اللوبي الصهيوني يستغل أحداث أوكرانيا لاستجلاب اليهود إلى فلسطين المحتلة
كشفت الأحداث الأوكرانية مكامن خطيرة متعلقة بقضية فلسطين، تتصل مباشرة بالتركيبة الاجتماعية، والتوزع الديمغرافي فيها. ومما نقلته بعض الأبحاث، وبعض الوسائط الإعلامية، وجود لوبي صهيوني يسعى على قدم وساق لتهجير أعداد من اليهود الأوكرانيين إلى الأراضي المحتلة.
وليس ما يقال في هذا الصدد غريبا في شيء لو علمنا أن الرجل اليهودي الفرنسي برنار ليفي كان حاضراً بقوة في الأحداث الأوكرانية حيث أنه، في التاسع من الشهر الماضي، خاطب المحتجين في “ميدان الاستقلال” في كييف، مثلما كان يفعل في مختلف الدول العربية وغير العربية تحت شعارات “الربيع”، والثورات الملونة، أو في ظل التدخلات الاجنبية – الأميركية والفرنسية اساسا- في عدد من دول العالم من باكستان إلى افغانستان، فالعراق، ومصر، وليبيا، وتونس، والأراضي المحتلة، وسوريا، والصومال، ومالي، والبوسنة، والهرسك على ما أبرزت صوره في مختلف التحركات في هذه الدول.
يشير وجود الرجل في هذه التحركات إلى الدور الخفي الذي يلعبه اللوبي الصهيوني للتأثير في مختلف أحداث العالم بالاتجاه الذي يلائم المصالح الاستراتيجية للدولة العبرية، والسعي لتحول السياسات في هذه الدول، في خضم الصراع الجاري، بالاتجاه المتلائم مع المصالح الاسرائيلية.
آلية التخويف
ومن أهم ما يجري في معمعة الصراع، السعي الاستخباري لتخويف اليهود في مختلف المجتمعات، ومنها حاليا أوكرانيا، بغية الانتقال إلى الكيان الاسرائيلي الذي يعاني من نقص سكاني تحتاجه خططه الاستراتيجية للاستيطان والاستمرار.
في هذا السياق، يرى إحسان مرتضى، الباحث في الشؤون الدولية والفلسطينية في “مركز باحث للدراسات الاستراتيجية”، أن “المناطق الملتهبة التي تشهد شغبا واضطرابات هي مياه عكرة تصطاد فيها اسرائيل لمصلحتها إن على صعيد مقاومة ومحاربة الأنظمة المعادية لمصالحها، أو لناحية الاهتمام باليهود، وجذب أكبر عدد ممكن منهم إلى إسرائيل بشتى الوسائل. فالمستوطنات بحاجة لمن يشغلها ويقيم فيها. خصوصا وأن تظل خالية من مستوطنين جدد”.
ويضيف: “وبالتالي تفتش السلطات الاسرائيلية عن كل يهودي موجود خارج اسرائيل، والمياه العكرة في أوكرانيا مناسبة لعمل الموساد، والمؤسسات الاسرائيلية في صفوف اليهود على كل صعيد، من أجل إقناعهم، أو إجبارهم بطرق غير شرعية، وغير قانونية، على الهجرة وجذبهم إلى فلسطين المحتلة كما كانوا يفعلون مع اليهود في الدول العربية عندما كانت المخابرات الاسرائيلية تلقي القنابل على اليهود الموجودين في العراق لإرغامهم على المجيء إلى فلسطين…قسم كبير من اليهود الموجودين في أوكرانيا يعيش الحالة الاقتصادية المزرية فيها، فأوكرانيا، بلد فقير، رازح تحت ديون كبيرة، وفساد كبير، وديكتاتورية. عوامل إذا تجمعت أثمرت حالة تساعد الموساد والسلطات الإسرائيلية للعمل على اجتذاب قسم معين من هؤلاء اليهود”.
ويقدر مرتضى عدد اليهود الموجودين في أوكرانيا حاليا بحدود ٣٥٠ ألف شخص “منهم نشطاء سياسيين، وكبار الأثرياء، إن في أوكرانيا أم على مستوى العالم، بالإضافة إلى أنشطة لهم ذات طابع استخباري، لاسرائيل والموساد يد طولى فيها…اليهود الموجودون في أوكرانيا لهم دور ومصلحة في التخلص من النفوذ الروسي هناك، حتى يستقر الوضع على نفوذ أوروبي مؤات لهم، وهو نفوذ حلف الناتو، لأن اسرائيل مصلحتها مع حلف الناتو وليس مع روسيا التي تخوض سياسة جيوبوليتيكية في المنطقة لا تصب في مصلحة التوسع الاسرائيلي”.
عوامل أخرى يمكن رصدها في تحركات الظل الإسرائيلية في أوكرانيا، فقد توجهت عضو الكنيست رينا فرانكل من حزب “يوجد مستقبل” إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بكتاب تطلب بموجبه العمل على وضع خطة حكومية وموازنة لجلب يهود أوكرانيا إلى فلسطين المحتلة.
وتوجهت فرانكل برسالة إلى رئيس الوزراء وطلبت منه أن “يتنبه إلى عدد من الحقائق المقلقة بشأن وضع الجالية اليهودية في أوكرانيا”، وطلبت أيضا تدخله في هذا الموضوع، فـ”الجالية اليهودية محاطة بالخطر الواضح والفوري” بحسب رسالتها.
وفي سياق متصل، أورد موقع “هآريتس”، ان الحاخام الأكبر للعاصمة الأوكرانية كييف دعا يهود العاصمة وكل يهود أوكرانيا للهروب بسبب عدم الاستقرار ومعاداتهم.
وكانت الجروزاليم بوست العبرية في الثالث عشر من كانون الأول / ديسمبر الماضي قد ذكرت بأن “اليهود الشباب كانوا في الخطوط الأمامية للاحتجاجات ضد الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش”.
استغلال الأزمات تاريخيا
ولا يحتاج الموقف إلى كثير من الاجتهاد لمعرفة الدور التاريخي الذي لعبه اللوبي الصهيوني في استغلال الأزمات لتهجير اليهود إلى الأرض المحتلة، فهو يقوم اليوم باستغلال أزمة أوكرانيا، كما استغل الأوضاع المماثلة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفياتي السابق، لتنظيم هجرة من تبقى من يهوده إلى فلسطين المحتلة.
ولعبت التحولات التي نتجت عن الانتصارات التي حققتها المقاومة الإسلامية بين أعوام ٢٠٠٠ و٢٠٠٦ دورا هاما في زعزعة إيمان الكثير من اليهود بالبقاء في الأرض المحتلة، وتصاعدت أحاديث عن هجرات مضادة من الكيان إلى الخارج. وربما كان ذلك سببا للهاجس الذي ينتاب رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتانياهو الذي أدلى بتصاريح في مناسبات مختلفة، معلنا ضرورة “العمل لجلب مليون مستوطن يهودي، لحسم المعركة الديمغرافية مع الفلسطينيين على المستوى الإستراتيجي”.
وغني عن القول الدور الذي لعبه نتانياهو في إفشال مفاوضات أوسلو – مدريد سنة ١٩٩٤ التي قادها رئيس وزراء إسرائيل آنذاك اسحق رابين، والتي كانت سببا في اغتياله على يد يهودي متطرف. وإثر مقتله، تولى نتانياهو رئاسة الحكومة الاسرائيلية، وألغى كل الاتفاقيات التي كانت على وشك التوقيع بين الاسرائيليين والدول العربية ومنظمة التحرير الفلسطينية.
والمعروف أنه من أهم عوامل فشل أي تسوية تتعلق بالقضية الفلسطينية هو الرفض الاسرائيلي لاي حل لأكثر من سبب، لكن الأبرز هو الخوف من التغيرات الديمغرافية الجارية في مجتمع الأرض المحتلة خصوصا في مناطق الـ ٤٨، لجهة تكاثر الولادات العربية وتناقص الولادات اليهودية مما يهدد المجتمع بغلبة العنصر العربي على العنصر اليهودي في العقدين القادمين.
الهجرة المعاكسة والخطر الديمغرافي
تشير الاحصائيات إلى أن هجرة يهود العالم إلى الأرض المحتلة في تراجع، ويذكر الكاتب بن بيرنباوم في الواشنطن تايمز في الثامن من آذار / مارس العام٢٠١٢ انه “في سنة 2011 لم يهاجر من اليهود إليها سوى (17500) فقط، وهذا أدنى معدل للهجرة في تاريخ الكيان.
ويؤثر مرتضى التثبت من حقيقة التوازن الديمغرافي في فلسطين المحتلة، ويخشى من أن تكون بعض الأرقام الواردة، خصوصا منها تكاثر الفلسطينيين العرب، صادرة من مراكز اسرائيلية لتبرير الاعتداءات على الفلسطينيين. يقول مرتضى عن ذلك: “نخشى أن تكون هذه الأبحاث تبريرات تستخدم من أجل الاعتداء على الفلسطينيين، وحماية الذات، والدراسات التي تتحدث عن التوازن الديمغرافي مستقبلا ليست دقيقة بالضرورة. لكن الاسرائيليين، دون شك، يعانون من موضوع الديمغرافيا الذي يعتبرونه موضوعا حساسا، ويشتغلون عليه على مستوى العالم، وهم يحاولون الذهاب إلى الهند بحثا عن اليهود في محاولة لاستجلابهم”.
ويوضح مرتضى أن “ما يساعد على فردية أبناء الجيل الإسرائيلي الجديد، وأنانيتهم هو الفساد الذي ضرب كبار الرؤوس في السلطة الاسرائيلية، فالفساد مسشتر في الجيش وعلى مستوى الدولة والأجهزة الأمنية، والمؤسسات. هذا الجيل لم يعد يرى أمامه الجيل الرسالي الذي كان موجودا في السابق. لذلك هو يبحث عن مصلحته الخاصة، وقد يجد بعض منهم حجة للسفر”.
وإذ يؤكد على وجود حالة الهجرة المعاكسة من فلسطين، يستدرك مرتضى بأنها “لم تبلغ مرحلة تشكيل الخطر الديمغرافي”.
المصدر: موقع الميادين