المشهد الأوكراني يتعقّد… إلى أين تتجه المواجهة بين الروس و”الناتو”؟
موقع العهد الإخباري-
شارل أبي نادر:
لم يكن أحد من المتابعين ينتظر أن تسلك العملية العسكرية الروسية في اوكرانيا بسلاسة ودون تعقيدات، وأن لا يتطور المشهد في الميدان نحو الأسوأ. إن الأمر كان مقدّرا لعدة أسباب ومعطيات، كما أن الروس بطبيعتهم واقعيين ويدركون جيدا ان معركتهم ليست ضد اوكرانيا، وبالتحديد ضد الرئيس فلاديميير زيلنسكي، بل معركتهم ضد الناتو بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، العدو الدائم لهم، وضد أغلب ما يحضنه الحلف الاطلسي من دول أوروبية، لم تكن، لا تاريخيا ولا حاضرا، إلا في حالة خصام ضد روسيا وفي منافسة متشددة معها، باغلب اوقاتها كانت (المنافسة) تلامس حالة العداء، بما تحمله من خلافات وتشنج وتصادم.
انطلاقا من حساسية هذه المواجهة غير الواضحة المعالم حتى الآن، بالرغم من وضوح ما وضعته موسكو من اهداف لها، وانطلاقا من الخوف الذي تعيشه دول “الناتو” من النتائج الكارثية عليها، وفي كل المجالات، فيما لو استطاعت روسيا الفوز، كما هو مقدرا، كيف يمكن ان تناور دول “الناتو” في مواجهة العملية العسكرية الروسية الخاصة في اوكرانيا؟ وهل تستطيع موسكو الذهاب حتى النهاية في تحقيق ما وضعته من اهداف؟
في الميدان، نجحت الوحدات الروسية حتى الآن في تحييد اغلب القدرات العسكرية الأوكرانية ذات البعد الفعال، والتي كانت سوف تؤثر على الوحدات الروسية في تقدمها على المحاور المتعددة التي اختارتها، فأنظمة الدفاع الجوي الاوكرانية خرجت من الخدمة في الساعات الأولى للمعركة، والقواعد الجوية الاوكرانية، تم عزلها بشكل شبه كامل، مع بعض الاستثناءآت البسيطة، ومنعها عن تقديم أي دعم جوي فيما لو اختارت عمليات الجيش الأوكراني اشراكها في المواجهة.
تحييد هذه القدرات الاوكرانية، سهّل للوحدات الروسية التمدد على محاور تقدم رئيسة، شمالا من بيلاروسيا نحو العاصمة كييف، وشرقا من روسيا نحو خاركوف ثاني أكبر المدن الأوكرانية، وجنوبا من شبه جزيرة القرم نحو خرسون ومن الاخيرة شرقا نحو ماريوبول وغربا نحو اوديسا، بالإضافة للتقدم الذي احرزته وحدات جمهوريتي الدونباس ( دونتسيك ولوغانسك) نحو المناطق الاخرى التابعة للإقليم المذكور.
الرسالة التي اراد الروس ايفادها من هذا الدخول على المحاور المذكورة، والذي كان بداية دخولا جزئيا، وغير مكتمل، بالرغم من الإمكانية الواضحة لان يكون مكتملا وخاطفا، تهدف إلى إفهام الرئيس زيلنسكي ومن ورائه واشنطن والاوروبيين، بأن الهدف الروسي من العملية ليس احتلال وتدمير وقتل وإحداث خسائر، بل الهدف من ذلك هو سحب الرئيس المذكور من الموقع المعادي لروسيا، والذي وضعه فيه “الناتو” لاستهداف روسيا ونصبوه ودعموه في مواجهتها ليكون البيدق الذي يكمل ستار الحصار الخانق عليها من كامل واجهتها الغربية اي من اوكرانيا.
في الواقع، من الطبيعي ان يكون الرئيس زيلنسكي قد فهم جيدا أبعاد هذه المناورة الروسية، كما أن دول “الناتو” ايضا قد فهمت ذلك بوضوح، ولكن، ونظرا لتداعيات ما سوف ينتج عن العملية العسكرية الروسية فيما لو سلكت حتى النهاية كما تريد موسكو، وذلك على نفوذ هذه الدول (دول الناتو) وعلى مصالحها المتشعبة في كافة النواحي، وخاصة على المستوى الإستراتيجي المتعلق بالسباق على السيطرة حول العالم، وبالتحديد لناحية خسارتها نقطة الارتكاز الاكثر تأثيرا على روسيا ـ اي اوكرانيا ـ فهي تحاول تعقيد المشهد على روسيا في اغلب النقاط التي يمكن لها أن تؤثر فيها او تتحكم بها وهي:
على الصعيد السياسي: تقوم دول “الناتو” بقيادة واشنطن بحملة ديبلوماسية وسياسية واسعة ضد روسيا، في أروقة مؤسسات الأمم المتحدة وعند عواصم اغلب الدول حول العالم، بهدف تشويه صورة موسكو وإظهارها بموقع الغازي والمعتدي، وليس كما هو الامر حقيقة بان روسيا تدافع استباقيا عن امنها القومي وتعمل لابعاد الحصار والضغط العسكري عن حدودها مباشرة.
على الصعيد الإقتصادي: تشن ايضا هذه الدول الغربية على روسيا حربا اقتصادية عنيفة، بهدف خنقها وعزلها بشكل كامل عن العالم، وبالرغم من أنه سيكون لهذه الاجراءآت الإقتصادية والمالية التي تستهدف روسيا، تداعيات مضادة وستطال هذه الدول ايضا، يبدو ان الاخيرة سائرة في إستراتيجية تصعيد الضغط الاقتصادي على روسيا حتى أبعد الحدود.
على الصعيد العسكري: مازالت دول “الناتو” وبعض حلفائها، تزود الوحدات الأوكرانية باسلحة فتاكة، وطبعا، ليس منتظرا أن تستطيع من خلالها مواجهة الروس وإخراجهم من الأراضي الأوكرانية، بل من أجل استنزاف الوحدات الروسية وإحداث اكبر قدر من الخسائر في صفوفها وتعقيد المشهد بوجهها وإبعاد امكانية رضوخ الاوكران لها.
على الصعيد الأمني: تتزايد حالات الغموض الأمني داخل بعض مدن اوكرانيا وخاصة في كييف، لناحية ظهور مسلحين مجهولي الهوية والارتباط، تقوم بعمليات استهداف للمدنيين ولرجال الأمن ولحرس المؤسسات العامة والخاصة، بطريقة توحي بان الهدف من ذلك خلق جو من الفوضى القاتلة، والجنوح في هذه المدن نحو الحرب الاهلية او ما يشبهها، وكل ذلك غير بعيد بتاتا عن ان يكون مدبرا من قبل أجهزة مخابرات لدول غربية ولدول “الناتو” بالتحديد.
من هنا، وحيث من الطبيعي ان الروس كانوا يضعون كل هذه الاحتمالات والتعقيدات بعين الإعتبار، وحيث انهم لم يكونوا ينتظروا ان “الناتو” سيكون مسهلا لمناورتهم وبأنه لن يحاول المستحيل لمنعهم من تحقق أهدافهم، وحيث أنهم لم يدخلوا الى اوكرانيا بهذه الطريقة الحساسة والجريئة لمواجهة “الناتو”، لكي يدخلوا في مستنقع صعب، دون دراسة ودون تخطيط، فهم اليوم، وأمام ما ظهر من تعقيدات وصعوبات، انتقلوا كما يبدو الى الخطة B، والتي تقوم على توسيع محاور التقدم في العرض وفي العمق، والتي تقوم ايضا على رفع مستوى الاستهداف للوحدات العسكرية الاوكرانية التي لن تكون متجاوبة معهم او التي سوف تكون دموية في مواجهتهم، وربما تسارع العمليات العسكرية والميدانية التي اطلقوها في الساعات الاخيرة، سوف تفرض الحسم الذي تحتاجه هذه العملية الخاصة كما ارادوها.