المناورة الأميركية الإسرائيلية رسالة طمأنة لتل أبيب
صحيفة الوطن السورية-
تحسين حلبي:
يبدو من الواضح أن الكيان الإسرائيلي بدأ يضع حسابات غير مسبوقة لأي مجابهة واسعة قد تنتج عن عدوان يسعى إلى شنه سواء على الشعب الفلسطيني في الأراضي المحتلة وقطاع غزة المحاصر، أو على جبهة الشمال، حتى لو كان العدوان على شكل غارة خاطفة، وربما هذا ما يفسر إعلان أحد المسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية في 23 كانون الثاني الجاري لوكالة أنباء «إن بي سي» الأميركية بأن المناورة العسكرية التي تقوم بها وحدات أميركية وأخرى إسرائيلية في شرقي المتوسط وإسرائيل منذ أيام وتنتهي في يوم الجمعة المقبل، تعد «أهم تدريب حربي يجري حتى الآن بين الجانبين»، وذكر الكاتب السياسي الأميركي مساعد رئيس تحرير مجلة «أنتي وور» الأميركية ديف ديكامب أن قائد القيادة المركزية «سينتكوم» الجنرال ميخائيل كوريلا صرح أن عدد القوات الأميركية التي تشارك في هذه المناورة بلغ 6400 ومن القوات الإسرائيلية 1100 باستخدام 142 طائرة حربية من أنواع متعددة من بينها قاذفات «بي 52» و12 سفينة حربية من بينها حاملة طائرات وأنها تحمل رسالة للتأكيد أن القوات الأميركية ملتزمة بحماية منطقة الشرق الأوسط، ويكشف ديكامب أن هذه المناورة جرى الاتفاق عليها في أثناء آخر زيارة قام بها رئيس الأركان الإسرائيلي في شهر تشرين الثاني الماضي للولايات المتحدة.
وبرغم أن مسؤولاً في وزارة الدفاع الأميركية قد أعلن أن هذه المناورة ليست موجهة ضد دولة محددة، إلا أن الظروف التي تمر بها المنطقة وتصعيد العقوبات الأميركية على إيران، تشير بشكل واضح أنها موجهة ضد أطراف محور المقاومة، أو أحد أطرافه أي إيران، وربما يدل استعراض كل هذه الأسلحة المشاركة فيها، وكذلك الكشف عن عدد القوات المستخدمة فيها من الجانبين، على رغبة الطرفين بإبلاغ رسالة أميركية بالتحديد لمحور المقاومة لأن الكيان الإسرائيلي يرى نفسه في هذه الظروف عاجزاً وحده عن الخروج من حالة خوف تنتابه من زيادة تمتين علاقات إيران العسكرية بموسكو من ناحية، وانعكاسها على تعاظم قدرة محور المقاومة بمجمله، وكأن واشنطن تريد أن تقول باسم هذه المناورة إنها جاهزة للقيام بدورها في حماية الكيان الإسرائيلي من أي مخاوف أو انتكاسة عسكرية قد يواجهها في المستقبل القريب، ولعل هذا ما قصده أحد المسؤولين في وزارة الدفاع الأميركية حين قال بموجب ما جاء في مقال ديف ديكامب إن «المناورة تشكل إشارة إلى أننا نواصل دعم إسرائيل في وقت تسود فيه اضطرابات كثيرة وعدم استقرار في جميع أنحاء المنطقة»، وهذا يثبت أن الخوف الإسرائيلي بدأ يزداد بسبب التطورات الدولية على ساحة الحرب في أوكرانيا وما شكلته روسيا من قوة ردع لحلف الأطلسي وللولايات المتحدة، وما سببه هذا الردع من انقسام داخل صفوف دول الحلف ما جعل تلك التطورات تعكس نفسها على الدور الإقليمي المتصاعد لقدرات محور المقاومة في مجابهة الكيان الإسرائيلي.
إن الكيان يجد نفسه محاصراً من ثلاثة حدود مجاورة تتصدى له مباشرة: واحدة من جنوب لبنان وأخرى من حدود الجولان والثالثة من قطاع غزة في جنوب فلسطين، ناهيك عن جبهة الوسط التي تشكلها الضفة الغربية والقدس، ويضاف لهذه الجبهات جبهة إيران التي يخشى منها الكيان الإسرائيلي ومن دورها الإقليمي الذي تحسب له واشنطن حسابات كثيرة.
لا يمكن استبعاد أن تكون هذه المناورة وطبيعتها تهدفان بشكل رئيس إلى إعطاء رسالة طمأنة أميركية لإسرائيل بعد تزايد مخاوفها من طبيعة الوضع الذي يهددها بشكل غير مسبوق من محور المقاومة، فالوضع السياسي والاقتصادي والمعنوي في الكيان الإسرائيلي استنزفها من الداخل وضعف دورها الإقليمي وفرض عليها الانشغال بداخلها من نواح كثيرة، وبقيت الأسباب ذاتها التي ولدت هذه النتيجة تزداد في ظل الطريق المسدود في مواجهة جبهات المقاومة وتصاعد دورها.