المثلث البحري بين لبنان وإسرائيل: تعثّر التحرك الاميركي… وتأخّر العطاءات
كشفت صحيفة “غلوبس” الاقتصادية الإسرائيلية عن فشل المساعي الأميركية لحلّ أزمة مثلث الحدود البحرية في البحر المتوسط بين إسرائيل وقبرص ولبنان. وقالت إنّ مساعد وزير الخارجية الأميركية لشؤون الطاقة عاموس هوخشتاين، الذي يدير الرعاية الأميركية للاتصالات بشأن التوصل إلى تسوية بهذا الشأن، وصل في مساعيه إلى طريق مسدود. وأوضحت أن آخر زيارة لهوخشتاين إلى لبنان في هذا الصدد كانت مطلع الشهر الحالي حيث اجتمع إلى قادة الحكم فيه.
وأشارت الصحيفة إلى أن نقطة الخلاف المركزية بين إسرائيل ولبنان، تتصل بنقطة التقاء الحدود في المنطقة الاقتصادية الحصرية لإسرائيل وقبرص ولبنان. وقد وضعت كل من إسرائيل ولبنان نقطة الالتقاء هذه على خط المنتصف مع قبرص في موضعين يبتعدان عن بعضهما كيلومترات عدة، الأمر الذي خلق مثلثاً بحرياً مساحته حوالي 850 كيلومترا رأسه على الشاطئ وقاعدته بين نقطتي الالتقاء المختلف بشأنهما في عرض البحر.
وقد حاولت أميركا في شهر تشرين الثاني الماضي تقديم اقتراح لحل الخلاف بين الدولتين، يقوم على أساس مدّ الخط الأزرق الذي رسم بعد انسحاب إسرائيل من الجنوب اللبناني العام 2000 إلى داخل البحر كخط حدود مؤقت إلى حين الاتفاق على حل دائم. وفي حينه اعتبر لبنان الاقتراح “نقطة انطلاق جيدة تتطلب تعديلات طفيفة Fine tuning”. وقاد الخلاف بين إسرائيل ولبنان إلى تأجيل إطلاق عطاءات استكشاف بلوك 9 اللبناني الذي يعتقد أنه يحوي مكامن غاز تزيد عن 7 ترليونات قدم مكعب.
وقد أعلن لبنان من جديد عن تأجيل الموعد الأخير لتقديم العروض في خمس مناطق ترخيص، سبق للبنان أن أعلن عنها. وتم تأجيل الموعد الذي كان مقرراً في 10 نيسان الحالي إلى شهر آب المقبل. واعتبرت “غلوبس” أن أحد أسباب تأجيل العطاءات هو مطالبة بعض جهات الحكم في لبنان بزيادة مناطق الاكتشاف التي ستنشر من خمس إلى عشر مناطق. وكانت معظم شركات الطاقة العالمية قد أبدت رغبتها في المشاركة في العطاءات برغم ما يعيشه لبنان من أوضاع حكم غير مستقرة.
وبحسب ما نشر في حينه فإنّ منطق “الخط الأزرق” هو أن يعمد الجانبان إلى عدم استغلال المناطق المختلف بشأنها على جانبي هذا الخط إلى حين الاتفاق بشأنهما لاحقاً. ويعني ذلك أن لا يعيق الخلاف على منطقة معينة الاستثمار في تطوير مناطق أخرى ليس بشأنها أي خلاف. وفي كل حال كانت أنباء عديدة قد تحدثت في الماضي عن نجاح هوخشتاين في تقليص الهوة بين مواقف كل من لبنان وإسرائيل. وقد نبع الاهتمام الأميركي بهذا الشأن ليس فقط بعد تعاظم التقارير عن وفرة الغاز في المناطق المختلف عليها وفي جوارها وإنما أيضا بسبب تزايد التهديدات من جانب كل من إسرائيل و”حزب الله” حول حقول الغاز.
وقد أوضح هوخشتاين للمسؤولين اللبنانيين في زيارته إلى بيروت قبل نصف عام، أن على الحكومة اللبنانية تجنب التنقيب عن الغاز أو النفط في المناطق المختلف بشأنها مع إسرائيل. وأشار إلى أن الولايات المتحدة تحاول مساعدة الحكومتين على حل مسألة السيادة البحرية وأن هذا الحل يشكّل مدخلاً لدعوة الشركات للتنقيب عن الموارد في المنطقة البحرية الحصرية.
وكان هوخشتاين قد كشف النقاب عن عرضه على الطرفين اللبناني والإسرائيلي خريطة لتقاسم المياه الاقتصادية الحصرية بهدف إزالة عناصر التوتر والتفجير بين الطرفين. وأعلن في “مؤتمر أسبين” العام الماضي أنّ “الولايات المتحدة عملت كوسيط وعرضت ترسيماً للحدود البحرية يستند إلى القانون الدولي والمعاهدات الدولية”. وأضاف أنّ “الأفكار التي عرضناها للحدود البحرية خطط لها ورسمها أفضل خبراء الخرائط والعلماء، وليس رجال السياسة”. وشدّد على أن “ليس في الأمر أي تغيير للحدود. دعونا لا نربك أحداً. مع ذلك فإن خريطة الحدود الحالية يمكنها على الأقل أن تقلص عاملا بوسعه أن يثير نزاعا في الشرق الأوسط وبذلك يوفّر أمنا للمستثمرين”.
ومعلوم أن إسرائيل باتت تبني إستراتيجية جديدة لحماية حقول الغاز البحرية التي اكتشفتها وخصوصاً القريبة من لبنان وتحديداً حقلي “لفيتان” و”تمار”. وتسعى إلى إقامة قوة بحرية كبيرة متخصصة في حماية هذه المنشآت من ناحية وتطوير قدرة دفاعية ضد أي مخاطر محتملة سواء من جانب سوريا أو “حزب الله”. ومعروف أن إسرائيل اعتبرت امتلاك “حزب الله” لصواريخ بحرية متطورة نوعا من الخط الأحمر الذي لن تسمح بتجاوزه أساسا بسبب خطره على منشآت الغاز وبعدها على حرية أسطولها الحربي في البحر المتوسط.
من ناحية أخرى تتحدث الصحف الإسرائيلية عن نية شركاء “لفيتان” في مد أنبوب لتصدير الغاز من إسرائيل إلى قبرص. وأعلنت هذه النية في أعقاب مشاركة كل من شركتي “نوبل إنرجي” و”ديلك” في عطاء كبير لتزويد قبرص بالغاز في السنوات العشر المقبلة. كما أنّ عملاق الطاقة التركي “Turcas” أعلن أنه يجري اتصالات مع إسرائيل لشراء كميات كبيرة من الغاز تقدر بين سبعة إلى عشرة مليارات متر مكعب سنويا من حقل “لفيتان”.
حلمي موسى – صحيفة السفير اللبنانية