المفهوم الإستراتيجي للناتو 2030: الهيمنة العالمية وإلا فالحرب
موقع قناة الميادين-
ليلى نقولا:
ذكرت وثائق إستراتيجية الأمن القومي الأميركي في عهد ترامب، أن التنافس الإستراتيجي مع روسيا والصين بات أكثر العوامل تهديداً، وهذا ما عكسته أيضاً وثيقة الناتو الإستراتيجية الجديدة.
انعقدت قمة حلف شمالي الأطلسي، هذه السنة، في العاصمة الإسبانية مدريد، وأعلن البيان الختامي أن دول الحلف تعهّدت تقديم مزيد من المساعدات الدفاعية والمالية لأوكرانيا، وأنها وافقت على مفهوم إستراتيجي جديد للحلف حتى عام 2030، ودعت فنلندا والسويد رسمياً للانضمام إليه.
بعد تأخير دام سنتين بسبب جائحة كورونا، أعلن الحلف مفهومه الإستراتيجي، للفترة بين عامي 2022 و2030، وحدّد فيه تصوره للتهديدات العالمية في المناطق الحيوية، وكيفية الردّ على تلك التهديدات، والخطط العامة للعقد المقبل.
في مقارنة بالمفهوم الإستراتيجي السابق (2010- 2020)، نجد أن الإرهاب كان التهديد الأبرز والأساسي عام 2010، وتحدّث الناتو عن المشكلات والتحديات والحروب خارج منطقة الناتو، وأنه سيواجهها بوسيلة “إدارة الأزمات”، علماً أن التهديد الإرهابي يأتي في مرتبة ثانوية في التصور الإستراتيجي الجديد.
ويختلف المفهوم الإستراتيجي الحالي عن سابقه، نظراً إلى جهة التهديدات التقليدية، إذ يستبعد المفهوم الإستراتيجي لعام 2010، أي هجوم تقليدي على أراضي الناتو ويقول إن أراضي الناتو في مرحلة سلام، فيما يدرج التصوّر الإستراتيجي الحالي،التهديدات الإستراتيجية المتأتية من روسيا والصين ضمن أولويات الحلف للمواجهة في العقد المقبل:
1- الاتحاد الروسي: الخطر الأكبر والمباشر
كما كان مرجحاً رأى الحلف في مفهومه الإستراتيجي أن الاتحاد الروسي يشكّل “أكبر وأهم تهديد مباشر لأمن الحلف وللسلام والاستقرار في المنطقة الأوروبية الأطلسية… وأنه يهدف إلى زعزعة استقرار دول شرقنا وجنوبنا، في أقصى الشمال”.
وأضاف الحلف “أن قدرة الاتحاد الروسي على تعطيل تعزيزات الحلفاء وحرية الملاحة عبر شمال الأطلسي تعدّ تحدياً إستراتيجياً له، وأن الحشد العسكري لموسكو، بما في ذلك في مناطق البلطيق والبحر الأسود والبحر الأبيض المتوسط، إلى جانب تكاملها العسكري مع بيلاروسيا، يتحدّى أمننا ومصالحنا”. (المادة 8).
لكنه عاد وأكد أن الناتو لا يسعى لمواجهة روسيا، ولا يشكل أي تهديد للاتحاد الروسي، ولا يعتبره شريكاً. لذا، “سيعزّز الحلف الردع والدفاع لدى الحلفاء، وسيردّ على التهديدات بطريقة موحدة ومسؤولة، وسيبقي على قنوات اتصال مفتوحة مع الروس لمنع التصعيد”. (المادة 9).
2- الصين: النفوذ العالمي ممنوع
ما لم يكن مرجحاً هو أن يعتبر الناتو في وثيقته الإستراتيجية التهديد والخطر الصيني تهديداً للحلف، ويفرد البندين (13 و14) للتهديدات الصينية (بنسبة التهديدات الروسية نفسها)، علماً أن الصين تقع في منطقة جغرافية لا تعد في نطاق مهمات حلف شمالي الأطلسي.
تشير الوثيقة الإستراتيجية الى أن “التهديدات لمصالح الحلف وأمنه وقيمه” تتأتّى من “الطموحات المعلنة لجمهورية الصين الشعبية”، ومن قيام الصين باعتماد “مجموعة واسعة من الأدوات السياسية والاقتصادية والعسكرية لزيادة وجودها العالمي وإظهار القوة”.
وتحدثت عن “أساليب الصين الخبيثة”، ورأت أن الصين تسعى لـ”التحكم في القطاعات التكنولوجية والصناعية الرئيسة، والبنية التحتية الحيوية، والمواد الإستراتيجية وسلاسل التوريد. وتستخدم نفوذها الاقتصادي لخلق التبعيات الإستراتيجية وتعزيز نفوذها”. (المادة 13)
وفي النهاية، قالت: “إن تعميق الشراكة الإستراتيجية بين جمهورية الصين الشعبية والاتحاد الروسي ومحاولاتهما المتعاضدة تقويض النظام الدولي القائم على القواعد يتعارضان وقيمنا ومصالحنا”.
وهكذا، يعترف الحلف بأن الصين لا تشكّل تهديداً عسكرياً لأعضائه، لكنّ طموحها العالمي وزيادة وجودها وتقوية نفوذها الاقتصادي، كلها عوامل تهديد يريد الحلف مواجهتها.
3- المنظمات الإرهابية:
مع أن هذا الخطر الإرهابي كان الأساس الذي بنيت عليه وثيقة المفهوم الإستراتيجي لعام 2010، يلاحظ تراجع في أهمية هذا الخطر، وقد أبقت الوثيقة الجديدة هذا الخطر من دون أن تحدّد تفصيلاً كيفية مواجهته، واكتفت بذكر التعاون مع الحلفاء في منطقة الشرق الأوسط وشمالي أفريقيا والساحل في مكافحة الإرهاب. (المادتان 10و11)
ثم أضافت الوثيقة بعض التحديات الأخرى المتمثلة في التغير المناخي والملكية الفكرية وسواها.
4- خطابات القمة خارج الوثيقة الإستراتيجية:
كان لافتاً الكلام الذي نقلته وسائل التواصل عن رئيس مجلس الوزراء البلجيكي، الذي قال إن “الناتو أبلغ زيلينسكي أن الحل في أوكرانيا لن يكون إلا عسكرياً، وأن الحلف سيُمد أوكرانيا بما تحتاج إليه من سلاح لمواصلة القتال حتى هزيمة روسيا”.
هذا إضافةً الى كلام الأمين العام للحلف يانس ستولتنبرغ، الذي قال إن الحلف كان يستعد لمحاربة روسيا في أوكرانيا منذ عام 2014.
ويؤكد ذلك أن الحرب على روسيا كانت خياراً أراده حلف شمالي الأطلسي، ويؤكد كذلك سلسلة الأحداث والتطورات منذ بدء عام 2021، التي بدأت بدعوة أوكرانيا (غير رسمية) إلى الانضمام إلى الحلف في قمة الناتو، السنة الماضية في 14 حزيران/يونيو 2021، التي أعقبتها مشاركة أوكرانيا في مناورات الحلف العسكرية، ومنها مناورات “نسيم البحر” في البحر الأسود في تموز/يوليو، ومناورات Rapid trident 21 في أيلول/ سبتمبر.
وفي 10 تشرين الثاني/نوفمبر وقّعت أوكرانيا مع الأميركيين اتفاقاً للشراكة الإستراتيجية، وأكدت واشنطن ضرورة انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو. وفي الأثر، أرسل بوتين، في 21 تشرين الثاني/نوفمبر، رسالة إلى الولايات المتحدة ودول الناتو، مطالباً:
1- بالتعهد بعدم دخول أوكرانيا الناتو.
2- عدم وضع أسلحة هجومية على حدود روسيا.
3- أن تتراجع قوات الناتو من شرقي أوروبا الى أوروبا الغربية.
وهو ما رفض الأميركيون أي نقاش فيه، ووقعت الحرب.
هكذا، نجد أن وثائق إستراتيجية الأمن القومي الأميركي في عهد ترامب، التي ذكرت أن التنافس الإستراتيجي مع روسيا والصين بات أكثر العوامل تهديداً للأمن القومي، هي نفسها ما عكسته وثيقة الناتو الإستراتيجية الجديدة.
وهذا يعني أن الصين لن تكون في منأى عن التصعيد العسكري المتدرّج في قضية تايوان، لجرّها الى الحرب، فممنوع عليها (بحسب الناتو) أن تطمح إلى النفوذ العالمي، وممنوع المسّ بقواعد النظام الدولي الذي أرساه الغرب.