المصارف ترفع أسعار الفوائد
«السوق الحرّة» تضرب مجدداً. هكذا بلا مقدمات او حجج، رفعت المصارف اسعار الفائدة على الودائع والتسليفات. يصرّ المصرفيون على وضع هذا الاجراء في خانة الحاجة الى «استقرار القطاع»، لكن المستهلك سيدفع الثمن باهظاً، واصحاب المصارف سيجنون ارباحا اضافية. انه أقوى كارتيل في لبنان.
صحيفة الأخبار اللبنانية ـ
محمد وهبة:
خلال الأيام القليلة الماضية عَمَدَ مديرو وموظفو فروع المصارف الأكبر في لبنان إلى إبلاغ الزبائن «شفهياً» قرار زيادة أسعار الفوائد على تسليفاتهم بما يراوح بين 0.5% و1%. هذا القرار يلقي الكثير من الأعباء الإضافية على الاقتصاد في ظروف صعبة وقاسية على الجميع. المؤسسات المتوسطة والصغيرة والأفراد سيموّلون كلفة هذه الزيادة، ولن تكون بيدهم أي حيلة لمواجهة أكبر كارتيل في لبنان.
المصارف الكبيرة التي قامت بهذه الخطوة ستكون مثالاً تحتذي به المصارف الباقية. ونِعمَ المثال.
بسهولة، قرّرت المصارف الثلاثة الأكبر في لبنان أن ترفع أسعار الفوائد في سوق القروض. لم تمنعها أي رقابة او سلطة يجسدها مصرف لبنان. كان الأمر سهلاً إلى درجة أنها أبلغت الزبائن هاتفياً ما قرّرت القيام به وانصرفت إلى شأن آخر. قالت كلمتها ومشت. وبحسب المعطيات المتداولة بين زبائن المصارف، فإن الفروع المصرفية التابعة لمجموعات «بنك عوده» و«بلوم بنك» و«بيبلوس بنك» أبلغتهم من خلال اتصالات هاتفية زيادة أسعار الفوائد على حساباتهم المكشوفة. وبحسب مسؤولين في هذه المصارف، اتصلت بهم «الأخبار»، فإن هذا الإجراء لا يشمل كل زبائن المصرف، بل هو يميّز بين زبون وآخر، وفق لائحة الاستثناءات المتوافرة لدى كل فرع. هذه اللائحة تتضمن كبار الزبائن الذين لا يمكن الاستغناء عنهم، والذين لديهم القدرة على الاستدانة من مصارف خارج لبنان بكلفة منخفضة جداً، رغم أنهم لم يذهبوا في هذا الاتجاه بعد، ولا يزالون متمسكين بتنويع مصادر تمويلهم. وهناك نوع ثان من الاستثناءات المتصلة بعلاقات تجارية وروابط عائلية وسياسية لدى المصارف مع بعض الزبائن.
هكذا هي سوق المصارف في لبنان، تخضع لمصالح وحسابات الجهة الأقوى. حتى إن المصارف لم تكّلف نفسها عناء إبلاغ حاكم مصرف لبنان رياض سلامة نيتها زيادة أسعار الفوائد خلال اللقاء الشهري الاخير بينهما، الذي عقد في 19 أيلول، أي يوم الخميس الماضي. قررت خطوتها على نحو منفرد، على الرغم من ان احد المصرفيين استبعد كليا ان لا يكون هناك تنسيق مسبق مع حاكم البنك المركزي.
ووفق الروايات المتداولة في السوق، فإن مناسبة هذه الزيادة غير واضحة بعد، لكن أهدافها واضحة لجهة زيادة أرباح المصارف. أما نتائجها فيمكن تصنيفها وتقديرها على أساس نوع الحساب وطبيعته وأجل استحقاقه. فمن الواضح أن كل التسليفات الجديدة للزبائن «غير الـVIP» ستطاولها زيادة أسعار الفوائد، أما المحفظة السابقة (التسليفات القائمة قبل زيادة اسعار الفائدة)، فهي تخضع للتصنيف وفق أمرين:
ــ هناك تسليفات تجري من خلال حسابات مكشوفة، وتُعرف بأنها تسهيلات مصرفية جارية تمنحها المصارف للمؤسسات وبعض الأفراد من ذوي الملاءة المالية الكبيرة، وذوي المهن الحرّة… والمتعارف عليه أن هذه الحسابات تُغلق كل 12 شهراً، وبالتالي فإن المصارف لا تذهب في اتجاه تغيير أسعار فوائدها من دون إبلاغ الزبائن، حتى لا «يطفش» العميل بسرعة، لكن المصارف تحتسب موافقة العميل على تجديد الحساب على أنها موافقة على ما تصفه بأنه الأسعار الرائجة في السوق، بمعنى ان زيادة الفائدة تحصل عند تجديد الحساب في نهاية الفترة، وهذه الفئة من المقترضين ستدفع اسعار الفائدة الجديدة تباعا بدءاً من الآن.
ــ هناك تسليفات غير تجارية تمنحها المصارف للأفراد والأسر. هذا النوع من الحسابات تكون فوائده، غالباً، مربوطة بمعادلات واضحة المعالم، لأن آجاله تمتدّ على فترات طويلة، يصل بعضها إلى 30 سنة. أكثر القروض المتعارف عليها في هذا المجال هي قروض السكن، قروض الأفراد، قروض السيارات، قروض الأثاث… وكل هذه القروض تُمنح للزبون بموجب عقود محدّدة مسبقاً وموحّدة للجميع، ونادراً ما تتضمن أي استثناءات. وبناءً على هذا الوضع، بما فيه من معادلات وثوابت، فإن غالبية قروض السكن القائمة لن تطاولها زيادة اسعار الفائدة الحالية لأنها مربوطة اصلا بأسعار سندات الخزينة اللبنانية، وهي تعدّل كل سنتين تقريباً بناءً على أسعار فائدة هذه السندات (بمعنى انها متحرّكة اصلا). أما القروض الأخرى التي لا تمتدّ فترات طويلة تتجاوز 5 سنوات، فإن غالبية عقودها الصادرة تتيح لإدارة المصرف حرية رفع اسعار الفوائد، وليس هناك أي قانون أو تعميم أو مذكرة تمنعها من زيادة الأسعار أو خفضها، الا ان المصادر المصرفية تستبعد زيادة الاسعار على القروض القائمة من هذا النوع، لكن القروض الجديدة ستكون اعلى كلفة.
إذاً، من سيدفع فاتورة رفع أسعار الفوائد؟ من دون أدنى شكّ هم المقترضون «غير الـVIP»، وتحديدا المقترضون الجدد وبعض فئات القروض القائمة. هؤلاء يمثّلون المؤسسات المتوسطة والصغيرة والأفراد العاديين الذين لا حول لهم ولا قوّة. علما انهم لا يمثّلون من مجمل القروض سوى ربعها، لكنهم الجزء الاهم من الزبائن الذين يموّلون أرباح المصارف.
وبحسب إحصاءات جمعية مصارف لبنان، فإن توزيع التسليفات وفق الشطور يظهر أن التسليفات التي تفوق قيمة كل منها 10 مليارات ليرة تمثّل 47.5% من مجمل قيمة التسليفات، لكنها تعود الى 0.24% من الزبائن فقط (اي نحو 1027 زبوناً). وبالتالي فإن غالبية هذه الحسابات «محظية»، ويُستبعد ان تطاولها زيادة الأسعار نظرا لموقع اصحابها التفاوضي القوي. يضاف الى هذه الفئة عدد كبير من اصحاب التسليفات، التي تراوح بين مليار ليرة و10 مليارات ليرة، وهؤلاء لا يمثّلون سوى 1.36% من مجمل المقترضين (حوالى 5851 مقترضاً) ويحمل هؤلاء نحو 23.74% من مجمل محفظة القروض. اي إن هاتين الفئتين تحملان معا نحو 71% من مجمل القروض، اي 52.3 الف مليار ليرة.
لا يعني ذلك ان جميع اصحاب التسليفات من هاتين الفئتين لن يتكبدوا اي كلفة اضافية، اذ إن جزءاً مهماً منهم اصحاب حسابات مكشوفة او من غير المحظيين. الاكيد ان من يتحمّل الكلفة هم المقترضون الجدد من فئات القروض الادنى، الذين يمثّلون نحو 98% من مجمل المقترضين، وهؤلاء ليسوا في موقع تفاوضي يسمح لهم برفض اي زيادة على الفوائد، على الرغم من انهم لا يحملون الآن سوى اقل من 29% من مجمل محفظة القروض، اي نحو 21.2 الف مليار ليرة. لكن كل زيادة 1% على سعر الفائدة على هذه القروض ستعطي المصارف ارباحا بقيمة 212 مليار ليرة (رقم للدلالة فقط).
لماذا عمدت المصارف الكبرى إلى تحديد الاتجاهات الجديدة لأسعار الفائدة في السوق؟ وعلى أي أسس؟ يجيب أحد المصرفيين بأن «عددا كبيرا من المصارف أفسدت المودعين، وبدأت تتنافس في ما بينها لتستقطب الودائع، وزادت أسعار الفائدة على الودائع بالليرة اللبنانية وبالدولار أيضاً، وبالتالي باتت كلفتها مرتفعة قياساً إلى تباطؤ التسليفات خلال الأشهر الستة الأولى من السنة الجارية، إذ يتوقع أن نسبة التباطؤ في التسليف تزيد قليلاً على 3%، وهذا يعني أن المصارف بحاجة إلى تعويض الخسارة الناتجة من الفرق بين إيرادات توظيفاتها وكلفة الودائع». ويضاف إلى ذلك، أن ودائع المصارف الثلاثة الأكبر في لبنان زادت خلال الأشهر الستة الأولى من السنة الجارية بنسبة 5.3% أو ما قيمته 3.3 مليارات دولار.
ليست هذه القراءة هي الوحيدة في السوق، فهناك مصرفيون آخرون يسوّقون لزيادة أسعار الفوائد بطريقة مختلفة. هؤلاء يبرّرون الزيادة على أن أسعار الفائدة في العالم بدأت تزداد منذ شهر ونصف شهر «فعلى سبيل المثال فإن الفائدة على سندات الخزينة الأميركية ارتفعت من 1% إلى 2%، وبالتالي كان لا بدّ أن ترتفع أسعار الفائدة في لبنان أيضاً، ليتمكن من استقطاب الودائع، وإبقاء هامش بين الأسعار العالمية والأسعار المحلية».