اللبنانيون ضحية ’طاعون’ النفايات
وحسب نتائج الدراسة التي أعدتها الجامعة الأميركية في بيروت والمجلس الوطني للبحوث العلمية، فإن إحراق النفايات خلال الفترة الفائتة زاد المواد المسرطنة التي تنتقل عبر الهواء بنسبة 2300 بالمئة على الأقل، ما جعل خطر الإصابة بالسرطان يرتفع إلى 18 في المليون. وإذا استمر الحال على ما هو عليه، فإن النسبة قد تصل إلى 70 شخصاً في المليون في فترة لا تتجاوز السنتين.
إذن باتت المواد المسرطنة “طاعون العصر” الذي سيقضي في طريقه على “الأخضر واليابس” في ظلّ عدم تحرّك الدولة بعد.
احصاءات ووقائع
تظهر الدراسة أن المعدلات اليومية للجزيئات التي يبلغ قطرها 10 ميكرومترات أو أقل (PM10)، أو 2.5 ميكرومترات أو أقل (PM2.5)، تجاوزت المعدلات المذكورة في توجيهات الأربعة وعشرين ساعة لمنظمة الصحة العالمية، بما يصل إلى 276% و171%. إضافة إلى ذلك، أظهرت دراسة تركيزات المعادن (الرصاص، الكادميوم…) التي تُعَدّ مؤشراً لحرق النفايات، أنها ازدادت بين 98 و 1448%.
أما فيما يتعلق بالمواد العضوية، فتبيّن أن أكثر مادة مسرطنة ضمن الهيدروكربونات العطرية (أي مادة البنزو [أ] بيرين) تضاعف تركيزها بنحو 2.3 مرات. أما مستويات الديوكسينات الثنائية البنزو والمتعددة الكلور والفيورانات السبع عشرة الأكثر سميِّة، وكلها مواد مسرطنة، فإنها أكثر ارتفاعاً من القياسات الأخرى السابقة بنسبة 2754%..
خطورة المواد المسرطنة
من خلال النتائج التي أظهرتها هذه الدراسة يتبيَّن أن الانبعاثات الناجمة عن حرق النفايات تقسم الملوثات السامة إلى نوعين: الأول موجود في الهواء، ولكن بنسبة لا تدعو إلى القلق، إلا أنها تضاعفت كثيراً بفعل حرق النفايات. والثانية ملوثات ظهرت بفعل حرق النفايات، ولم يكن لها أي أثر في الهواء سابقاً. هذان النوعان أصبحا يشكلان خطراً حقيقياً على صحة المواطن، على الأمدين القريب والبعيد، فالاستمرار في حرق النفايات سيؤدي على المدى البعيد إلى إصابة الكثيرين بالسرطان، وعلى المدى القريب إلى أمراض انتشرت بين المواطنين.
خطورة المواد المسرطنة على الأمدين القريب والبعيد تجعلنا نتخوّف مما آلت إليه حالة النفايات، ونتساءل أكثر عن ماهية الأمراض الناجمة عنها وإمكانية مواجهة الأزمة.
في حديث “لموقع “العهد الاخباري” يبيِّن طبيب الجهاز التنفسي، بسّام منصور، مخاطر انتشار المواد المسرطنة وما لها من تداعيات. “فعلى المدى القريب أسرع الناس تأثراً بهذه المواد هم الذين يعانون أساسًا من مشاكل رئوية كالانسداد الرئوي وغيرها”. هذا لا يعني أنّ المواطن غير المصاب بأمراض رئوية يسلم من خطر المواد المسرطنة. “فهذه المواد قد تؤدي إلى أمراض آنية وهذا ما نشهده اليوم من ازدياد في حالات الأمراض الرئوية والحساسية. كما قد تؤدي إلى أمراض تظهر لاحقًا ممثلة بالسرطان”. بالاضافة إلى ما “قد يؤثر على المرأة الحامل وعلى جنينها من تشوهٍ أو تأخرٍ في نمو عقله، أو أمراضٍ مزمنة على مستوى الدم”. ويشدد منصور على أنّ “تبخّر المعادن الثقيلة كالرصاص يعدّ من أكثر المواد خطورة والتي تؤثّر على الانسان وتنتج عن تناقل المرض لشدّة تلوّثه”.
إحراق النفايات لم تنحصر أضرارها على الهواء فقط، بل طالت كلًّا من التربة والمياه والغذاء. وهنا لا بدّ لنا من أن ندرك وجود حلقة متكاملة من الأمراض التي يسببها هذا التلوث. وهذا ما يؤكد عليه دكتور الأمراض الجرثومية بيار أبي حنا “للعهد”، الذي يعتبر “أنّ الغذاء والماء مهددان أيضاً بعمليات الحرق العشوائية وانتشار ما فيها من سموم”. ويضيف أن احراق النفايات بشكل عشوائي يؤدي إلى “زيادة حالات التفوئيد، وانتشار الأمراض الناجمة عن انتقال الجراثيم عبر الماء، لا سيما الامراض الجلدية والحساسية”، ويضيف إليه تضرر الثروة السمكيَّة.
كيفية مواجهتها
ناهيك عن انبعاث الغازات الملوّثة من السيارات والمصانع، جاءت مسألة حرق النفايات لتزيد الطين بلّة؛ في حين يقبع المواطن دون حول ولا قوة، يتعرض لمجمل السموم في ظلّ دولة لازالت تفتقر إلى المعايير الانسانية للاهتمام بصحة المواطن فضلًا عن المحسوبيات. وهنا يشدد أبي حنا “على المسؤولية التي تقع على عاتق الدولة لوضع سياسة فعّالة في سبيل مجابهة أزمة النفايات”. أبي حنا الذي يقترح “بدء العمل بطرق صحية تعتمد على مسألة إعادة التدوير للتخلص من النفايات، يقترح أيضًا وضع مصافٍ هواية(فلتر) علها تساهم قليلاً من حدّة انتشار المواد المسرطنة”.
في مقاربة حول دور المواطن والدولة في مواجهة الازمة، يرى منصور” أنّ أكثر ما يستطيع المواطن القيام به يقتصر على الابتعاد عن المناطق المزدحمة والموبوءة”. ثمّ يستدرك كلامه مشددا على أن النفايات مشكلة عامة، وأن معالجة ما آلت إليه الأزمة المستشرية للنفايات هو من مسؤولية الدولة ووزارة الصحة. ويختم بالقول “ما وصلنا إليه يظهر فشل الدولة في تأمين أبسط الامور لمواطنيها من رعاية صحية”.