المسكوت عنه في قمة بغداد للتخادم والتخابر
قناة العهد العراقية-
سلام عادل:
قيل ما قيل كثيراً عبر الاعلام الحكومي العراقي الخاضع لمكتب رئيس الوزراء المؤقت حول قمة بغداد، فضلاً عن وسائل اعلام عديدة اخرى ارتأت اداراتها مجاراة الخطاب الحكومي، لكونها طامعة ببعض الامتيازات، أو لكونها لا تجد جدوى في معارضة خطاب الحكومة، لكن على أي حال، كل ما أراد رئيس الحكومة المؤقت الحصول عليه من هذه القمة هو تأييد اقليمي لسياساته التي هي سياسات غير مفيدة للعراقيين على المستوى الاقتصادي والأمني، بحسب ما وصلت اليه الامور في العراق منذ تكليفه قبل عام ونصف من الآن.
ومن غير المعلن في هذه القمة أن رئيس الحكومة المؤقت كان يريد التنازل عن كل شيء للدول المجتمعة في بغداد لكسب رضاها طمعاً بولاية ثانية، إلا ان هذه الدول كانت تعرف مسبقاً ان مصطفى كاظمي ورئيس الجمهورية برهم صالح الذي يقف خلفه يفتقدان مع بعضهما لأي دعم شعبي او نيابي او سياسي، وانهما لولا الفترة التي حكم فيها ترامب لما كان بامكانهما حكم العراق على الاطلاق، وهو ما يجعل الرهان على (برهم + كاظمي) رهاناً غير مجدي على الاطلاق، على الاقل في المدى القريب المنظور، لانهما في واقع الأمر لا يملكان ولا يحكمان.
ولعل مشاركة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون هي التي نفخت الروح في هذه القمة، على المستوى الإعلامي بالطبع، لكن ما هو معروف بين اوساط النخبة العالمية ودوائر التحليل السياسي ان ماكرون على وشك مغادرة قصر الاليزيه بعد اشهر قليلة جراء فشله في السياسات الداخلية لفرنسا التي خلفت أكبر احتجاجات شعبية كانت قد بدأتها السترات الصفراء ومازالت مستمرة، علاوة على فشله في السياسات الخارجية، ولعل ما يحصل في لبنان وسوريا أكبر دليل على ذلك، ومن هذه المنطلقات يبدو ان ماكرون يسعى الى كتابة آخر عناوين البروبغندا قبل مغادرته الرئاسة دون ان يكون لحضوره في بغداد أي فائدة لفرنسا أو للعراق، باستثناء ما يجري الترويج له من عقود لصالح شركة توتال، التي لازال أمامها طريق شائك وطويل ومعقد لتنفيذ المشاريع على أرض الواقع.
ومن ناحية مشاركة الدول الاخرى، تبدو حالة عدم مشاركة الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي الى جانب عدم مشاركة الرئيس التركي رجب طيب اردوغان عبارة عن رسائل للاقليم العربي، قبل ان تكون رسائل للعالم، تفيد بان الرئاسة العراقية الحالية والمتمثلة ببرهم صالح ومصطفى كاظمي ليست هي الرئاسة التي تمثل العراق حتى يتم التعويل عليها في قمة من هذا النوع، وهو الامر الذي لا يستوجب حضورهما كرؤساء وصناع قرار، ولذلك استعاضا بوزراء خارجيتيهما فقط.
وتبقى مشاركة ملك المملكة الاردنية الهاشمية مع الرئيس المصرية مرهونة بسياسة عراقية ابتكرها عادل عبد المهدي، تقوم على أساس العمل على جعل الإقليم منطقة ربط بين قارات اسيا واوربا وافريقيا ضمن البرنامج الاقتصادي العملاق الذي طرحته الصين، وهو (الحزام والطريق)، إلا أن مصطفى كاظمي وفريقه غير مدركين لابعاد هذه الرؤيا، بل وهم على النقيض تماماً، اذا لم يكونوا معادين أصلاً لتنفيذ هذا البرنامج.
ومع ذلك، ورغم حفلات أبواق السلطة المستمرة بعد انتهاء اعمال القمة ونزول أوراقها وصورها في دهاليز النسيان، تبدو الامور ذاهبة باتجاه مسار عراقي بعيد كل البعد لما يدور في عقل كاظمي وبرهم صالح، اللذان يريدان فقط تقديم تنازلات مقابل الحصول على دعم سياسي من الخارج يفرض على الداخل منحهما الثقة مجدداً، في الوقت الذي يعجزان فيه عن تقديم ابسط الخدمات للمواطن العراقي أو إدارة أصغر مؤسسات الدولة بطريقة صحيحة.
وتختزل خبرة كاظمي وبرهم صالح السياسية بالاسلوب الذي كانت تعمل به أحزاب المعارضة العراقية قبل غزو العراق، والذي يختزل بـ(التخادم + التخابر) لصالح العواصم والدول لكسب رضاها والحصول على دعمها، وهو ما يعملان عليه الآن، فهما يريدان التفوق على جميع المخبرين والخدم في سباق التخابر والتخادم، حيث يريدان إسقاط جميع العملاء ليحتكرا العمالة لنفسيهما فقط.
وفي ظل مثل هكذا أحوال يبدو أن كاظمي يريد أن يقول للدول المجتمعة في بغداد: طلقوا جميع زوجاتكم، وانا على استعداد للنوم معكم دولة دولة، وهو نفس ما يدور في ذهن برهم صالح.