المحكمة و الوصاية على الإعلام
وكالة أخبار الشرق الجديد ـ
غالب قنديل:
برزت خلال الأشهر القليلة الماضية محاولات للتضييق على الإعلام اللبناني ولمنعه من تداول أي معلومات أو وقائع تتصل بعمل المحكمة الدولية بصورة تطرح مخاطر جدية على الحرية الإعلامية و قد تلقت جهات رسمية لبنانية مراسلات من رئاسة المحكمة تتعلق ببرامج و تحقيقات تلفزيونية و أثيرت في مؤتمر جرى تحضيره لتسويق عملية قمع الإعلام ، حملات تشهير بوسائل إعلامية نشرت تحقيقات و معلومات عن عمل المحكمة والمثير للانتباه هو أن بعض الأطراف والجهات المحلية المتورطة في تصنيع شهود الزور و في تسويق المحاكمات الإعلامية و التسريبات المنظمة محليا و دوليا شنت هجمات شرسة على بعض وسائل الإعلام في سياق الحملة التي أدارتها المحكمة بوسائلها المباشرة.
أولا: بغض النظر عن الجدل في قانونية المحكمة ودستوريتها فالأكيد أنها لا تملك الأهلية القانونية أو الأخلاقية لمحاسبة وسائل إعلام لبنانية أو لومها على ما يدعى بالتسريب أي بنشر وتداول معلومات تتصل بعمل المحكمة فملف التحقيق الدولي وكل التدابير التي قامت بها المحكمة قد تميزت بأسلوب التسريب المنظم عبر بعض وسائل الإعلام العالمية والخليجية والمحلية ولخدمة أغراض سياسية مكشوفة ومنذ تقارير ميليس الشهيرة حتى اليوم فإن آلة التسريب الموجودة في قلب جهات التحقيق وفي المحكمة لم تنفك عن إدارة معركة منظمة بواسطة التسريبات الإعلامية لخدمة غايات سياسية معروفة تتصل بتنفيذ الخطة الأميركية لشيطنة المقاومة ولاستهدافها واستهداف الدولة السورية.
ثانيا: إن منطق السيادة الوطنية في لبنان يقضي بألا تكون لأي جهة أجنبية سلطة فوق القانون اللبناني والمرجعيات التي ينص على الاحتكام إليها ، وبالتالي فإن محاولة المحكمة الدولية لتكريس أعراف جديدة عبر استعمال مراسلاتها إلى مجلس الوزراء أو إلى النيابة العامة التميزية أو إلى أي جهة لبنانية سيادية كوسيلة للتدخل في شؤون إعلامية و كطريق لممارسة الوصاية على وسائل الإعلام مما يمثل مسا بالسيادة الوطنية وبالحريات الإعلامية والسياسية في لبنان ويجعل من المحكمة أداة وصاية أجنبية على الإعلام اللبناني وبالتالي فإن أي جهة لبنانية تبيح تلك الأعراف وتسمح بإقامتها هي جهة تفرط بالسيادة الوطنية وبسيادة القوانين والأنظمة والمرجعيات اللبنانية المنبثقة عنها .
ثالثا: تستعمل المحكمة في مراسلاتها أسلوب التهديد والترهيب عبر إنذار المؤسسات الإعلامية المستهدفة بتحويلها إلى جهات متهمة بعرقلة العدالة بينما يرى فريق لبناني كبير أن المحكمة في تركيبتها وفي قواعد عملها لا صلة لها بالعدالة فهي في اعتقاد هذا الفريق جهاز امني و سياسي مشبوه و لم تقدم المحكمة في مسارها على أي تدبير يبدد تلك القرائن و الشبهات ، بعد كل الوقائع و الأدلة التي جمعت في ملفات موثقة عن تكوينها و هياكلها و عن قواعد عملها المخالفة لأبسط القواعد و الأعراف القانونية ، ناهيك عن كون المحكمة منذ إنشائها كانت ثمرة تهريب منظم قام به فريق سياسي لبناني خلافا للقوانين وللدستور وعبر الاستقواء بالتدخل الأجنبي في مرحلة انقسام خطيرة أعقبت اغتيال الرئيس الحريري وما تزال ذيولها مستمرة حتى اليوم ،وبالتالي ففي اعتقاد قسم كبير من اللبنانيين إن المحكمة في تكوينها الحاضر المشتبه في ارتباط مفاصله بالأميركي والإسرائيلي لا تساوي غير جهاز مهمته المركزية هي ضرب الوحدة الوطنية في لبنان والنيل من المقاومة ومن سائر مواقع القوة اللبنانية في مجابهة إسرائيل.
رابعا: ما لم يضع القضاء اللبناني يده على ملف شهود الزور وما لم يحاسب المتورطين في عملية التسريب المنظم منذ العام 2005 حول التحقيق الدولي و حول ملفات المحكمة وما لم تنجز عملية الفك والتركيب في ملف اغتيال الحريري على القواعد السيادية والاستقلالية التي ترد الاعتبار للقوانين الوطنية وللقضاء الوطني ،فتلك المحكمة وأجهزتها ليست غير أدوات وصاية وتدخل في عمل القضاء اللبناني و في الحياة الوطنية اللبنانية و لمحاولة تخريب البلد وتدميره و إغراقه في الفتن و الانقسامات بعدما استعصت جميع المحاولات حتى اليوم.
إن المفارقة التي تدعو للعجب هي أن الهجوم على وسائل الإعلام التي تنشر وقائع ومعطيات مسربة من داخل المحكمة ينطلق من شخصيات كانت تقود غرف التخطيط منذ العام 2005 و دبرت جميع التسريبات والسيناريوهات والخطط التي نشرت في الصحف وعبر وسائل الإعلام طيلة السنوات الماضية وهكذا تصبح غاية الحملات معروفة ومكشوفة والمطلوب من الجسم المهني للإعلام اللبناني أن يبدي القليل من المسؤولية في الدفاع عن حرية الإعلام ورفض الوصاية الأجنبية على الإعلام بذريعة محكمة هي في أحسن الأحوال أحد اخطر عناوين الانقسام السياسي الداخلي لجهة شرعيتها أو نزاهتها المزعومة.