المحكمة الدولية: تعليق الجلسات خيار مرجح
لن يكون للدعوات التي أطلقها رئيس كتلة المستقبل النيابية فؤاد السنيورة لضم جريمة اغتيال الوزير السابق محمد شطح الى اختصاص المحكمة الدولية الخاصة بلبنان أي صدى لدى هذه المحكمة، إذ إن ضم الجريمة، كما كل الجرائم التي حصلت بعد 12 كانون الأول 2005، خارج عن صلاحيات المحكمة. وهو، بحسب أوساط المحكمة، في حاجة الى إجراءات قانونية معقدة وغير واقعية. فالمحكمة الدولية ترى أن «القضية الأساسية التي تواكبها هي قضية 14 شباط 2005، أي جريمة اغتيال الرئيس الاسبق رفيق الحريري، ومن ثم القضايا الأخرى التي جرى ضمّها لاحقاً، أي كل الجرائم التي وقعت بين 10 تشرين أول 2004 (محاولة اغتيال النائب مروان حمادة) و12 كانون الاول 2005 (جريمة اغتيال النائب جبران تويني)».
وتؤكد أوساط المحكمة لـ «الأخبار» أن الجرائم التي حصلت بعد تاريخ 12 كانون الأول 2005، تبقى خارج صلاحيات المحكمة، إلا في حالتين فقط:
الأولى: إذا رأى المدعي العام وجود علاقة مباشرة بين أيٍّ من هذه الجرائم والجريمة الاساسية (14 شباط 2005)، عندها يتقدم من قاضي الإجراءات التمهيدية بطلب ضمها إلى القضية الأساسية.
أما في الحالة الثانية، فمن خلال إجراءات تبدأ بتقديم الحكومة اللبنانية طلب الضم الى مجلس الأمن الدولي (الذي أنشأ المحكمة الدولية)، ومن ثم على هذا المجلس الموافقة على الطلب، وإحالته على المحكمة الدولية.
وتستبعد أوساط متابعة لعمل المحكمة الدولية السير في هذه الإجراءات لعدة أسباب، أهمها «أن عملية الضم تستوجب إعادة دورة عمل المحكمة من جديد، بدءاً بالتحقيقات وصولاً إلى المحاكمة، ما يمدد عمل المحكمة الدولية سنوات إضافية، تستوجب موافقة الدول الممولة للمحكمة، وهو أمر مستبعد». وتؤكد أوساط المحكمة أن «عملها ليس مفتوحاً على كل جريمة تحصل في لبنان، فالمحكمة تتابع ما يجري في هذا البلد عن كثب، وأحد أهدافها تقوية العدالة اللبنانية لا الحلول محلها».
وتشير أوساط المحكمة لـ «الأخبار» إلى أن واقع جريمة اغتيال شطح مشابه تماماً لواقع جريمة اغتيال رئيس فرع المعلومات السابق وسام الحسن من وجهة نظر صلاحيات المحكمة، «وفي ذلك الوقت طالبت شخصيات لبنانية عبر وسائل الإعلام بضم ملف اغتيال الحسن إلى عمل المحكمة الدولية، لكن هذه المطالبات لم تؤخذ في الاعتبار، وخصوصاً أن الحكومة اللبنانية لم تقم بالإجراءات المطلوبة، أي التوجه بالطلب إلى مجلس الأمن».
عقبة ملف مرعي
في هذه الأثناء، تبدو المحكمة الدولية أمام معضلة معقدة ناتجة عن طلب المدعي العام ضمّ ملف المتهم الخامس في جريمة اغتيال الحريري (محمد حسن مرعي) إلى ملف المتهمين الأربعة (مجموعة عياش)، فقد جاء هذا الطلب بعد نحو عام كامل على ظهور الاتهام لمرعي في وسائل الإعلام اللبنانية وغير اللبنانية، وهو ما يستغربه محامو الدفاع، الذين يطرحون علامات استفهام على هذا التأخير وأهدافه.
وتكمن المعضلة في توقيت الضم قبل أيام على بدء المحاكمة المقررة في 16 كانون الثاني 2014، وفيما لا تتوقع أوساط المحكمة أن يطرأ أي تعديل في إجراءات المحاكمة، إلا أن الاحتمال الأكبر أن يطلب محمد عويني، محامي الدفاع المعين حديثاً عن المتهم مرعي، مهلة لدرس الملف الذي لم يتسلمه من مكتب الادعاء بعد (في انتظار قرار الضم الرسمي المنتظر في جلسة 9 كانون الثاني الجاري، لغرفة الدرجة الأولى)، وتتوقع أوساط الدفاع أن تكون المهلة المطلوبة لدراسة هذا الملف ثلاثة أشهر على الأقل، ويطالب رئيس مكتب الدفاع المحامي فرانسوا رو بضرورة منح فريق الدفاع عن مرعي ما يكفي من الوقت والموارد على غرار ما هو متاح لمكتب المدعي العام، لكي يتمكّن من أداء مهماته على أكمل وجه، وضمان محاكمة عادلة للمتهم. وستكون غرفة الدرجة الأولى أمام احتمالين، الأول الموافقة على هذا الطلب، وهذا يعني أن المحاكمة ستنطلق في 16 كانون الثاني الجاري، لكنها ستتوقف مباشرة بعد الجلسات الأولى المخصصة لسماع المداخلات المبدئية للادعاء والمتضررين والدفاع، وهي جلسات افتتاحية فقط، ستدوم نحو أسبوع واحد بحسب توقعات أوساط المحكمة.
أما الاحتمال الثاني، فهو في حال الرفض، حينها، ستدخل المحاكمة في فوضى غير مسبوقة، إذ ستبدأ المحاكمة لمجموعة متهمين بينهم متهم (مرعي) لم يطّلع فريق الدفاع عنه على ملف قضيته، وربما تبدأ محاكمته قبل أن يتمكن المحامي الأساسي (محمد عويني)، وهو محام تونسي يملك خبرة واسعة في مجال العدالة الجنائية الدولية، ولا سيما أمام المحكمة الجنائية الدولية لرواندا، من تشكيل فريقه، وتذهب فوضى المحاكمة في هذا الإطار أبعد من ذلك، وخصوصاً لدى مقاربة ملف المتهم مصطفى بدر الدين وهو، بحسب لائحة اتهام الادعاء «من كان يصدر الأوامر لمرعي»، وهنا سيكون الادعاء على دراية كاملة بملف مرعي، لكون هذا الملف في عهدته منذ عدة أشهر، أما جهة الدفاع، فستكون على جهل تام بالملف وتفاصيله.
بين التوقيت والتمويل!
أوساط فريق الدفاع طرحت تساؤلات عدة حول التوقيت بين ضم ملف مرعي إلى ملف «مجموعة عياش» قبل بدء المحاكمات بأيام، ويغمز البعض من هذه القناة في ربط مباشر بين هذا التوقيت وإقرار التمويل من قبل الدولة اللبنانية للأشهر الستة المقبلة، وترى أوساط متابعة عن كثب لملف مجريات الأمور في المحكمة الدولية، أن هذا الإصرار من جانب المحكمة الدولية على بدء المحاكمات برغم عدم جاهزية الدفاع في ملف مرعي «يأتي من زاوية إظهار، لمن يعنيهم الأمر من الدول الممولة، أن المحكمة تقوم بعملها على أكمل وجه، وتجهد لبدء المحاكمات في أسرع وقت»، أما وقد حصلت المحكمة الآن على التمويل المطلوب، فالأمر يمكن أن يتغير، وتعليق المحاكمات بعد الجلسات الافتتاحية بات خياراً مرجحاً، و«ستستغل المحكمة الدولية مسعى الدفاع لتعليق المحاكمات، ريثما يطلع على ملف مرعي لإظهار أن مسؤولية التمديد يتحملها الدفاع، لكونه الطرف الذي يطالب بالتأجيل».
المصدر: صحيفة الأخبار اللبنانية