المقايضة الكبرى
صحيفة البناء اللبنانية ـ
محمد شمس الدين:
عُلّقت المهل، ودخلت البلاد في نفق التفتيش عن قانون للانتخابات يُرضي جميع الأطراف وسط رهانات واضحة من قِبل البعض على عدم التوصّل إلى مثل هذا القانون، ليعود قانون الستين ويفرض نفسه على الساحة بقوة «فرادته» وعدم وجود بديل، فيتكرّر بذلك إنتاج التركيبة السياسية نفسها التي أوصلت لبنان إلى الانهيار.
ما توصّل إليه النواب من تعليق للمهل بشرط من «حزب المستقبل» يقتضي ألّا يلغي هذا التعليق القانون المعمول به حالياً، خاصة ان القانون لا يُلغى إلا بقانون، وتكون الأزمة بذلك قد دخلت حيّز التعقيد الذي يُضاف إلى تعقيدات مهمة تأليف الحكومة التي تُجرى الاتصالات بشأنها بين المكونات السياسية كافة، والرئيس المكلف تمام سلام المتفائل بحذر بإمكانية تشكيل حكومة مصغّرة تشرف على إجراء انتخابات مفترضة حتى اللحظة، فيما يمكن أن يكون السيناريو الأكثر واقعية هو أن تتشكل الحكومة سياسياً لإدارة هذه المرحلة بعيداً عن الفراغ المرتقب، لأن التوصّل إلى قانون صالح لإجراء الانتخابات على أساسه ليس محتملاً في المدى المنظور لاختلاف المشاريع السياسية وحالة الانقسام العامودي التي تضرب الأطراف في لبنان كجزء من الانقسام الذي يضرب المنطقة والاتجاهات المتناقضة التي تحكمها، من دون بروز أية مؤشرات على تسوية من هنا أو تفاهم من هناك.
يمضي رئيس الحكومة المكلف في استشاراته المعلنة «وما خفي منها»، لتكوين صورة عن شكل الحكومة العتيدة التي يطمح بأن يترأسها، علماً أنه عكس في مواقفه أنه يرى الأمور بعين الواقع وأنه سينبري إلى الاعتذار فور اقتناعه أو شعوره حتى بأن هناك من يعرقل مسيرته، وهذا ما يُحرج جميع الأطراف من دون استثناء من الذين يرغبون بنجاحه أو الذين «لا يهمهم الأمر»، إلا أنهم يدركون أن المصلحة تقتضي أن توجد الحكومة لأنها ستكون «أهون الشرين» أمام صعوبة إيجاد قانون للانتخابات لا يجمع بين مصالح الأطراف فحسب، بل بين وجهتي نظرهما السياسية اللتين تسيران في خطين متوازيين لا يلتقيان أبداً لاختلاف مشاريعهما. فعلى أساس القانون الجديد سيتحدّد مصير لبنان للعقود الخمسة المقبلة على أقل تقدير، بينما الوقت قد نفذ فعلاً على طوله، من دون إيجاد بديل عن «الستين»، وكيف بالإمكان الاتفاق على آخر، بينما لم يتم ذلك سابقاً؟
يعلم فريق الأكثرية السابقة، أن فريق الأقلية السابقة، بحسب وصف رئيس المجلس النيابي نبيه بري، يسعى مع رئيس الجمهورية لجعل القانون النافذ حالياً حياً لإجراء الانتخابات على أساسه لأنه يؤمن بشكل كامل كل مصالح هذا الفريق، وهو مستعد لدفع كل ما يلزم من أجل ذلك، وليس هذا فحسب بل كل اللاعبين الإقليميين والدوليين لأنه جزء من المعركة التي يخوضونها في المنطقة في مواجهة محور سياسي بكامله، ولذلك فإن تدوير الزوايا قد لا يفيد في لعبة مكشوفة يراد منها السيطرة على البلد، من دون المشاركة مع أحد، لأن عليه أن يتخذ قرارات مستقبيلة داهمة مرتبطة بصراع لم يتحدث عنه جهارة إلا رئيس تيار المردة النائب سليمان فرنجية الذي رأى أن مطلبه يتلخص بتحديد الموقع الاسترتيجي للبنان في الصراع العربي – «الإسرائيلي» من دون الالتفات إلى قضايا تشكيل الحكومة وتفاصيلها التي لا تسمن ولا تغني من جوع، في حين أن المطالبين بقانون الستين ومن يقفون خلف إدارة تشكيل الحكومة، يدركون أنهم بصدد تحصين مواقع فريقهم في مواجهة ما لامسه فرنجية في إعلانه.
لا تنفصل أزمة تشكيل الحكومة العتيدة عن أزمة قانون الانتخاب، فإذا كان التكليف والقبول به قاما على مبدأ الانتخابات، فبحسب أي قانون ستُجرى، فيما الرئيس المكلف يعرف تماماً ومسبقا أن العقدة ليست في تشكيل الحكومة بل في القانون الذي سيُعتمد، وبالتالي فإنه قد لا يجد انتخابات ليشرف عليها، فيصار بذلك إلى انتفاء سبب التكليف، ما يعني ان الرئيس المكلف لم يأت إلا ضمن مشروع تقاسم للسلطة يكون هو ركيزة التوازن فيه.
تقول مصادر سياسية إن الجدل قائم حول، هل وضع الحصان أمام العربة أم العكس هو الصحيح، مشيرة إلى أن التأييد الذي ناله الرئيس المكلف يوحي بأن كل الأمور على خير ما يرام، بينما عملية «التلميع» الإقليمية والدولية التي انطلقت منذ زيارة تمام سلام إلى السعودية «نائباً» وعودته «دولة الرئيس»، إنما تهدف إلى وضع البلد أمام مقايضة كبرى بين الفريقين اللبنانيين المتناحرين وتفتح الباب واسعاً على طرح جدي لتعديل اتفاق الطائف وإعادة انتاجه تمهيداً لـ”جراحة دستورية” تعطي للأول الحكومة بينما تعطي للثاني البرلمان لتحقيق توازن يدرأ عن البلد السقوط في حفرة النار المشتعلة في المنطقة من دون قدرة لدى أحد على إطفائها. وإلى تحقيق ذلك، فإنه لا حكومة ولا قانون في الأفق.