«المادة 33» بين عون وبري: خلاف دستوري باطنه سياسي!
جريدة البناء اللبنانية-
محمد حمية:
تغرق الساحة الداخلية بخلاف جديد على خط بعبدا ـ عين التينة حول مرسوم العقد الاستثنائي لمجلس النواب الذي وقعه رئيسا الجمهورية ميشال عون والحكومة نجيب ميقاتي وفق «المادة 33» من الدستور.
التوقيع جاء بعد اتصال هاتفي بين عون وبري بتسهيل من ميقاتي، أفضى الى اتفاق حول فتح العقد الاستثنائي، لكن سرعان ما تولد خلاف جديد حول صلاحية تحديد برنامج عمل العقد، بعدما «سمّم» عون عسل المرسوم الذي يشتهيه بري بتحديد مدة العقد وبرنامجه أيضاً، ما استفز رئيس البرلمان ودفعه للضرب على الطاولة بمطرقته: «المجلس سيد نفسه». فكيف يكون المجلس سيد نفسه ومؤسسات دستورية أخرى تُملي عليه أو تحدّد له برنامج جلساته التشريعية؟ يتساءل مقرّبون من رئيس المجلس.
كالعادة ينقسم السياسيون واللبنانيون عامة ومعهم الخبراء الدستوريون والقانونيون حول تفسير المادة 33، فالرئيس بري يعتبر أنّ المجلس هو الذي يحدّد الاقتراحات ومشاريع القوانين التي سيناقشها، فيما تؤكد بعبدا أنّ العقود العادية تختلف عن العقود الاستثنائية… فماذا يقول الدستور؟
تنص المادة 33 من الدستور على أنه «لرئيس الجمهورية بالإتفاق مع رئيس الحكومة أن يدعو مجلس النواب إلى عقود استثنائية بمرسوم يحدّد افتتاحها واختتامها وبرنامجها». لكن هل يعني ذلك أنّ مجلس النواب لا يستطيع إضافة بنود جديدة على البرنامج؟
مصادر سياسية وقانونية في كتلة التنمية والتحرير تشير لـ»البناء» الى أنّ «رئيس الجمهورية يحدّد مع رئيس الحكومة البرنامج الذي تريده السلطة الإجرائية من الدورة الاستثنائية، وهيئة مكتب المجلس هي التي تحدّد الاقتراحات والنصوص التي تطرحها على المجلس». فيما تشير أوساط التيار الوطني الحر لـ»البناء» الى أن لا يحق لهيئة المكتب الإضافة على برنامج مرسوم العقد.
لكن ما هو المقصود بالبرنامج الوارد في المادة 33؟ هل يعني مشاريع واقتراحات القوانين؟ يشرح المصدر في كتلة التنمية والتحرير بأنّ «البرنامج هو ما تريده السلطة التنفيذية من خلال الدورة يضاف اليه ما تقرّره هيئة مكتب المجلس».
وفيما ترفض المصادر الدخول في سجالات مع التيار الوطني الحر، لكنها ترى بأنّ الخلاف مفتعل من قبل الرئاسة الأولى عبر استفزاز رئاسة المجلس بتجاوز صلاحياتها وتضمين المرسوم سلسلة مشاريع واقتراحات قوانين جاء أغلبها وفق روزنامة التيار الوطني الحر، وهذا مقصود للردّ على العريضة النيابية التي أعدّها رئيس المجلس التي حشرت رئيس الجمهورية وأجبرته على توقيع المرسوم». وتضيف المصادر: «يريد رئيس الجمهورية والنائب جبران باسيل الإيحاء للمسيحيين بأنّ عون يستعيد صلاحيات الرئاسة وحقوق المسيحيين ويستطيع أن يغيّر بالممارسة الصلاحيات». وتكشف أنّ هيئة مكتب المجلس ستجتمع خلال الأيام القليلة المقبلة وستضيف الاقتراحات والقوانين على البرنامج الذي حدّده العقد.
لكن ماذا لو قاطع النائب ألان عون العضو الوحيد في هيئة المكتب الذي يمثل التيار الوطني الحر؟
لا ترى المصادر أيّ أهمية لذلك. فهيئة المجلس مكونة من مختلف الأطراف السياسية ولا تقف عند حضور طرف واحد ولا ميثاقية في الهيئة.
الخبير الدستوري سعيد مالك يوضح لـ»البناء» أنّ نص المادة واضح ولا لبس فيه، «في العقد العادي هيئة مكتب المجلس تحدّد جدول الأعمال، سنداً للمادة ٨ من النظام الداخلي لمجلس النواب، أما في العقد الإستثنائي، فمرسوم الدعوة هو الذي يحدّد جدول الأعمال. إلا أنّ مالك يؤكد بأنه يمكن لهيئة مكتب المجلس إضافة ما تراه مناسباً من بنود لكن ضمن ما يتضمّنه مرسوم الدعوة من مواضيع.
بالعودة الى مضمون العقود السابقة التي وقعها عون تظهر بأنها لم تتضمّن هذا التفصيل في بنود برنامج العقد الأخير، ففي حزيران الـ 2019 اقتصر مضمون العقد الاستثنائي الذي وقعه عون والرئيس حسان دياب على «مشروع الموازنة ومشاريع القوانين المحالة الى مجلس النواب والتي ستحال اليه وسائر مشاريع القوانين والاقتراحات والنصوص التي يقرّر مكتب المجلس طرحها على المجلس». ما يدعو للتساؤل عن سبب استرسال عون في برنامجه المثقل بالبنود حيث لم يترك مجالاً لهيئة مكتب المجلس بأن تستنسب باختيار بنود أخرى.
واستناداً إلى ما تقدّم يشير المطلعون على العلاقة بين بعبدا وعين التينة، لـ»البناء» الى أنّ «الكباش الحاصل بينهما ظاهره دستوري فيما باطنه سياسي»، فمن مصلحة عون وباسيل التصويب على الرئاسة الثانية لأهداف سياسية وانتخابية لا سيما تحميل بري مسؤولية فشل العهد والأوضاع التي آل اليها البلد على المستوى الاقتصادي والمالي، فيما يهدف عون الى تقويض اتفاق الطائف لاعتبار أنه انتزع صلاحيات رئيس الجمهورية لمصلحة رئاستي المجلس النيابي ومجلس الوزراء، ولهذا يكرّر نواب التيار الوطني الحر الهجوم على الطائف»، ويشير المطلعون بأنّ «عون يبحث بالسراج والفتيلة في نصوص الدستور على صلاحيات ضائعة أو مضى عليها الزمن لقلة استخدامها وذلك في محاولة لتغيير الدستور في الممارسة إنْ لم يستطع ذلك بالنص من خلال تعديل الدستور»، وتربط المصادر بين استيقاظ عون على مواد دستورية و«طحشته» على صلاحيات الرئاسات الأخرى وبين طرحه «اللامركزية» الإدارية والمالية الموسعة، ما يحمل محاولة مستترة لتعديل الطائف…