المفاوضات غير المباشرة بين طهران وواشنطن…
جريدة البناء اللبنانية-
رنا العفيف:
جولة جديدة من المفاوضات غير المباشرة بين إيران وأميركا، وبينهما مطرقتان سند الاتفاق والحاجة الأميركية، في ظلّ الصراع الدولي، لا سيما ترتيب محطات من خلف الكواليس من السر إلى العلن، بانتقال المفاوضات من فيينا إلى الدوحة، فيما «إسرائيل» تخرج عن صمتها وتصرّح بوقاحة، أنها لا تريد أن يكون الاتفاق لصالح إيران…
عناوين كثيرة لها وقع سياسي واستراتيجي وأمني تتعلق بوقوع الاختيار على دولة خليجية، وتساؤلات أكثر عن حاجة الولايات المتحدة الأميركية للعودة للاتفاق، ما لم تقم بترسيم معادلات جديدة في المنطقة، إضافة للخطوات المتسارعة بين طهران والرياض، ما هي التعديلات التي جرت في مسار المفاوضات التي كرّستها زيارة بوريل إلى طهران، في دلالات المكان والزمان التي انطلق منها المفاوضون في استئناف المحادثات النووية؟
من أوروبا وتحديداً فيينا ومنها وإليها الدوحة ستنتقل المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، ليقع الاختيار على الزمان والمكان باستئناف المفاوضات عقب زيارة بوريل الأخيرة لطهران، إذ علامات التوتر الكبير بين طهران والوكالة الدولية للطاقة كان واضحاً إلى حدّ التعبير، ومن خلفها واشنطن وأوروبا، مما دفع إلى تحريك عجلات التفاوض المتوقفة منذ مدة، كما دفع الأطراف المعنيين أيضاً إلى احتوائه لمصلحة المنطقة برمتها، تاركين خلافاتهم جانباً، متخطيين كلّ زوايا الأحداث، واختصارها بوساطة إحداها عربية وأخرى أوروبية، تبعث برسائل تطمين والأخيرة تعبّر عن إسقاط الهواجس الأمنية لمدّعي الرهانات، لتسجل بذلك دفعاً إيجابياً للعلاقات حطت رحاها على ضفتي الخليج.
إلا أنّ «إسرائيل» قامت بالترويج لمشاريع أحلاف عسكرية سابقاً منعاً لأيّ تطورات جديدة متعلقة بمسار المفاوضات النووي الإيراني، تتحدّث عن دخول الإمارات بها، حتى سارعت تلك وبحسب «وول ستريت جورنال» نفي دخولها بحلف عسكري ضدّ أيّ طرف، إزاء ذلك قالت «إسرائيل» كلمتها وبالعلن، أنها لا تريد أن يكون الاتفاق لصالح إيران، إثر هذه المنغصات، نقل ملف التفاوض من أوروبا إلى الخليج لنشل القضايا العالقة والشائكة بين الطرفين الإيراني والأميركي بعيداً عن خيوط العنكبوت، عله يسعف بحلول ناجعة سياسياً، بإيجاد صيغة متعلقة برفع حرس الثورة من قائمة الإرهاب الأميركي، وهذا يعطي إشارة إيجابية ربما كمبادرة حسن نوايا لبعض الدول الخليجية في ظلّ الحراك المتسارع على خط طهران والرياض، لإعادة العلاقات الدبلوماسية نظراً للأحداث المتفق عليها سراً، وقطر بطبيعة الحال لها توازنات في علاقاتها مع طهران وواشنطن، فقطر وطهران تربطهما علاقة ودية لم تنقطع في خضمّ الخلافات الإيرانية الخليجية وهذا سبب وجيه ربما، لذا لعبت دور أساسياً بين الطرفين ليقع الخيار عليها، وكلّ ما يهمّ من هذه الدلالات هو جوهر المفاوضات، بالشكل والمضمون ليس فقط بالزمان والمكان، في حلحلة الكثير من العقد عملياً واستراتيجياً، خاصة بعد أن فشل رهان الكثيرين ممن كانوا يتوقعون سدّ الطريق النووي الواقع بين سندان الإلحاح والرغبة، فبات الحراك الدبلوماسي الذي حصل في الآونة الأخيرة، هو عبارة عن تعديلات في المسارات السابقة، ولكن هذه المرة ربما بشكل مختلف عن سابقاته وفق المنظور، إذ يرى كثيرين أنه دخل مرحلة حاسمة ومصيرية، تنحدر نحو الإيجابية كما وصفها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، وهذا أمر مبشر لطالما كانت هناك سرية تامة من جميع الأطراف في المفاوضات…
لماذا كلّ هذه السرية قد يتساءل البعض؟ لربما تفاديا لأيّ تدخلات تغرّد خارج سراب المفوضين، تحمي بعضهم من الضغوط التي ربما تطال الدول التي تقوم بدورها، بما أنّ حرب الضغوط قائمة لا تزال، لهذا السبب قد يكون أو أكثر، فكان الحفاظ على وضعية الهدوء ضمن الأولويات وذلك لمصلحة المنطقة، التي أخذت حدّ الازدراء المتفجر في ظلّ الصراع الدولي وتحديداً أوكرانيا وما آلت تبعاتها على أوروبا .
تحصيل حاصل هنا، جاء هذا التغيير نتيجة حتمية لمرحلة جديدة لها دلالات تبرز رغبة واشنطن الملحة إلى هذا الاتفاق بعد أن تراجعت عنه، بعرض ضمانات ترضي جميع الأطراف، بعيداً عن التصعيد التي تريده «إسرائيل»، واختيار قطر لهذه المهمة ربما كان منسق بدءاً من زيارة ماريوبول، وصولاً لزيارة الكاظمي إلى طهران، وما كان متفق عليه في فيينا هو نفسه الذي سيعقد في قطر، وكلّ ما هنالك من رسائل تطمينات متبادلة بين الأوروبي الذي قام بضمان أميركي ومن خلف زيارته لطهران، بقوله بصريح العبارة أنا أضمن الأميركي في ما يقدّمه لكم، بعيداً عن كلّ العراقيل، ليذوب ثلج هذه المفاوضات عما قريب في سبل بحث الإيجابيات التي تحدث عنها وزير الخارجية الإيراني، بحصوله على مؤشرات إيجابية من الولايات المتحدة بشأن إمكانيات حلحلة ثائر القضايا الشائكة.
وأخيراً تبقى لواشنطن أسبابها الخاصة بإعادة حساباتها وتحديداً بايدن الذي أصبح عمره يفوق مفاوضات النووي بما أنه جزء منها، ليبقى للطرح الدولي الاستراتيجي له نظرية أخرى على الصعيد الداخلي تحاكي مناورات جديدة عقب موافقة الجانب الأميركي لمطالب إيران…