الملك سلمان وهاجس مستقبل الابن المدلل
موقع راصد الخليج ـ
جاسر الدخيل:
تحركات حثيثة تشهدها العائلة الحاكمة في المملكة العربية السعودية تتمحور حول مستقبل الحكم فيها، وتتركز هذه التحركات بين جناحين يقودهما ولي العهد الامير «محمد بن نايف» من جهة وولي ولي العهد الامير «محمد بن سلمان» من جهة اخرى.
ورغم كثرة التقارير التي تحدثت عن أن الملك السعودي «سلمان بن عبد العزيز» يخطط للتنازل عن العرش لصالح ابنه «محمد بن سلمان»، خلال أسابيع، الا أنه من المرجح عدم حصول ذلك في وقت قريب رغم ان اصل الموضوع بات مؤكدا.
وترتكز التقارير هذه على الزيارات التي قام بها الملك السعودي لأخوته الكبار خلال الفترة الماضية، لإقناعهم بقبول تنازله عن العرش لصالح ابنه «محمد».
وكانت انتشرت صور خلال الأسابيع الماضية، للملك «سلمان» وهو يزور أخوته، «بندر» و«مشعل» و«طلال» و«عبد الرحمن» في قصورهم، وهي خطوة أثارت جدالا واسعا، من حيث ان «مشعل» و«طلال» عارضا تولي «سلمان» ولاية العهد ومن ثم الملك، وغادرا البلاد لفترة طويلة. وما زاد الطين بلة هو قيام الملك «سلمان» بتجاوز هيئة البيعة وقوانينها عندما قام بالاطاحة بالامير «مقرن بن عبد العزيز» كولي للعهد في 29 نيسان أبريل 2015 بأمر ملكي حمل الرقم أ / 159. وكان الامير »مقرن» بويع في 23 كانون الثاني يناير 2015 وليّاً للعهد وتعيينه نائباً لرئيس مجلس الوزراء بعد وفاة الملك »عبد الله» ومبايعة «سلمان» ملكا بوصفه وليا للعهد.
وفي الوقت الذي تكثر فيه الاحاديث عن ان الامير «محمد ين نايف» هو المفضل للولايات المتحدة، فان المؤشرات الداخلية تشير الى ارتفاع اسهم «بن سلمان» الذي بدأ ينافس «بن نايف» في حظوته.
ولعل الذي لم يلتفت اليه الكثيرون هو ان استلام «بن سلمان» لوزارة الدفاع كانت مقصودة منذ البداية بوصفها وزارة تحقق له الاتصالات الخارجية والامساك بصفقات التسلح والعلاقات العسكرية التي تمهد وتؤسس «لبن سلمان» مروحة كبيرة من العلاقات والعمولات. على عكس وزارة الداخلية التي يمسك بها «بن نايف».
فعلى سبيل المثال اتاح منصب وزير الدفاع «لبن سلمان» نسج علاقات مع نائب قائد القوات المسلحة الاماراتية الامير «محمد بن زايد»، اللذان قاما بزيارات متبادلة ملفتة للنظر خلال فترة قصيرة بعد استلام «بن سلمان» لمهامه. وما يزيد من قوة «بن سلمان» هو استعماله لشركة ارامكو. ومن هنا فان ما ذكره المغرد الشهير «مجتهد» من ان «بن زايد» عرّف «بن سلمان» على «إيريك برنس» رئيس شركة بلاكووتر، ويسعى لاقناعه بعقد صفقة معه لجلب مرتزقة لضمان السيطرة على مفاصل البلد عند حصول أي صدام مع «بن نايف». وان «بن زايد» اقترح على «بن سلمان» أن تكون الفكرة تحت حجة حماية منشآت أرامكو ما يعني استجلاب عدد كبير من المرتزقة بسبب حجم شركة ارامكو، اقول: هذه المعلومات صحيحة الى حد كبير. لكن ما يوقف هذه الصفقة الى الآن أن جزءا من حماية أرامكو خاضع لوزارة الداخلية ما يعني تبعية هذا الجزء «لبن نايف»، وهو ما يعقّد الصفقة لانها سوف تستلزم اما اجراء تعديلات هيكلية وادارية في قطاع حماية ارامكو مع ما يستدعيه ذلك من اعادة النظر ايضا في العقود مع الشركات المولجة بهذه الحماية، واما تأسيس قطاع جديد للحماية ينبغي توصيفه وتحديد مهامه وصلاحياته، وكلا الامرين امامه عقبات.
بسبب هذه العقبات، فان ما يجري الحديث عنه حاليا هو تأسيس شركة أمنية على مستوى الدولة توكل اليها حماية المنشآت الحيوية، مقابل ارسال معظم القوى الامنية لا سيما الحرس الوطني الى مهام قتالية تتعلق بالحدود.
ويعتقد «بن سلمان» ان شركة كهذه ستؤمن له السيطرة على المفاصل الاساسية في الدولة في حال تم تعينه وليا للعهد بدلا من «بن نايف» او في حال قرر الملك «سلمان» التنحي وتعين ابنه ملكا.
والواقع ان الملك «سلمان» يعيش هاجس هذا الانتقال خوفا من اي تدهور صحي يحصل له قبل القيام بهذا الانتقال، لا سيما وان التدهور الصحي سيمنعه من اجراء كهذا، لكنه من جهة اخرى يجد صعوية في اجراء هذا التعديل، خاصة وانه قام بالاطاحة بالامير «مقرن» بعد استلامه للملك بفترة قصيرة ومن ثم اجراء تعديلات ومناقلات كبيرة بعده قد احدث بلبلة، خاصة وان هذا الاجراء جاء مخالفا لنظام هيئة البيعة، اضافة الى ذلك فان الدافع الاقوى الذي قدمه الملك «سلمان» حينها ليبرير الاطاحة «بمقرن» هو السعي لنقل الحكم من الاخوة ( ابناء عبد العزيز) الى الابناء، هو امر متوفر في ولي العهد «محمد بن نايف» فلا داعي للانقلاب مجددا وتعيين ابنه، ما سيفهم على انه احتكار للسلطة في بيت واحد، وهذا ما لم يكن متوفرا سابقا عندما كانت السلطة تتنقل بين الاخوة.
من هنا فان التقارير داخل العائلة الحاكمة تشير الى ان «سلمان» يتحين الفرصة المناسبة لهذا الاجراء، كارتكاب «بن نايف» خطأ كبيرا يمكن ان يشكل ذريعة لاقصائه والطعن في أهليته. وفي هذا الوقت يقوم الملك وابنه بتوزيع الكثير من الاموال ما أظهر «محمد بن سلمان» بمظهر الكريم واعطاه قاعدة دعم واسعة ضمن الاسرة الملكية، مقابل «شح» يظهره «بن نايف» داخل العائلة الحاكمة.
ومع ذلك فان «بن نايف» لا يقف مكتوف اليدين وهو يسعى للتقوّي مع بعض ابناء «عبد العزيز» باعتبار ان المراهنة على استمالة القوى الامنية مستبعد، لان المطلوب هو منع تعيين «بن سلمان» ملكا قبل حدوثه عن طريق الضغط الداخلي في العائلة الملكية، لا عن طريق الصدام المسلح.
ومع ذلك فان فكرة التصادم غير مستبعدة اذا ما تجاوز الملك رغبة ابناء عبد العزيز وابنائهم في حال استطاع «بن نايف» حشد مجموعة وازنة منها.
والخلاصة ان الملك «سلمان» يشعر انه في سباق مع الزمن بين وضع صحي قد يتدهور في أي لحظة، وبين اقناع العدد الوازن من العائلة والقسم الاكبر من هيئة البيعة برغبته في نقل الحكم الى ولده «محمد».