«المحكمة الخاصة»: استدارة إلى السياسة!
صحيفة السفير اللبنانية ـ
حكمت عبيد:
لم يتفاجأ بعض محامي الدفاع لدى «المحكمة الخاصة بلبنان» من طلب المدّعي العام لدى المحكمة نورمان فاريل وفريقه، الاستدارة نحو الإطار السياسي بالطريقة التي حصل فيها، فالملف المكوّن لدى فريق الادعاء لا يتضمن أيا من نقاط القوّة في فرضية الاتهام، وبالتالي فإنه من الطبيعي أن يلجأ الادعاء لإثارة ما أمكنه من غبار سياسي كجزء من تبرير للفراغ الذي تتضمنه ملفات الادعاء، بعد نحو تسع سنوات على اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ونحو ست سنوات على بدء عمل المحكمة.
وتقول أوساط معنية ومتابعة إن ما سيحصل اليوم الإثنين بمثابة «مهرجان سياسي»، يحاول من خلاله الادعاء التعويض عن خسائره المعنوية الكبيرة التي تلحق به بعد كل استجواب مضاد. «فالمحكمة تنظر في مسائل قانونية وقضــائية ولا تقــيم وزناً للقلاقل السياسية». وترى الأوساط أن العودة إلى نظرية المؤامرة وتورط بعض الجهات السورية، يأتي اليوم في غير السياق القانوني، لأن هذه «الحكاية» أوجدها البعض في لبنان بدعم خــارجي منذ اللحظة الأولى للجريمة ومرت على ثلاثة رؤساء للجنة التحقيق الدولية هم: ديتليف ميليس وسيرج برامرتز ودانيال بلمار الذي تحوّل إلى أوّل مدَّعٍ عام للمحكمة، ثم سقطــت مع صـدور أوّل قرار اتهامي رسمي وما تلاه من قرارات معدّلة.
وتعتقد المصادر أن توقيت طرح إمكانية ان يكون أحد الخطوط الهاتفية الخاصة بالرئيس بشار الأسد على صلة ما بشبكة من الشبكات الخلوية المرتبطة بالاتهام، يوحي بأن الموضوع سياسي وعلى علاقة بالصراع في سوريا ومحاولة أطراف دولية إسقاط نظام الأسد، كما وظفت جريمة اغتيال الرئيس الحريري في السابق لإحداث انقلاب سياسي في لبنان في إطار اللعبة اللبنانية المعروفة.
وتوضح المصادر أن ثمة طلبا تقدم به الادعاء لاعتبار دفتر الأرقام الهاتفية الخاص باللواء جميل السيّد كدليل ليصار لاحقاً إلى تبيان وجود أحد الأرقام الهاتفية اللبنانية التي تعود للرئيس الأسد، وهذا هرطقة قانونية، فَمَن مِن المسؤولين اللبنانيين لا يملك رقم الرئيس السوري في تلك الحقبة؟
وتستغرب مصادر قانونية متابعة كيف توافق غرفة الدرجة الأولى على طلب الادعاء للاستماع إلى النائب مروان حمادة، وهي تدرك، أو عضواها اللبنانيان على الأقل، أن ما سيجري اليوم قد يعيد إلى الشارع اللبناني الاحتقان الطائفي والمذهبي ما يهدد السلم الأهلي، دون ان يكون لإفادته أي معنى قانوني أو قضائي.
وترى المصادر أن «لا قيمة للجو السياسي أو الكلام السياسي عندما نكون أمام محكمة لا تنظر إلاّ في الوقائع. فالسياسة تقف عند أبواب المحاكمة، وما يحصل اليوم نوع من التضليل المتعمد، بعدما فشلت المجــموعة السياســية نفســها في التضليل في أعقاب الجريمة وقدمت إلى لجنة التحقيق الدولية مجموعة مهرجين أدلوا بإفادات كاذبة».
وتصف المصادر ذلك «بالإمعان في تلويث الملف»، وتؤكد أنه لو كان ثمة أدنى شك بتورط جهات سورية لكان القرار الاتهامي قد تضمن شيئا من هذا القبيل.. ولو تلميحاً.
المحامي أنطوان قرقماز
وفي السياق ذاته، أصدر المحامي أنطوان قرقماز، وهو المكلف حماية مصالح المتهم مصطفى بدر الدين، بياناً أشار فيه إلى ما تردد عن أن فرق الدفاع في المحكمة تعتزم اتهام (الرئيس السوري بشار) الأسد بالضلوع في جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، أو أن هناك ربطا بين المتهمين وبعض المسؤولين الرسميين السوريين، وأن رقم الهاتف الجوال الخاص بالرئيس الأسد كان من بين شبكات الأرقام الهاتفية التي يقول المدعي العام إنها ضالعة في التحضير لهجوم 14 شباط 2005 وتنفيذه. رداً على هذا الجهل الفاقع، الذي يهدف ربما إلى عرقلة سير العدالة وإلى تضليل الرأي العام، نوضح الآتي:
1 ـ يبدو أن «المصادر اللبنانية المتابعة لعمل المحكمة الخاصة بلبنان» التي تجهل أبسط قواعد إجراءات المحاكمة وتتجاهل علانية نص قرار الاتهام ومحاضر جلسات المحكمة، حيث إن مراجعة هذه النصوص تدل على ان لا شيء يثبت أي علاقة بين المتهمين، بحسب قرار الاتهام، وأي مسؤول رسمي سوري. وبالتالي فإن المعلومات التي بثت نقلا عن «مصادر لبنانية» ما هي إلا تكهنات أو تسريبات من جهات مشبوهة.
2 ـ لا بد من الإشارة إلى أنه إذا أراد المدعي العام إضافة هذه المزاعم إلى إجراءات المحاكمة الحالية، عليه تعديل قرار الاتهام بعد موافقة غرفة الدرجة الأولى أو عليه إصدار قرار اتهام جديد، وهو ما لم يحصل حتى الآن.
3 ـ يبدو أن البعض يجهل الفرق بين الادعاء والدفاع إذا لا بد من التوضيح بأن في هذه المحكمة، كما في أي محكمة أُخرى إن الدفاع لا يتهم بل يترك ذلك للادعاء، بينما يدافع الدفاع عن المتهمين بحسب الاتهامات الواردة في نص قرار الاتهام.
4 ـ حتى اليوم، لم يذكر إسم الرئيس بشار الأسد ولا إسم أي مسؤول رسمي سوري آخر في قرار الاتهام، ولا حتى تلميحا.