المؤسسة العسكرية بين «شاهد الزور».. و«شاهد الإثبات»… الحريري يواجه الجيش مجدداً: قناعة أم زلّة لسان؟
صحيفة السفير اللبنانية ـ
نبيل هيثم :
في ذروة التوتر بين التبانة وجبل محسن، وُضع الجيش مجدداً على منصة التصويب «الزرقاء»، واتهمه سعد الحريري بأنه «شاهد زور حيال ما يجري في طرابلس».
هي ليست المرة الأولى التي يوضع فيها الجيش على هذه المنصة، فثمة اتهامات مماثلة تتالت في محطات كثيرة بعد 7 أيار 2008 حينما توعد الحريري الجيش بالمحاسبة، وكذلك خلال جولات القتال السابقة في طرابلس، وحادثة الكويخات في عكار، وايضا بعد الإجراءات التي نفذها على الحدود اللبنانية ـ السورية منعا لتهريب السلاح والمسلحين الى سوريا. وكانت ذروة التصعيد ضد الجيش خلال أحداث عبرا وإنهاء ظاهرة احمد الأسير ومسارعة تيار «المستقبل» الى احتضان أتباعه والتبرّع بفريق من المحامين للدفاع عن الموقوفين في الاعتداء على الجيش.
ربما هي لحظة انفعالية انتابت الحريري في غربته ودفعته الى هذا الاتهام، أو ربما هي زلة لسان، وربما هو اتهام جدي مدروس عن سابق تصور وتصميم ويؤكد أن خلف الأكمة ما خلفها ويمهد لوقائع مرتبطة بالتطورات المتسارعة من حول لبنان، وهنا المصيبة أعظم. ولكن أياً كانت خلفيات الحريري ودوافعه، فقد لا تستطيع المؤسسة العسكرية أن تهضم اتهامه لها بأنها شاهد زور، وخاصة أنها شاهدة إثبات على الوقائع الآتية:
ـ حقائق الواقع الطرابلسي السياسي والأمني وما يتضمّنه من التباسات وتناقضات ومزايدات سياسية ومنافسات بين بعض المنابر ومحاولات قلب للوقائع.
ـ المال الذي يُنفق على مسؤولي المجموعات المسلّحة، وعلى من يعتدي على وحدات الجيش، وعلى نيات من يستعدي الجيش جهارا نهارا، ومنهم من عبّر عما يكنّه في الهجوم على إحدى ملالات الجيش ورفع علم لتنظيم متشدد عليها.
ـ أولئك الذين يحتكمون إلى الجيش في النهار كمؤسسة حامية للأمن والاستقرار، وهم أنفسهم يطلقون النار على الجيش في المساء تحت جنح الظلام.
ـ تكبيل المؤسسة العسكرية وعدم توفير القرار السياسي والتغطية المطلوبة لإنهاء الحالة الشاذة التي تعيشها عاصمة الشمال.
ـ تقف المؤسسة العسكرية بين فكي كماشة جبل محسن والتبانة، ويراد للمؤسسة العسكرية أن تقارب الوضع الطرابلسي بعشوائية وتستخدم القوة العمياء وتصطدم مع الناس، ولطالما رفضت ذلك نظرا لأكلافها الباهظة على المؤسسة نفسها، كما على المواطنين والأمن العام في البلد.
ـ من يرفع شعار «إما الجيش معنا، وإما هو ضدنا»، بينما لا يريد المؤسسة العسكرية سوى أداة طيّعة وغب الطلب لتحقيق غاياته.
ـ من يكيد للجيش، ويسعى الى توريطه، فيما كل القوى تبلغت صراحة: الجيش جاهز للحسم، أعطونا القرار السياسي والغطاء، لن نتعامل بعشوائية، ولن نعتمد سياسة الفيل الأعمى، ولن يكون الجيش أداة بيد أي كان، فلا تدخلوه في البازار وأبعدوه عن السياسة ولعبة السياسة.
واذا كان الحريري يملك الإجابة الواضحة على من يسأل «أين تصب الحملة على الجيش ومن تخدم وماذا تخدم؟»، فثمة من السياسيين من يقرأ في خلفيات اتهام الحريري للجيش بأنه «شاهد زور في طرابلس» الخشية من:
أن يكون الحريري متناغما أو مندرجا في سياق توجه بعض الدول الراعية للمسلحين في طرابلس، ربطا بالتطورات الأخيرة على المسار السوري والتقارب الأميركي الإيراني والتحفظ السعودي عليه.
أن يكون اتهام الحريري كناية عن أمر عمليات لحملة «زرقاء» على الجيش في الآتي من الأيام، ولاحت طلائعها خلال الأيام الماضية.
أن يكون الاتهام تغطية للفشل في إمساك الخيط الطرابلسي، ورمي المسؤولية على الجيش بما يظهره في موقعه كـ«شاهد زور» شريكا ولو بصورة غير مباشرة في الحرب على طرابلس.
أن ينطوي الاتهام على محاولة جرّ الجيش الى تكرار «حادث عبرا» في جبل محسن، وعندئذ يصبح الجيش بريئاً من التهمة.
أن يشكل الاتهام، عن قصد أو عن غير قصد، محاولة كشف ظهر الجيش وتغطية للمجموعات المسلّحة.
أن يكون الاتهام محاولة لاستعادة مساحة لتيار «المستقبل» في طرابلس التي خسر تفرده بزعامتها، واستقواء بالمجموعات المسلّحة على السياسيين، وتصوير طرابلس وكأنها مدينة مسلحة، بينما هي تحت رحمة بضع مئات من المسلحين المعروفة مصادر تمويلهم ورعايتهم واحتضانهم في الداخل والخارج، فيما الغالبية الساحقة من أهلها باتت مصابة بالقرف من كل من يساهم في استباحتها وهدر كرامتها.
واضح أن الحريري أراد أن يرسل رسالة، لكنه قد يكون اختار العنوان الغلط، وستكون العودة عن هذا الغلط فضيلة في الأيام المقبلة انطلاقا من ثابتة أن المؤسسة العسكرية تشكل، باعتراف الجميع، لحظة الأمان لكل اللبنانيين، وآخر عنصر جمع في ما بينهم في ظل الانقسام العمودي الحاد السياسي والمذهبي.
يقول بعض العارفين إن الجيش، المستنزف على مدار الساعة وفي كل المناطق اللبنانية، لا يعير أذنه لمن يحاول استهدافه، بل هو ثابت في دوره الذي يؤديه بعينين اثنتين، ومعني بإكمال مهمته، ولو بالحد الأدنى من القدرات والإمكانات، بما يحفظ أمن الناس وسلامتهم، ولن ينجح أي طرف في إحراجه لإخراجه، وتحديدا من معادلة الشمال وجعلها ساحة فلتان وفوضى يصعب احتواؤها.