المحكمة الدولية: فشل قضائي واتهام سياسي
وكالة أخبار الشرق الجديد ـ
غالب قنديل:
اجترت المحكمة الخاصة في جلساتها مفردات الاتهام السياسي بتوضيحات تقنية مستفيضة عن ركن وحيد للقضية هو الدليل الظرفي المزعوم في حركة الاتصالات الذي قدمته المحكمة محورا لرواية يفترض انها حاصل تحقيقات استمرت تسع سنوات في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
أولا أنكرت جهة الإدعاء في المحكمة رواية الانتحاري أبو عدس وقالت إنها مفبركة لتضليل التحقيق من غير أي دليل على ذلك وعلى الرغم من جزمها بأن منفذ الجريمة انتحاري فشلت جهات التحقيق في التعرف على هويته رغم المدة المنقضية على عمل لجان التحقيق الدولية ودائرة المحققين في المحكمة وعلى الرغم من خضوع الدولة اللبنانية بجميع مؤسساتها ودوائرها الصغيرة والكبيرة لوصاية المحكمة ولطلباتها التي فتحت أمامها أدق التفاصيل في جميع السجلات المحفوظة لدى الدوائر الحكومية والخاصة كذلك بل ورغم تسليم المحكمة مسحا تفصيليا بسجلات اللبنانيين بدون استثناء.
بعدما تكبدت الدولة اللبنانية مئات ملايين الدولارات فشلت المحكمة في تحديد هوية المفجر الانتحاري التي هي المفتاح الأول لفك لغز جريمة أورثت لبنان خرابا جسيما في بنيانه الاجتماعي وفي علاقته بسوريا وولدت اضطرابات وانقسامات خطيرة مهدت الطريق لحرب إسرائيلية كبرى .
الأدهى هي النصوص التي ساقتها المحكمة في خطابها الاتهامي عبر العزف على الوتر المذهبي البشع الذي بات التهديد الأكبر لسلم لبنان الأهلي باعتراف العالم أو ما يحلو لجوقة المحكمة اللبنانية تسميته بالمجتمع الدولي الغارق حتى أذنيه في العمل لشيطنة حزب الله ولحماية إسرائيل.
ثانيا يتضح ان اعتماد النظام الأنكلوسكسوني الذي يبيح الاستناد إلى الأدلة الظرفية كان عملا مدبرا باتقان لتغطية فشل التحقيق الدولي في التوصل إلى أدلة صلبة وملموسة لتكوين قرار اتهامي متين يوحي بالثقة ويكشف حقيقة واضحة بدلا من البرهنة على فرضية مرسومة وهو سير بالمقلوب إلى الحقيقة.
ما أثاره فريق الدفاع مهم وخطير لجهة عدم تضمين الظن الاتهامي المتعلق بظرفية حركة الاتصالات أي معلومة كانت عن مضمون المكالمات المزعومة فكل ما جرت البرهنة عليه هو ان مجموعة من الأشخاص تواجدوا في أمكنة معينة وتبادلوا الأحاديث خلال أوقات معينة من غير أي قرينة تفيد بأن تلك المكالمات الهاتفية ذات صلة بجريمة الاغتيال وما يجعل الأمر مدعاة للشك أكثر هو ما كشفته صحيفة يديعوت احرونوت عن مصدر المعلومات التقنية التي تسلمتها جهات التحقيق من المخابرات الإسرائيلية أي من الجهة صاحبة المصلحة الأولى في إلصاق التهمة بعناصر من حزب الله ليتحول كل ما عرض في المحكمة نوعا من الشروحات التفصيلية المبنية على خارطة تجسس إسرائيلية وحيث تبرهن المعطيات التقنية المعروفة عالميا على أن هذه الجهة المتجسسة تملك القدرة على رسم المخطط البياني الذي تريده وعلى تصنيع اتصالات لم تحدث واقعيا لفبركة اتهام مدبر .
ثالثا من أهم ثغرات المحاكمة الناشئة عن التعديلات التي قامت بها المحكمة على نظام عملها حماية الجهات التي عملت على تضليل التحقيق عبر حذف قضية شهود الزور عن جدول أعمال المحكمة التي ورثت بذلك جميع شبهات عمل لجان التحقيق التي تبنت مزاعم ثبت بطلانها بواقعة ترك القادة الأمنيين الأربعة الذين اعتقلوا ظلما وجرت مساومتهم لفبركة اتهام ضد سوريا أطلقته خطة سياسية متممة لجريمة الاغتيال وقد تخلت المحكمة عن واجبها اتجاه المتضررين من مسار التحقيق واتهاماته الباطلة التي تم التراجع عنها في مناخ من التكتم الشديد على الحيثيات التي أسقطت اتهامات دفعت لبنان في أتون من المخاطر المصيرية لسنوات.
ما من جهة غير جهة الإدعاء في المحكمة يفترض انها قادرة على تقديم رواية للبنانيين حول اكتشاف الأدلة الكاذبة التي استعملت في اعتقال أربعة من كبار القادة الأمنيين لسنوات ظلما وعدوانا والقرار الاتهامي الجديد الذي انتقل نحو حزب الله لا يتصف بالصلابة في بنيانه القائم على فرضية التواجد والحركة من خلال الاستدلال بخريطة اتصالات مصدرها إسرائيلي وركيزتها نظرية الدليل الظرفي .
إن كل ما شاهدناه واستمعنا إليه في جلسات المحكمة لا يكسبها الحصانة ضد تكرار المظلمة التي ارتكبت بحق الضباط وغيرهم من الشخصيات التي اتهمت او استجوبت أو اشتبه بها في مراحل التحقيق الأولى ويترسخ منطق الظن بعدالة المحكمة بعدما انتقل الاتهام إلى المقاومين الذين تريد لعبة الأمم شيطنتهم ووضعهم في خانة الاتهام بالقتل كوسيلة لتصعيد الضغوط على حزب الله الذي اقترف بالفعل جريمة كبرى في عرف الغرب الاستعماري وهي نسف هيبة الردع الإسرائيلية .