“المزحة” التي قد تغيّر وجه البشرية في عام 2022
موقع قناة الميادين-
علي شهاب:
“مزحة” ميتافيرس قد تكون سبباً في تغيّر البشرية إلى الأبد في حال استطاعت شركة “ميتا” اكتساب العقول والقلوب.
في آخر إطلالاته الإعلامية، وصف الملياردير الشابّ إيلون ماسك تِقْنية ميتافيرس بـ”المزحة”. الرجل نفسه يروّج، كلّ فترة في حسابه في “تويتر”، عملة “دودج كوين” المشفَّرة، علماً بأن هذه العملة تحديداً تنتمي إلى فئة memes، أو ما يُصطَلَح عليه في عالم العملات الرقمية بعملات “المزحة” أو “النكتة”، باعتبارها لا تستند إلى أي مشروع، ولا تقدّم حلولاً في أيّ قطاع أعمال، بل هي مجرد “نزعة” (Trend) صعدت فجأة، ويمكن أن تصبح بلا قيمة في أي لحظة.
لكنّ “مزحة” ميتافيرس هذه قد تكون سبباً في تغيّر البشرية إلى الأبد، في حال استطاعت شركة “ميتا” (فايسبوك)، الراعي الرسمي لها، اكتساب العقول والقلوب عبر هذه التقنية الثورية، علماً بأن الأجواء التي رافقت الإعلان عن ميتافيرس سرعان ما تحوّلت إلى فرص استثمارية يجري ترويجها، عن قصد ومن دون قصد، تماماً كما هي كل موجة يُراد للبشرية أن تركبها.
دعونا أولًا نتّفق على تعريف موجز لميتافيرس قبل أن نخوض في معالم المستقبل القريب، الذي ينتظرنا فور انتشار هذه التقنية.
ثلاثة مصطلحات شائعة في عصرنا حالياً هي: الواقع الافتراضي، والواقع المعزز، والواقع المختلط.
وتعتمد جميعها على نظارات أو خوذات ذكية قابلة للاعتمار في الرأس، وتُدخلنا في مساحة افتراضية. والفارق بين الأنماط الثلاثة هو مستوى التفاعل البشري.
ميتافيرس هي مزيج بين جميع أنواع “الواقع”، إن صحّ التعبير، بحيث تجتمع العناصر الرقمية مع حواس البشر لتتيح لهم رؤية العالم من حولهم بطريقة جديدة، والانغماس فيه والتفاعل معه. بمعنى آخر، نحن أمام تقنية تمزج الواقع بالخيال.
لقد شهدنا، في العقد الأخير، سيطرة تكنولوجيا التواصل والإعلام على مفاصل الحياة في تفاصيلها، من الدفق الإعلامي إلى المعلومات الزائفة، فالزيف العميق، ومن اضطرابات النَّفْس الناجمة عن إدمان شبكات التواصل، إلى الظواهر الاجتماعية الشاذة بسبب شيوع ثقافة التفاهة. كل هذه التبعات كان في مقدورنا، حتى الساعة، التعامل معها بإطفاء الهواتف الذكية، لكننا على وشك مواجهة واقع مغاير تماماً، سيكون فيه البشر غير المنخرطين في تقنية التواصل الجديدة محرومين من الهوية والثروة والتفاعل مع البيئات المحيطة في شكلها الجديد.
مع انتشار الواقع المعزّز، سنغرق أكثر – كأفراد – ضمن فقاعات البيانات (Data Bubbles)، التي تكبر بفعل استخدامنا كلَّ الأجهزة الذكية. والخطير هذه المرة أن هذه البيانات ستأكل عقولنا حرفياً، بما أنها تتغذى على اهتماماتنا وما نحب: تريد أفكاراً تتردّد في غرفة صدى مغلقة، وتتوافق مع معتقداتك؟ تريد عالماً من الإباحية تؤدّي فيه دور البطل؟ تريد عيش حياة ترف من دون أن تضطر إلى الخروج إلى العمل؟ تريد تحقيق أحلامك جميعها والتفاعل معها في عالم رقمي تنتقل إليها بشخصيتك الرقمية؟ لك كل ذلك وأكثر!
في كل مرة تنخرط فيها في عالم رقمي بنيت بيئته بنفسك (من خلال بيانات اهتماماتك وخياراتك)، ستضيق حتى الاضمحلال كل أوعية المعرفة التقليدية الناشئة عن إدراك ما هو مغاير ومجهول، وعن النقاش مع الآخر، والاطّلاع على الجديد. أين ستجد آخرَ مغايراً في عالم صنعته بهواك؟
بالنسبة إلى الحكومات، سيكون الواقع المعزّز فرصة تاريخية في أكبر عمليات غسل الدماغ بمشاركة الضحايا أنفسهم؛ أي نحن. الحال نفسها تنطبق على الجماعات والمنظمات غير الحكومية، والتي قد تدرك خطورة هذه التقنية. لتقريب الفكرة، تخيَّلوا التالي:
تسير في شارع يحاكي منطقة لطالما حلمت بالعيش فيها، وتصادف فيه كل ما تشتهي وتحب: من ألوان وأشكال وأماكن وعناصر رقمية وشخصيات تتوافق معها. ستصنع عالمك الخاص وتشارك فيه مع من تود. في واقعك المعزز، لن يكون هناك ما يزعجك. وإذا دخلت، عن طريق الصدفة أو الفضول، في عالم افتراضي لصديق، ورأيت فيه فكرة او قضية أو تفصيلاً لا يعجبك، فيمكنك المغادرة فوراً، وبناء جدار افتراضي يفصل بينك وبين محتواه. وكلٌّ في فقاعته الرقمية سعيد!
وكما هي حال الهواتف الذكية التي عزّزت العزلة، سيكون الواقع المعزز (AR) والواقع المختلط (XR) المساحةَ المثالية لتخوض أي تجربة تحلم بها، والتعامل مع الحياة من مكان واحد تسافر فيه إلى كل الأماكن: من بيت صديقك في قارة أخرى، إلى طبيب في بلد بعيد؛ من مقابلة مع لاعب رياضي شهير، إلى حفلة يُحْيِيها مطربك المفضل في مساحته الرقمية الخاصة. ستمارس مئات النشاطات يومياً من دون أن تتحرّك فيزيائياً من مكانك ولو سنتمتراً واحداً.
وفي حين سيتلقّف مئات ملايين، بل مليارات البشر، هذه التِّقْنيةَ الجديدة، فإنها ستمس مباشرة المفهومَ الفلسفي الأول للحياة؛ الحياة التي تنتج من الحركة. والحركة هنا لا تعني فقط الحركة الفيزيائية للجسد، بل التقاء الأضداد ومواجهة المصاعب، والنمو الذي يترافق مع الألم.
أمّا في المشهد الآخر، فستنقسم المجتمعات البشرية إلى فئتين رئيستين: فئة الواقع المعزّز، وفئة المحرومين من نعيم التقنية، سواء لأسباب مادية نتيجة عجزهم عن شراء أدواتها، أو الرافضين ركوبَ الموجة الجديدة.
في جميع الأحوال، سيكون الانقسام مخيفاً، بل هوليوودياً، كمشهد البشر الذين يعيشون تحت الأرض في مدن المستقبل التي تقودها التكنولوجيا.
ولسوء الحظ، لن يكون في مقدورك التوقف عن دخول العالم الافتراضي ساعة تشاء، فأنت ستكون حينها مهدَّداً بخسارة جميع ارتباطاتك هناك. ومع الطفرة التقنية السريعة في إضافة عناصر ذاك العالم الافتراضي، سرعان ما ستجد نفسك مستغرقاً تماماً بكل حواسك فيه.
واقع جديد تماماً منفصلٌ عن الواقع! واقع رقمي يستبدل الحياة البشرية التي نعرفها، ويفتح الباب أمام مجهول مخيف، قد تكون مقارنةُ الحروب العسكرية والأوبئة والكوارث الطبيعية به أهونَ الشرور.