المبادرة الأردنية حيال سوريا.. دعسة ناقصة ما لم تستكمل بدمج موسكو وطهران فيها
موقع قناة الميادين-
عريب الرنتاوي:
ينظر كثيرون إلى المبادرة الأردنية تجاه سوريا بوصفها “دعسة ناقصة”، ما لم تعمل الدبلوماسية الأردنية على إلحاقها بمسار ثانٍ يسعى لدمج روسيا وإيران في أي مسار سياسي اقتصادي إنساني للمعالجة.
المبادرة الأردنية حيال سوريا.. دعسة ناقصة ما لم تستكمل بدمج موسكو وطهران فيها
المبادرة الأردنية حيال سوريا.. دعسة ناقصة ما لم تستكمل بدمج موسكو وطهران فيها
تستحضر “المبادرة الأردنية حول سوريا” نقاشاً قديماً جديداً متجدداً في كيفية معالجة ملف الأزمة، والأطراف المولجة بهذه المعالجة، والكيفية التي ستسلكها والقواعد التي ستحكمها. 11 دولة اجتمعت في عمان، إلى جانب ممثلين عن الجامعة العربية والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة، وخرجت بـ”بيان نيات”، جُلّه سبق أن استبطنته بيانات ومبادرات سابقة من دون نتيجة، فما العمل إن أُريد لهذه المبادرة أن تكون مختلفة، وأن تشق طريقها إلى حيز التنفيذ؟
الأردن، من بين غالبية الدول العربية، بدأ مساراً جديداً حيال سوريا، دشّنه الملك عبد الله الثاني في القمة الأولى التي جمعته بالرئيس الأميركي جو بايدن مطلع العام 2020، إذ تقدمت عمّان حينها بأفكار أو “ورقة غير رسمية – Non-Paper” عَرَضت خطورة بقاء الحال السوري بلا حسم سياسياً وعسكرياً، الأمر الذي قد يفتح أبواب جهنم من جديد، ليس في سوريا وحدها، بل في جوارها القريب أيضاً، بدءاً بلبنان، الذي لا يخفى على عاقل أن أزمته السياسية الاقتصادية المالية ليست معزولة عن تداعيات الأزمة السورية، والحال أن معظم دول الجوار السوري يئن تحت وطأة اللاجئين والعقوبات وتخلي المجتمع الدولي عنه.
لكن مراجعة لكشف أسماء الدول المشاركة في اجتماع عمّان تذكّر بصيغة قديمة حملت اسم “أصدقاء سوريا”، وهي إطار جمع في بداياته عشرات الدول، من ضمنها دول اجتماع عمان، قبل أن تبدأ الانسحابات الرسمية والفعلية من هذا الإطار، إلى أن انتهى جثة هامدة جلبت من الأضرار أكثر مما درأت من المنافع. ولعل واحدة من أهم أسباب فشل تلك التجربة، قفزها عن إيران وروسيا، وهما الدولتان الفاعلتان بقوة في الملف السوري.
ولهذا السبب بالذات، ينظر كثيرون إلى المبادرة الأردنية بوصفها “دعسة ناقصة”، ما لم تعمل الدبلوماسية الأردنية على إلحاقها بمسار ثانٍ يسعى لدمج روسيا وإيران في أي مسار سياسي اقتصادي إنساني للمعالجة، وهو أمرٌ أتقنته الدبلوماسية التركية التي لا تغيب عن محفل خاص بسوريا، سواء كان بتنظيم “الأصدقاء”، وتحت مسمى “مسار جنيف”، أو كمسار تشتقه روسيا، وهو المعروف بـ”مسار أستانة”، الذي تحول لاحقاً من إطار ثلاثي إلى إطار رباعي، بمشاركة دمشق هذه المرة.
الوضع في سوريا وحولها لم يعد اليوم كما كان عليه قبل 8 أو 9 سنوات. ميدانياً، بسطت دمشق سيادتها على أكثر من 70% من أراضيها، وكردها في الشمال الشرقي “قسد” باقون ما بقيت القوات الأميركية، فيما معظم الشمال الغربي يرزح تحت نير منظمة إرهابية هي الابنة غير الشرعية للقاعدة وتفريعاتها.
إقليمياً، ثمة “حجيج عربي” صوب دمشق، توّج مؤخراً بقرار الرياض استئناف علاقاتها الدبلوماسية مع دمشق، وقبلها مروحة واسعة من الدول العربية. تركيا غادرت مربع القطيعة مع سوريا، وهي تبدو أكثر حماسة من الأخيرة للتطبيع واستئناف العلاقات، وما عطّل لقاء الأسد – إردوغان هو إحساس دمشق بأن زمن التعالي و”الشروط المسبقة” التركية قد ولى.
أما طهران، وعلى الرغم من متاعب الداخل والخارج، فإنها في وضع أفضل حالاً، مع تنامي علاقاتها الإستراتيجية مع بكين وموسكو، وهي تراهن على انشغالات واشنطن وترددها في حسم موقفها حيالها، وانشغال “إسرائيل” بأعمق أزمة داخلية في تاريخها القصير على أي حال.
كما أن الوساطة الصينية الناجحة بين السعودية والرياض فتحت أبواب الإقليم رحبةً على مصراعيها، فهي من جهة تؤشر إلى دخول المنطقة عصر التعددية القطبية ونظامها العالمي الآخذ في التشكل، ومن جهة ثانية، تفتح أفقاً لمنظومة إقليمية للأمن والتعاون، وهي منظومة لم تكتمل شروط إطلاقها بعد، لكن التطورات بشأنها تبدو واعدة.
وأحسب أن اندراج تركيا وعدد وازن من الدول العربية، إلى جانب إيران، يمكن أن يشكل قوة ضاربة في الإقليم قادرة على ملء فراغ القوى العظمى وحفظ مصالح دول المنطقة وشعوبها في لحظة الانتقال الصعبة التي يعيشها النظام العالمي.
لكن، وقبل الوصول إلى “نظام إقليمي” ينهي عقود الفوضى والاحتراب والتدخلات الدولية الضارة، يوفر الاتفاق السعودي – الإيراني فرصة للتفكير خارج الصندوق، كأن تبادر دمشق أو أي من الدول المعنية بإغلاق الملف السوري إلى الدعوة لتشكيل إطار “دول جوار سوريا بلس”، وبصورة تحاكي إطار “دول جوار العراق”، على الرغم من اختلاف الظروف والسياقات.
وهنا، نقول “بلس” لأننا نقترح انضمام مصر والسعودية والإمارات وقطر وإيران التي لا يربطها جوار مباشر مع سوريا، وإن كانت لها أدوار فاعلة في سياقات الأزمة حرباً وسلماً وإعادة إعمار.
هذا الإطار بمقدوره أن يحتضن تسوية سياسية متوازنة لسوريا، وأن يشرك مختلف الفاعلين الرئيسين في هذه الأزمة، وأن يوفر مظلة حماية جماعية تمكّن دول المنطقة من مواجهة “قانون قيصر” وسيفه البتّار.
في عمّان وبعض عواصم المنطقة، هناك من يعزو إخراج روسيا وإيران من معادلة الحل والتسوية إلى كون البلدين حليفين موثقين لدمشق. وقد كانا جزءاً من المشكلة طوال العشرية الفائتة، لكن مرة أخرى، فإنَّ التدقيق في كشف “أصدقاء سوريا” ومن تبقى منهم على قيد العمل والنشاط في الأزمة السورية، يظهر بما يدع مجالاً للشك أن الكثير من هؤلاء كانوا وراء “تسونامي الخراب” الذي اجتاح سوريا والمنطقة، وأن من بينهم داعمين أشداء لأكثر منظمات الإرهاب دموية وبطشاً، وما الاعترافات المتأخرة لبعض المسؤولين السابقين في هذه الدول سوى غيض من فيض ما سيتكشف لاحقاً.
والحقيقة أن أي مقاربة سياسية – دبلوماسية للأزمة السورية أو أي أزمة على وجه العموم ستُمنى بالفشل ما لم تنجح في تحويل من كانوا سبباً في المشكلة إلى سبب للحل وعامل محفّز عليه؛ فالوقت ليس للّوم وتبادل الاتهامات، بل للعمل على وقف النزيف وإطفاء الحرائق والبحث عن حلول تمنع الانفجارات اللاحقة.
المبادرة الأردنية حيال سوريا تشفّ عن درجة عليا من المصلحة والاستعجال في طي صفحة الحصار والحروب في سوريا وعليها، بيد أنَّ الأطراف التي التأم شملها في عمان ليست على قلب رجل واحد، فليس لواشنطن، ومن خلفها “إسرائيل” بالطبع، مصلحة في إغلاق الملف السوري ما دام يمكن أن يفيد في تهديد دمشق واستنزاف روسيا وإيران وبعض الأطراف العربية، وهي، وإن رحبت بالمبادرة الأردنية، إلا أنها نظرت إليها بوصفها امتداداً لمسار “أصدقاء سوريا”، وأقصد هنا قطر بخاصة.
أما الأردن المكتوي بعد لبنان بنيران اللهب السوري، فقد آن الأوان لكي يخرج من القوالب الجامدة التي صاحبت الأزمة وكانت سبباً في إطالتها إلى التفكير المبادر والجريء في التعامل مع القوى الفاعلة على الأرض، وهي على وجه التحديد 4 قوى: واشنطن وموسكو دولياً، وإيران وتركيا إقليمياً، من دون إغفال اللاعب العربي، وإن تأكَّل دوره.
نفهم أنَّ عمّان لا تستطيع أن تجمع موسكو وواشنطن وطهران وواشنطن فيها حول مائدة واحدة، لكن “إطار الدول الـ11” سيبقى ناقصاً ما لم يتوازَ معه ويتزامن مسار آخر يستهدف طهران وموسكو هذه المرة.
تكفي نظرة واحدة سريعة إلى الوراء للبرهنة على أنَّ سلوك الطريق نفسه عدة مرات، والرهان على الوصول إلى نتائج مختلفة، هو ضربٌ من العبث، بل هو العبث ذاته.