الكيان الإسرائيلي وإستراتيجية «معاداة السامية»
صحيفة الوطن السورية-
تحسين حلبي:
لا تتوقف المنظمة الصهيونية العالمية والكيان الإسرائيلي للحظة واحدة عن إعداد الخطط والوسائل التي تتبناها الولايات المتحدة والدول الغربية لمحاصرة كل المناهضين للاحتلال الإسرائيلي ومنعهم من فضح عنصرية هذا الكيان حتى بالاستناد إلى القوانين ذاتها التي وضعها الغرب نفسه، فالصهيونية العالمية نجحت بعد الحرب العالمية الثانية بفرض سردياتها المزيفة لتحقيق هدفها الاستعماري الاستيطاني في إنشاء كيانها على حساب شعب فلسطين ووطنه واستخدمت صيغة «المحرقة» وتحديد عدد اليهود الذين قضوا في هذه الحرب بستة ملايين، وفرضت التسليم بهذه السردية على حكومات أوروبا ومؤسساتها الإعلامية والثقافية والقضائية وبمعاقبة كل من يشكك بصحتها أو يفندها جملة وتفصيلاً بالحبس ومنع نشر أي رأي أو حقيقة تناقض هذه الصيغة، وتمكنت القوى الاستعمارية التي أنشأت الحركة الصهيونية من نقل هذه الصيغة إلى الأمم المتحدة لتتبناها وتمحو إدانتها بالعنصرية والاستعمار الاستيطاني.
ومنذ سنوات قليلة تمكن الكيان الإسرائيلي والمنظمة الصهيونية العالمية من إقناع الرئيس الأميركي بتعيين مبعوث خاص له وفي مكتبه بالبيت الأبيض باسم «المبعوث الأميركي لرصد ومحاربة معاداة السامية» ووضع له الرئيس جو بايدن قبل عام ما يسمى «إستراتيجية محاربة معاداة السامية» من ستين صفحة وصدق عليها بصفتها أحد مرتكزات السياسة الخارجية الأميركية في العالم، وتضمنت هذه الإستراتيجية تعريفاً لأشكال ومظاهر ووسائل «معاداة السامية» في المجالات كافة وجوهرها هو أن «كل من ينتقد الصهيونية والسياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين» يعد مداناً بتهمة معاداة السامية.
وفي مقابلة أجرتها صحيفة «جروزاليم بوست» الإسرائيلية الصادرة باللغة الإنكليزية في 11 حزيران الجاري تطرقت المبعوثة الأميركية ديبورا ليبشتادت، وهي من اليهود الأميركيين التي اختارها قبل عام الرئيس بايدن وحدد لها ميزانية كبيرة «لرصد ومحاربة» كل دولة تناهض الكيان الإسرائيلي في العالم وحددت بعض التعريفات الخاصة بمعاداة السامية ومنها:
1- كل دولة تصف إسرائيل بأنها جزء من مؤامرة عالمية لسيطرة اليهود على الإعلام والاقتصاد والمؤسسات المالية والثقافية والاجتماعية في العالم.
2- كل من يتهم إسرائيل والصهيونية بأنها أحد أسباب الظلم والمعاناة للشعب الفلسطيني والعالم.
وأشارت ليبشتادت إلى أن 41 دولة في العالم صدقت على بنود التعريف الموجود حول معاداة السامية في «إستراتيجية رصد ومحاربة معاداة السامية» التي وضعتها الولايات المتحدة، ويبدو أن هذه الخطوة سيتلوها بعد وقت قريب قيام الولايات المتحدة بفرض هذه الإستراتيجية على الأمم المتحدة لكي تتبناها وتعاقب دول العالم ومؤسساتها الإعلامية والثقافية التي تدعم حقوق الشعوب بتهمة معاداة السامية.
ربما هذا ما أشارت إليه ليبشتادت في إجابتها عن أسئلة الصحيفة الإسرائيلية حين أكدت أن مكتبها في البيت الأبيض سوف يعمل بشكل مباشرة مع الولايات المتحدة وإدارتها لفرض هذه الإستراتيجية وتطبيقها على كل دول العالم.
لا أحد يشك أن هذه الإستراتيجية ستشكل الأداة الإسرائيلية والصهيونية المباشرة في مجابهة كل من يقف مع قضية شعب فلسطين التاريخية وحقوقه العادلة في استعادة وطنه المغتصب، ومن البديهي أن تستخدمها إسرائيل أداة على الساحة الدولية للتنكر لهذه الحقوق والعمل على عدم التداول فيها ووضعها خارج القانون، ويبدو من الواضح أن الكيان الإسرائيلي ومنظمته الصهيونية العالمية أرادا الاستعانة بهذه الإستراتيجية بعد أن لاحظا أن ما يسمى «شرعية إسرائيل» أصبح يتعرض بشكل متزايد لنزع أي شرعية دولية لوجودها أمام إصرار الشعب الفلسطيني على استعادة حقوقه الوطنية الشرعية فوق ترابه الوطني وتزايد دعم معظم دول العالم لهذه الحقوق، وفي مواجهته لهذه الحقيقة يبدو أن الكيان الإسرائيلي يسعى إلى شن حرب من نوع «استباقي» يهدف من ورائها إلى تهديد دول العالم والمجتمع والقانون الدولي بالامتناع عن الاستمرار في دعم حقوق الشعب الفلسطيني الذي ما زال يتمسك بها ويقاوم من أجل تحقيقها، ولذلك بدأت تزداد في أوساط المفكرين في العالم العربي والعالم ضرورة مواجهة هذه الإستراتيجية الصهيونية الأميركية بتشكيل إطار تتجمع فيه كل القوى المناهضة للاستعمار والاحتلال في ظل إستراتيجية مضادة تتبنى «حماية حقوق الشعب الفلسطيني واستعادتها» لأن هذا الهجوم الصهيوني – الأميركي على نشاط الشعب الفلسطيني وحقه المشروع باستخدام كل أشكال المقاومة لاستعادة حقوقه بلغ أعلى درجات العنصرية والتنكر لحقوق الشعوب التي أقرتها الأمم المتحدة.