المخدرات تكلف الاقتصاد الأمريكي 1.5 تريليون دولار.. ومدمنو “الفنتانيل” يزدادون
موقع العهد الإخباري-
د. علي دربج :
مع اغراق العصابات الأمريكية ــ المكيسكية بلاد العم سام بالمخدرات الاصطناعية، خصوصًا “الفنتانيل”، وارتفاع الطلب بشكل قياسي على هذا الصنف، وتعالي الصرخة الرسمية بسبب الازدياد غير المسبوق في أعداد المدمنين داخل امريكا، زادت وزارة الصحة الأمريكية الطين بُلة، بعدما كشف مسؤولوها أنهم لا يمتلكون تقديرات موثوقة لعدد مستخدمي الفنتانيل أو الوفيات الأخيرة في البلاد، لا سيما وأن الحكومة الفيدرالية أوقفت سابقًا تمويل برامج المراقبة الرئيسية التي كان من الممكن أن تنبه السلطات إلى زيادة تدفق مخدّر الفنتانيل في الوقت الذي تضرب فيه هذه الآفة شوارع الولايات المتحدة.
في أي عام بدأت أزمة المخدرات بالتفاقم داخل الولايات المتحدة؟
تعود جذور أزمة المخدرات وانتشارها وتفاقمها بشكل فاضح، إلى إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش الأب التي لم تقم باجراءات علاجية، حيث أصبح عدد لا يحصى من الأمريكيين مدمنين على الـ”أوكسيكودون” وغيره من المواد الأفيونية الموصوفة. واللافت أنه في حينها حقق مصنّعو الأدوية والموزعون وصيدليات الولايات المتحدة، أرباحًا بمليارات الدولارات.
ومنذ أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، أدت ثلاث موجات من وباء المواد الأفيونية – التي غذتها أولاً حبوب الألم التي تصرف بوصفة طبية ثم الهيروين والآن “الفنتانيل” غير المشروع – إلى مقتل ما يقرب من ثلاثة أرباع مليون أمريكي. والأهم أن الضرر الذي لحق بالمجتمعات الأمريكية، كلف الاقتصاد 1.5 تريليون دولار في عام 2020 وحده، وفقًا لتحليل للكونغرس الأمريكي.
أكثر من ذلك، تفاقمت أزمة “الفنتانيل” الأمريكية خلال جائحة فيروس كورونا. إذ انه من عام 2019 إلى عام 2021، ارتفعت الجرعات الزائدة المميتة بنسبة 94 بالمائة، حيث يموت ما يقدر بـ 196 أمريكيًا كل يوم من المخدرات.
من هنا، يقول المسؤولون في وكالة إدارة مكافحة المخدرات الرسمية إن الطلب في الشارع الأمريكي على مخدّر “الفنتانيل”، يرتفع بسرعة لأن العديد من المستخدمين الجدد أصبحوا مدمنين. وعليه، ووفقًا لأحدث التقديرات الصادرة عن وزارة الصحة والخدمات الإنسانية الامريكية، هناك أكثر من 9 ملايين أمريكي “أساءوا استخدام المواد الأفيونية” في عام 2020، لكن الوكالة لم تتعقب معدل ارتفاع “الفنتانيل”، والأنكى أنها لا تعرف عدد الأمريكيين الذين يستخدمونه.
المثير للصدمة، أن مراكز السيطرة على الأمراض والوقاية في امريكا، لا تستطيع تتبع وفيات الجرعات الزائدة في الوقت الفعلي. فالبيانات المنشورة، تكون عادة متأخرة سنة واحدة مما يحجب صورة ما يحدث على الأرض في عام 2022 بشكل واضح.
لذلك، فإن الأرقام التي تملكها الوكالة الناجمة عن احصاء العدد الإجمالي للجرعات الزائدة من المخدرات، تعود للعام 2021 وهي تقدر بحوالي 107،622 قتيل، ثلهم بسبب الفنتانيل.
ماذا عن الاخفاقات التي تواجه السلطات الأمريكية لضبط كميات “الفنتانيل” الداخلة إليها؟
يقرّ المسؤولون في وكالة مكافحة المخدرات، أنه كان من المستحيل تقريبًا وقف تهريب الفنتانيل. فسلطات الحدود الامريكية يمكنها فقط فحص جزء صغير من أكثر من 219000 مركبة تعبر من المكسيك كل يوم، والكلام على ذمة “الواشنطن بوست”.
ومع ذلك، قفزت كمية “الفنتانيل” المضبوطة على طول الحدود الجنوبية للولايات المتحدة تسعة أضعاف خلال السنوات الخمس الماضية. وبحسب تحليل أحدث بيانات الجمارك وحماية الحدود، صادرت السلطات الأمريكية حوالي 16200 رطلًا (أي 7348 كيلوغرام) إضافيًا من الفنتانيل خلال 11 شهرًا من عام 2022.
وفي تشرين الثاني الماضي وحده، صادرت الوكالة 2900 رطل (1315.417873 كيلوغرام) من “الفنتانيل” على معابر الدخول على طول الحدود الجنوبية، وهو أعلى إجمالي شهري على الإطلاق، بحيث يتجاوز هذا الرقم بسهولة، ما صادرته الوكالة طوال عام 2018 بأكمله.
علاوة على ذلك، يقدر المسؤولون الفيدراليون أنهم يستولون على 5 إلى 10 بالمائة، من عبور الفنتانيل من المكسيك، لكنهم يعترفون بأن الكمية التي تنفُذ إلى السوق أكبر بكثير.
أين توجد أهم مراكز توزيع المخدرات في أمريكا؟
في الواقع تعتبر مقاطعة سان دييغو الأمريكية، نقطة الصفر لتهريب الفنتانيل إلى الولايات المتحدة. يتم إنتاج الكثير منه في مختبرات مخدرات سرية، ثم يتم ضغطه في أقراص من قبل شبكات الكارتل الأمريكية أيضًا في شمال المكسيك.
المثير في الأمر أن حمولات المخدرات هذه التي تعبر الحدود دون أن يتم اكتشافها، تذهب إلى مخابئ المنازل في لوس أنجلوس وفينيكس، قبل أن تنتشر شرقًا في جميع أنحاء البلاد. أما في جنوب كاليفورنيا، فتقوم الكارتلات باستئجار Airbnbs (غرف او شقق تعرض على الانترنت للايجار) لتخزين هذه الأدوية المخدرة قبل شحنها عبر البلاد.
أما الشاهد الأكبر على هذه الأزمة التي تفتك بامريكا، فهو إد بيرن 54 عامًا، وهو وكيل تحقيقات الأمن الداخلي في سان دييغو، ويعرف أكثر من أي شخص آخر تكلفة الفنتانيل في شوارع الولايات المتحدة. فبيرن كان احتفظ بإحصائه لما يقرب من 500 جرعة زائدة قاتلة شهدها.
ما يجدر التوقف عنده أنه في مشاهد الموت، اختبر بيرن الحبوب والبودرة، وهي وظيفة أخذته إلى قصور بقيمة 10 ملايين دولار داخل امريكا، وشقق مستأجرة ومخيمات للمشردين. في بعض الأحيان كان يذهب إلى منازل الضواحي ليجد المراهقين أمواتًا في غرف نوم طفولتهم.
المفارقة أنه على الرغم من نجاح فريقه في اصطياد التجار، استمرت المخدرات والجرعات الزائدة في الظهور. حيث أحصت مقاطعة سان دييغو 92 حالة وفاة مرتبطة بـ”الفنتانيل” في عام 2018، وهو العام الذي تم فيه تشكيل فرقة العمل. بينما كان هناك في العام الماضي حوالي 814 حالة.
ماذا عن أسعار “الفنتانيل”؟
دواء “الفنتانيل” اليوم أرخص من أي وقت مضى لأن الإمدادات وفيرة جدًا. ففي أوائل عام 2000، تم صنع حبوب تخفيف الألم الأكثر شعبية من قبل شركة Mallinckrodt Pharmaceuticals ، وهي واحدة من أقدم شركات تصنيع الأدوية في البلاد.
لجأت العصابات الأمريكية والمكسيكية، في السابق الى بيع أقراص أوكسيكودون (مسكن آلام مخدر من عائلة المواد الأفيونية (Opiates)، ويُستعمل في معالجة الآلام المتوسطة وحتى الشديدة) التي تنتجها الشركة والتي يبلغ وزنها 30 ملليغرام، والمعروفة باسم “البلوز” أو “M-30s”، بحوالي 30 دولارا للقطعة الواحدة في السوق السوداء.
بالمقابل، فإن عصابات المخدرات تقوم هذه الايام أيضًا، بإنتاج حبوب أوكسيكودون مزيفة، وتعمد الى بيعها مقابل 4 دولارات، أو 5 دولارات للقطعة الواحدة في شوارع سان دييغو، ويمكن أن تكون قاتلة بشكل خاص للأشخاص الذين يستخدمونها لأول مرة. ومن المتوقع أن يصل عدد أقراص الفنتانيل المضبوطة إلى 35 مليون قرص هذا العام، بعدما كانت تقدر بحوالي 289 ألفا، في عام 2018.
في الختام، أمام هذه الكارثة التي تشهدها الولايات المتحدة، تكمن الخشية في أن تنتقل العدوى إلى لبنان، إذ ليس من المستبعد أن يلجأ تجار الموت في وطننا (وما أكثرهم)، إلى استنساخ أو استقدام تجربة “الفنتانيل” الأمريكية، وذلك لزيادة ثرواتهم ولو على حساب حياة ومستقبل شبان وشابات هذا البلد الغارق بالازمات والفساد، وبالتالي فإن آخر ما يتمناه اللبنانيون هو اغراقهم بالمخدرات أيضًا.