامه بدعم أوكرانيا المفتوح بمواجهة الروس. الزيارة لم تكن أساسًا مقرّرة، بل استدعتها الحاجة لتقديم جرعة دعم معنوية استثنائية للقيادة الأوكرانية فرضتها ضغوط الميدان، وتواكبت مع زيارة مماثلة الى بولندا للقاء الرئيس أندريه دودا بوجود أكثر من قائد دولة أطلسية، وذلك في أجواء غير مريحة للناتو لناحية مسار المعركة في أوكرانيا، حسبما نشرت صحيفة “بوليتيكو”، والتي أشارت نقلًا عن مسؤولين أميركيين الى اعتقادهم بأنّ قوات الجيش الأوكراني على وشك الوصول إلى “مرحلة حرجة مع إطلاق روسيا هجومها الذي تمّ الحديث عنه كثيرًا”، الأمر الذي رفع من مستوى الضغط الأميركي على إدارة الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، بهدف تكثيف “الإجراءات في ساحة المعركة وربما إطلاق ضربة مضادة خاصة بها”، ودائمًا وفق الصحيفة المذكورة، يخشى المحللون الأميركيون، من أن تلحق روسيا الهزيمة بنظام كييف في الجنوب والشرق، وذلك لسببين أساسيين:
1 – تأخر وصول الأسلحة الغربية التي تقرر دعم الوحدات الأوكرانية بها مؤخرًا، وخاصة الدبابات البريطانية والالمانية والأميركية.
2 – لا يزال لدى روسيا ميزتان مهمتان في ساحة المعركة: القوات والوقت، وبحسب ذلك، فإن تصرفات حلف شمال الأطلسي مشكوك بقدراتها على تحقيق الانجازات المطلوبة في تثبيت صمود الوحدات الأوكرانية إلى الحد المطلوب غربيًا.
أيضًا، وفي جانب آخر مواكب لزيارة الرئيس الأميركي إلى كل من أوكرانيا وبولندا، فقد وصف وزير الدفاع الألماني بوريس بيستوريوس الأسابيع المقبلة بـ”الحاسمة” للغاية بالنسبة إلى أوكرانيا، وذلك في حديث إلى وكالة “بلومبرغ” الأميركية، مضيفًا أن “الأولوية الأكثر أهمية بالنسبة إلينا هي ضمان الدفاع الجوي لأوكرانيا، وهو ما يجب تحقيقه في الأشهر الثلاثة المقبلة”.
أمام كل هذه المعطيات، تأتي أهمية وحساسية زيارة الرئيس بايدن إلى بولندا، وذلك بشكل يختلف عن زيارته الى أوكرانيا التي هي تحصيل حاصل، كون الأخيرة معنية رئيسية بمعركة مواجهة الروس، ولكن في الواقع، من غير المستبعد أن تكون زيارة بايدن لوارسو تحضيرية لما بعد معركة الروس في أوكرانيا، حيث يتقدم الروس رويدًا رويدًا داخل أوكرانيا باتجاه الغرب وباتجاه جنوب غرب، وحيث تشكل بولندا عمليًا خط المواجهة الفعلي بين الروس وبين الناتو، بعد أن فشل الأخير في ضم أوكرانيا إلى صفوفه.
عمليًا، وبالتواكب مع مناورة الدعم الغربي الأطلسية لأوكرانيا، منذ بداية العملية الروسية قبل عام تقريبًا وحتى اليوم، فقد كانت بولندا تستفيد من مناورة دعم أخرى من “الناتو”، بمستوى مختلف في القدرات وفي عديد الوحدات العسكرية، حيث كل المعطيات تفيد بمضاعفة عدد القاذفات الغربية في مطاراتها عن فترة ما قبل الحرب، وبمضاعفة وحدات القتال البرية من مشاة أو مدرعات أو وحدات عمليات خاصة مع نشر غير واضح المستوى لمروحة واسعة من منظومات الدفاع الجوي ومن الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، لتبدو اليوم مع هذه القدرات قاعدة أطلسية لمواجهة الروس بامتياز.
وعليه، هناك الكثير من التساؤلات بدأت تفرض نفسها بعد هذه التغيّر المرتقب في مسار المعركة في أوكرانيا، والتي تستوجب المتابعة بشكل جدي ودقيق، وهذه التساؤلات هي:
– في ظل مسار واسع من الاهتمام السياسي والاعلامي والتسليحي العسكري واللوجستي ببولندا، وخاصة في المرحلة الأخيرة، هل بدأ الناتو يفكر ويخطط لنقل خط المواجهة الأساسي بينه وبين الروس انطلاقًا من بولندا؟
– هل يمكن أن تسلك فكرة تم التداول بها مؤخرًا في الأوساط الروسية والغربية معًا، حول مشروع لتقسيم أوكرانيا، بين ما تسيطر عليه روسيا بعد الحرب ليكون من ضمن الاتحاد الروسي، وأساسًا تم اكمال المسار الدستوري والقانوني له، وبين ما يمكن أن تسيطر عليه بولندا في غرب أوكرانيا بدعم وتوجيه ورعاية أطلسية، على خلفية مواجهة التقدم الروسي غربًا، وبين منطقة داخلية غير واضحة جغرافيًا، تكون تحت سلطة أوكرانية غير محددة معالمها حتى الآن؟