المفاوضات النووية ومسألة الجهات الفاعلة المتدخلة
صحيفة الوفاق الإيرانية:
مع إقتراب موعد بدء جولة جديدة من المحادثات النووية بين إيران ومجموعة 4 + 1 في فيينا، ازداد الجدل حول شروط نجاح المحادثات بين الدول المتفاوضة.
حتى أن التدريبات العسكرية العديدة في الأسابيع الأخيرة في مياه الخليج الفارسي، اعتُبرت جزءاً من الدعم لإظهار موقف قوي على طاولة المفاوضات.
في غضون ذلك، وفي حدث ذي صلة، أصدرت الدول الأوروبية الثلاث، إلى جانب المبعوث الأمريكي وأعضاء مجلس التعاون، ومصر والأردن، بياناً مشتركا أكد على العودة المتبادلة للاتفاق النووي، واتخذ مرةً أخرى موقفاً ضد القدرة الدفاعية التقليدية لإيران، أي برنامج الصواريخ والطائرات بدون طيار.
وفي بيان مشترك آخر أصدرته الولايات المتحدة وأعضاء مجلس التعاون، تم اتهام الجمهورية الإسلامية مجدداً بإثارة الأزمة النووية وزعزعة استقرار الشرق الأوسط، ببرامج الصواريخ والطائرات المسيّرة، مع تكرار المزاعم المستمرة حول دور إيران في التطورات الإقليمية.
العرب، الفاعلون التدخليون
تسعى الولايات المتحدة، وكذلك الدول العربية المعنية، إلى تحقيق أهدافها الخاصة في إصدار بيان مشترك حول برنامج إيران النووي وعملية التفاوض لإحياء الاتفاق النووي.
فمن ناحية، أثبت البيت الأبيض، نتيجةً لتحرك الإدارة السابقة أحادي الجانب للانسحاب من جانب واحد من الاتفاقية وإعادة فرض العقوبات، للمجتمع الدولي أنه ليس جهةً فاعلةً ذات مصداقية بأي حال من الأحوال، وبالتالي أعطي الشرعية الدولية للتطور السريع المفاجئ لقدرة إيران النووية للعودة إلى النقطة التي كانت عليها قبل اتفاقية 2017، وهو الآن يسعى يائساً، بمساعدة حلفائه المقربين، مرةً أخرى إلى منع طهران من الحصول على تنازلات، من خلال خلق أجواء مناهضة للبرنامج النووي والصاروخي الإيراني.
لقد دعت إيران، ولا سيما مسؤولي الحكومة الجديدة للسيد آية الله ابراهيم رئيسي، في نهج منطقي في الأشهر الأخيرة، إلى التنفيذ الكامل لالتزامات الجانب الآخر، ورفع جميع العقوبات تحت أي عنوان، وإمكانية التحقق منه كشرط مسبق لعودة الولايات المتحدة إلى الاتفاق النووي وعودة إيران إلى شروط الاتفاق.
كما أن الولايات المتحدة ومن خلال البيان المشترك تسعى إلى تهدئة استياء حلفائها الإقليميين الغاضبين من الانسحاب التدريجي لإدارة بايدن من المنطقة، عبر التأكيد على مراعاة مصالح ووجهات نظر هذه الدول في مفاوضات إحياء الاتفاق النووي مع إيران.
لكن من ناحية أخرى، سعى مجلس التعاون المفكك، ولا سيما عبر السعودية والإمارات خلال العام الماضي، إلى أن يصبح طرفاً جديداً في المفاوضات النووية، وذلك من أجل الحفاظ على ميزان القوى في القضايا العسكرية والنفوذ الإقليمي مع طهران، حسب أدبياته.
لكن مثل هذا الهدف لم يتحقق هذه المرة أيضاً، كما لم يحدث في مفاوضات تشكيل الاتفاقية في عام 2016؛ لأنه من وجهة نظر طهران، فإن الدول العربية، التي أصبحت هي نفسها مستودعاً كبيراً للأسلحة الغربية، ولعبت دوراً رئيسيا في زعزعة استقرار الأوضاع في المنطقة من خلال شن حروب في سوريا والعراق واليمن، ليست في موقع يسمح لها بفرض شروط على دور إيران الإقليمي وبرنامجها النووي السلمي.
ولذلك، يجب القول إن البيانات الأخيرة لن تخلق أي دور أو ظروف للتأثير على المفاوضات بالنسبة لهذه الدول.
البيانات الصادرة حسب الإملاءات الأمريكية؛ غير مؤثرة على إيران ولكن مضرة بالعرب اليوم، ينظر الرأي العام في الأمة الإسلامية والعالم العربي، إلى الطاعة العمياء للحكام الرجعيين العرب لسياسات الغرب، وخاصةً المواقف الإملائية للولايات المتحدة، التي تهين هؤلاء الحكام بوصفهم بالبقرة الحلوب، ويقارن ذلك بأداء قوى محور المقاومة في إلحاق الهزائم المتكررة بالولايات المتحدة والكيان الصهيوني.
ولذلك، فإن الرأي العام في هذه الدول لا يحترم فقط شجاعة الجمهورية الإسلامية في التأكيد على حقوقها المشروعة وعدم الانصياع للضغوط الغربية، بل بالنظر إلى الصمت المميت لحكامهم حيال السلاح النووي للكيان الصهيوني، الذي لا يزال يرتكب الجرائم ضد الفلسطينيين والدول الإسلامية في المنطقة، فإنهم يرون موقف حكامهم حيال برنامج إيران النووي رمزاً لخضوع وتبعية قادتهم.
من جهة أخرى، فقد أثبتت إيران جيداً أنها عندما لم تتراجع قيد أنملة عن موقفها المبدئي في مواجهة ضغوط ما يسمى بالعقوبات المعوقة والتهديدات العسكرية في عهد ترامب، فإنها لا تقيم وزناً لبعض التصريحات والبيانات التي تصدر من هنا وهناك.
وفي ضوء هذا الوضع، فإن الدول العربية هي التي تتبع خطط الغرب الانقسامية، وتحرم نفسها من إمكانية التحدث مع طهران والتوصل إلى اتفاقات لإرساء سلام دائم في المنطقة، بينما ثبت أن الولايات المتحدة لا تستطيع توفير الأمن لهذه الدول.