اللبنانييون مهددون بـ”الانتحار المعيشي”..إكتئاب وعوز وقلة حيلة
وكالة أنباء آسيا-
زينة أرزوني:
يكفي بأن يخرج مواطناً من ذوي الدخل المحدود في “لفة” صغيرة بين الاسواق والمحال التجارية في لبنان ليعود مكتئباً، فما الحال مع رب الاسرة الذي تلاحقه يومياً فكرة كيفية تأمين إحتياجات عائلته ومصاريف أولاده المدرسية.
قبل ثلاث سنوات من عمر الازمة الاقتصادية، كان “موظف الدولة” التسمية التي تُطلق على موظف الادارة العامة، يتراوح راتبه بين الفي دولار او ثلاثة الاف دولار أو 800 دولار كحدّ أدنى، وكانوا يحصلون على منح مدرسية، والضمان الاجتماعي يغطي فواتيرهم الاستشفائية و الصحية، وكان طموح موظفي الشركات الخاصة أن يحظوا يومًا ما بوظيفة في مؤسسات الدولة الإدارية، أما اليوم ومع عجز الدولة وإفلاس مؤسساتها، بات أصحاب هذه الوظيفة هم الاكثر فقراً، فرواتبهم لا تزال بالليرة اللبنانية، والمساعدات الاجتماعية لا ترتقي الى مستوى الحل للازمة الاجتماعية والاقتصادية التي تعصف بلبنان، حتى ان احد هؤلاء الموظفين أكد في حديثه لوكالة انباء اسيا انه فكّر أكثر من مرة في الانتحار، فبحسب تعبيره “عقله لم يستوعب حتى اللحظة ما الذي حصل، فراتبه كان يصل في الشهر الى 4 الاف دولار، ووضع كان مرتاحاً يدفع جميع الفواتير واقساط اولاده والقرض السكني ويبقى معه مالاً للإدخار، اما اليوم فقد بات مديوناً ولا يملك حلاً لمشاكله المالية!”
في المقابل، يرى هؤلاء حياة البذخ، و”عجقة” المطاعم ومراكز التجميل، هو ما يجعلهم يتحسرون اكثر على الواقع الذي وصلوا اليه.
أمس، تحول لبنان الى تراند على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب هاشتاك الانتحار المعيشي، او انتحار شباب لبنان الذي انتشر على هذه المواقع، ففي يوم واحد سجلت ثلاث حالات انتحار، واربعة في اقل من اسبوع، وجميعها بسبب الضفوط المعيشية والعوز وقلة الحيلة، بحسب ما سجل الشباب لأقاربهم او اصدقائهم قبل الانتحار.
فاتحة حوادث الانتحار الأسبوع الماضي، كانت مع موسى الشامي الذي وجد مقتولاً بالرصاص عند مدخل منزله في دير الزهراني جنوب لبنان، وفي وقت لاحق، انتشرت رسالة صوتية نسبت إليه، أرسلها قبيل مقتله، إلى أحد أصدقائه يبلغه بنيته الانتحار، فهو تعب من هذه الحياة بحسب الرسالة.
لتكر سبحة الانتحار مع الشاب الثلاثيني محمد إبراهيم، الذي أنهى حياته بالرصاص في خراج بلدته الوردانية، قضاء الشوف، وقبله حسين مروة، الذي أنهى حياته بالرصاص في كرم زيتون في بلدته الزرارية قضاء صيدا، وقبلهما علي أبو حمدان الذي أطلق النار على نفسه في منزله في تعلبايا قضاء زحلة.
هكذا اذاً، تزايدت ظاهرة “الانتحار المعيشي” لدى ارباب العائلات والشباب، من جراء العجز المخيف عن توفير الحد الأدنى من مقومات العيش البسيط، مع الانهيارات المتتالية لسعر الليرة والارتفاع الهستيري لأسعار المحروقات والخبز، وفاتورة الكهرباء في ما يشبه النار الحارقة.
من المؤكد وبحسب أخصائيين في علم النفس، أن الحروب والفوضى السياسية وانهيار الاقتصاد لن ينتجوا أجيالا أصحاء نفسياً ولا جسدياً، وترى المحللة النفسية والأستاذة الجامعية رندة شليطا أن حالات الانتحار التي تحدث في لبنان حالياً، لا دخل لها بنقص مادة “السيروتونين” التي تتسبب بالاكتئاب وتدفع للانتحار، بل هي مرتبطة بالشعور بفقدان الأمل وأدنى مقومات الحياة في ظل الوضع الاقتصادي التعيس والمنهار.
ولفتت إلى وجود فئة من اللبنانيين تشعر “باللاعدالة” وبأن أعمالها تدمرت وأموالها محتجزة في المصارف وغير قادرة على الوصول لها، فيما هناك اشخاص مستمرون بعيش حياتهم بشكل طبيعي، يسهرون وينشرون صور حياتهم “الباذخة” على وسائل التواصل الاجتماعي كأن شيئاً لم يكن، وهذا الأمر يخلق شعوراً بالحسرة ويسرِّع من قرار الانتحار.
ويؤكد أخصائيين في علم النفس، أنه في حال استمر الوضع على ما هو عليه، فإن نسبة الانتحار سترتفع، وأن ما يمكن أن يغير الوضع هو حدوث انتعاش في لبنان في حال تدارك المسؤولون الوضع.
ويوضح الاخصائيون ان فقدان ادوية الاعصاب والإكتئاب وارتفاع اسعارها دفعت ايضا الذين كانوا يتعاطون هذه الادوية الى التفكير بالانتحار اكثر من غيرهم، لأنهم فقدوا الدواء الذي يساعدهم على تحمل صغوبات الحياة التي يمرون بها.
وعلى الرغم من تسجيل اربع حالات انتحار خلال أسبوع واحد، إلا انه وبحسب إحصاءات “الدولية للمعلومات”، الأرقام لا تزال أقل من معدلات السنوات الماضية، حيث لفتت في تقريرها إلى أنه خلال عام 2022 تراجعت حوادث الانتحار مقارنة بعام 2021، إذ بلغ المتوسط ما بين 2013 و2022، 143 حادثة.
وأشارت إلى أن العدد الأكبر سجّل عام 2019، حيث بلغ 172. أما العدد الأدنى، فقد سجّل عام 2013 وبلغ 111.