المواطن بين معمعة الصلاحيات الرئاسية ولقمة العيش!
موقع إنباء الإخباري ـ
جهاد إسماعيل:
انتظر المواطن كثيرا كي تنعم المؤسسات بالشرعية والصلاحية، بعد سلسلة من التعطيل والتهويل والانقسامات، والتي آلت في نهاية المطاف إلى تعليق الدورة التشريعية في البلاد جراء عدم الاتفاق على رئيس للجمهورية، إلا أن قدر هذا الفراق لم يبقَ بلا زواج، بعد أن توج الارتباط النيابي بالتسوية السياسية عبر استيلاد الإنتخابات الرئاسية، ومعها عاد الأمل للمواطن بقيامة دولته، تشريعياً وحكومياً، كتعويض عن ما لحق به من غبن وحرمان وبطالة، خاصة على الفئة الأكثر إنتاجية في رفع لواء المسؤولية الوطنية وزرع مفاهيم المواطنة في نفوس الأبناء، وبالتحديد حملة الشهادات الجامعية بعد صبر وعناء في تحمل وزر المقاعد والمصاريف الدراسية.
حملة الشهادات والمؤهلات العلمية، لم تمت فيهم الإرادة على الرغم من واقعهم، ولم تيأس طموحاتهم في أن يتقدموا إلى مباريات مجلس الخدمة المدنية، وآخرها مباراة تعيين أساتذة في ملاك التعليم الثانوي، ليس بهدف بناء القصور أو تقاضي الملايين ، بل لإيجاد قوت يومهم ليس إلا… لكن جراء معوقات إدارية وسياسية- ولم يكن للمرشح إلى هذه الوظيفة أي ارادة بهما- تم تأخير المباريات التي انطلقت وفق حيثيات معينة، وأجريت بعد فترة بحيثيات مختلفة تماما (السن، الدراسات أو الحاجات في الأقضية…).
إلا أن المرشح للوظيفة لم يغرق في تفاصيل المباراة أو تغيراتها في الزمن أو السن أو محاصصة حاجاتها بشكل استنسابي، فراح يبحث عن نتيجة أعلنها مجلس الخدمة المدنية، أفرزته في خانة “الفائض في الترتيب”، وفيما لو أنها أجريت دون المعوقات أو الشوائب التي اعترتها لما كانت فئة كبيرة من الأساتذة الناجحين من عداد الفائض.
وبهدف مواجهة هذا الواقع، عمدت مجموعة من الأساتذة الناجحين إلى تشكيل لجنة مركزية لمتابعة شؤون الناجحين للضغط على القوى السياسية من اجل العمل على تصحيح الخلل الناتج عن ظروف المباراة، خاصة فيما يتعلق بآلية توزيع الحاجات في الأقضية والمحافظات، عبر رفع الحاجات بملء أكبر عدد ممكن من فائض الناجحين في المباراة، وحقا نجحت محاولات هذه اللجنة بعد زيارات واعتصامات وجولات وتكاليف كثيرة في محطة، ولكنها تعرضت لخيبة أمل في محطة أخرى.
المحطة الأولى: تمحورت على مرحلتين:
١- التأثير برفع حاجات الملاك من 1223 إلى 3042 عبر مرسوم صادر عن مجلس الوزراء.
٢- تعيين الناجحين في الملاك وذلك خلال 4 سنوات عبر قانون صادر عن المجلس النيابي في ١٩ ك٢ عام ٢٠١٧
المحطة الثانية: فوجئ الأساتذة الناجحون تماما كما معظم القوى السياسية برد رئيس الجمهورية للقانون القاضي بتعيين فائضي 2008 و 2015 في الملاك خلال 4 سنوات، لأنه لم يكن لأحد أن يتوقع أن مثل هذا النوع من القوانين المعيشية والملحة أن تثير إهتمامات العماد عون بالخيارات الدستورية المرسومة بالمادة 57 وأن تستحضر التركيبة الطائفية في المطابخ الدستورية ولو على حساب من يبحث عن راتب لا يتجاوز المليونين، وحينها برزت التساؤلات في هذا الإطار حول مدى صوابية رد الرئيس للقانون في مثل هذه الحالات؟!
بالعودة إلى المسوغات التي بني عليها رد القانون إلى المجلس النيابي، نجدها ترتكز بشكل أساسي على المس بمبدأ المساواة وتوزيع السلطات، وانقضاء المهلة القانونية لفائض 2008 من جهة، والى عدم جواز سريان هذا القانون على فائض 2015 بدعوى انهم من ضمن المهلة القانونية المحددة بالسنتين، وهي المهلة- بحسب ما يستفاد من فحوى النص- التي لم تسر بعد.
ولسائل أن يسأل، ما هي الحالات التي يحق فيها لرئيس الجمهورية أن يرد القانون للمجلس النيابي لإعادة النظر فيه؟ وهل الرد – بتوقيته أو تعليله – جاء ضمن السياق المطلوب سواء من الناحية المطلبية أو من الناحية الدستورية؟
لا شك بأن رد القانون إلى المجلس النيابي لإعادة النظر فيه من ضمن مهلة الاصدار(الشهر) من الوسائل التي يجيزها الدستور اللبناني انطلاقا من المسلمات والأصول العامة للنظام البرلماني، وانسجاماً مع دور مؤسسة رئاسة الجمهورية في صناعة التشريع علاوة عن الإصدار الذي يجب تمر به القاعدة القانونية كي تصبح نافذة بعد النشر، لا سيما وانه ليس ما في الدستور ما يلزم الرئيس بتعليل رده للقانون، باعتبار أن النص لا يلمح إلى امكانية الرئيس بتبيان الأسباب التي تدعوه إلى ذلك.
بيد أن الجاري هو أن لا يعيد الرئيس القانون إلى المجلس للنظر فيه مرة ثانية إلا اذا رأى فيه مخالفة للدستور أو مساً بالمصلحة العامة، باعتبار أن رئيس الجمهورية يؤجل عملية صدور القاعدة القانونية، خاصة وأن المجلس قد يستجيب لرئيس الجمهورية ويوارب سياسته بإلغاء فقرات القانون أو تعديلها من دون الإصرار عليه بالاكثرية المطلقة (65 نائبا)، فكيف إذا كانت القاعدة القانونية تطال احتياجات ملحة وضرورية لفئة كبيرة من الناجحين في التعليم الثانوي، وفي الوقت نفسه ذات أهمية للقطاع التربوي بعد أن استشرى فيه نظام التعاقد المشؤوم! وهنا يطرح السؤال: أي مخالفة دستورية ارتكبها القانون حتى يعاد الى المجلس وتعود معه خيبات الأمل لفئة كبيرة من الأساتذة، وهي كانت ولا زالت ضحية الانقسام والتعطيل التشريعي أو الحكومي في البلاد؟! وأي مصلحة عامة منتهكة بتعيين من نجح بجدارة، عوضا عن بدعة التعاقد مع فئة مجهولة الأهلية؟!
فلماذا يتم الإحتكام لمبدأ المساواة- المكفول دستوريا- في ظروف وضعت هؤلاء بموقع المدين بضريبة الطائفية أو الصراع السياسي ؟! ولماذا لا نستند الى الدستور – ولو تذرعا- الا على حساب المواطن؟!
وحتى في اطار التطبيق السليم للقواعد، نجد أن تعليل الرد ليس موفقا، وذلك تبعا للأسباب التالية:
– إن القول بسقوط المهلة القانونية لفائض 2008 تدحضه إمكانية المجلس النيابي بتشريع أحكام استثنائية ولو مخالفة لأحكام قانونية سابقة، خاصة وأن ليس ما في الدستور ما يمنع ذلك، وعندئذ تطبق القاعدة القائلة :” القانون الجديد يلغي القانون القديم”.
– إن التصريح- ولو بشكل ضمني- بعدم سريان فائض 2015- 2016 بالقانون المزمع رده لعلة سريانه بقانون تعيينه يدحض بإمكانية المجلس النيابي تعديل الاحكام القانونية، انطلاقا من اعتبارات ضرورية وملحة.
– إن التذرع بمبدأ المساواة بين اللبنانيين، يفترض إتاحة الشروط المؤهلة له، وهذا ما تعذر توافره في اصول المباريات.
– إن التصريح -ولو ضمنيا- بعدم أحقية التعيين المباشر دون التمرن بشهادة الكفاءة التدريبية صحيح، لكن يمكن أن تقف مفاعيل هذا العائف بمرسوم .
وفي المقلب الآخر، يتجه البعض من باب التحليل أن للرد اسباب طائفية، بسبب عدم التوازن بين الطوائف في التعيين، وهذا إن ثبتت صحته، فإنه لم يرد في الدستور او القانون هذا التوازن الا في المجلس النيابي ووظائف الفئة الاولى، وعليه لا ينسحب على وظائف اخرى…
وطالما كانت السهام متجهة نحو الدستور والنصوص على نحو الحنان والوجدان، فإن المادة 12 من الدستور تنص : “لكل لبناني الحق في تولي الوظائف العامة، لا ميزة لاحد على الآخر الا من حيث الجدارة والاستحقاق حسب الشروط التي ينص عليها القانون”، لذا يستفاد من هذا النص النقاط التالية:
-الوظيفة حق من حقوق المواطن اللبناني بمعزل عن طائفته ومنطقته وثقافته، لذلك ليس من شأن الطائفية أن تمنع تعيين أساتذة في ملاك التعليم الثانوي أيا كانت اعداد المستفيدين من هذه الطائفة او تلك.
– تحديد معيار الجدارة بحسب شروط القانون، يولي المشرع خيارات التعيين من أي زاوية يجدها، فقد يرى بتشريع تنظيم مباراة لوظيفة معينة، وقد يرى مناسبا بأن يجيز امكانية تعيين جميع الناجحين في مباراة اخرى، وهذا كفيل ارادته وصلاحياته في اجازة ما لم يشرعه في احكام قانونية نافذة، فكيف لو كان التعيين يطال فئة من الأساتذة المغبونين معيشيا وسياسيا واداريا؟!.
لذلك يراهن كل من يتابع ملف الناجحين في التعليم الثانوي على إصرار المجلس النيابي على القانون بالأكثرية المطلقة في أول جلسة يعقدها، بهدف نفاذ أو سريان القانون عليهم، وعدم الحاق المزيد من المظلومية بحقهم ، لأن لقمة عيشهم تعلو على التفسير الحرفي للدستور، ومن صلاحيات كانت من الأجدى أن تتجه بوجه قوانين أكثر حساسية وآخرها التقديمات الخاصة بالنواب، وليس بوجه من ضاق ذرعا من ألم ضياع الوقت والحرمان والبطالة ، وهذا بالتأكيد ليس بعيدا عن اهتمامات الرئيس عون المبدئية سواء في مسيرته الاصلاحية او هويته الحقيقية، لأن النضال العميق يترك بصماته الإيجابية على منهجية العمل المؤسساتي والمطلبي.