الكيان الإسرائيلي: البحث عن طمأنات
من الطبيعي أن يبلغ توتر قادة العدو الإسرائيلي ضد سورية وإيران وحزب اللـه، ذروته السياسية والإعلامية والعسكرية، فالوقائع الميدانية المتسارعة التي غيرت المشهد العسكري ومن ثم السياسي بدءاً من حلب وصولاً إلى دير الزور أوحت أن هناك قراراً إستراتيجياً متخذاً من أركان محور المقاومة المذكورين بالشراكة مع روسيا، لإنهاء وجود تنظيم داعش وملحقاته على مجمل الأراضي السورية، انطلاقاً من قناعة راسخة بأن هذه العملية الجراحية الحادة والمعقدة ستؤدي حكماً إلى إلغاء مفاعيل الاستثمار الثلاثي الأميركي الإسرائيلي السعودي في هذا التنظيم، كما ستضع حداً بشكل تدريجي للاستنزاف المبرمج والمقصود لقوى محور المقاومة ومعها روسيا على الساحة السورية، وهو ما يمنحها قدرة أكبر على التحكم باختيار ساحات المواجهة البديلة مع الثلاثي المذكور.
كانت تعتقد إسرائيل أن سُلَّم الأولويات المُرتب بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية يبدأ من انتزاع ضمانات سياسية أمنية من «العراب» الروسي يحمي كيان العدو من تداعيات الانتصار الموعود لمحور المقاومة، وبالأخص منها منع إنشاء بنى تحتية لقوى هذا المحور على الأطراف المحاذية لخط الاحتلال الإسرائيلي في هضبة الجولان مشابهة لتلك القائمة على حدود لبنان مع فلسطين المحتلة، ومن ثم يمر بتقسيم المناطق السورية إلى كانتونات عرقية ومذهبية وطائفية بحيث تتمكن إسرائيل من إقامة علاقات وعقد تحالفات مع بعضها كُلٌ على حدة، ولا ينتهي بترسيخ سيطرة قوات الاحتلال الأميركية على بعض نقاط الحدود السورية العراقية وإمساكها بمعابرها الأساسية، ما يسمح لها بضبط حركة التنقل البرية بين طرفي هذه الحدود ويقطع طرق الإمداد كافة عن حلفاء طهران في دمشق وبيروت وغزة.
لكن التدهور المتسارع لحسابات واشنطن بعد اختراق الجيش العربي السوري وحلفائه المنطقة الشرقية من سورية التي كانت تعتبرها مسرحاً معزولاً خاصاً بها يمكنها من خلاله فرض خريطة نفوذٍ بِناءً على أمرين: الأول، انتشار ما يسمى «قوات التحالف الدولي» بقيادة أميركية في بعض مفاصل تلك المنطقة مما يمنحها قدرة ميدانية على إدارة حركة المجموعات العسكرية المصنفة أميركياً بـ«المعتدلة» أي «قوات سورية الديمقراطية – قسد»، وتوظيفها سياسياً وإعلامياً بهدف كبح اندفاعة قوى محور المقاومة وتأخير إعلان انتصارها الناجز هناك. والثاني: بقاء أجهزة الاستخبارات الأميركية المركزية قريبة مما تبقى من تنظيم داعش وملحقاته الإرهابية في الرقة وريف دير الزور امتداداً إلى الحدود العراقية، بحيث تكون هذه الأجهزة قادرة على فرزها بين أجنبي وسوري وإعادة تنظيم صفوفها لمنع انهيارها السريع، كذلك ترتيب العلاقة بينها وبين بعض القوى الكردية الانفصالية والأهم تبادل الأدوار ومواقع السيطرة والانتشار بينها أيضاً كي تفرض تعقيدات في وجه قوات الجيش العربي السوري من قبيل أن داعش لم تعد موجودة في تلك المنطقة ومن ثم فإن هذا الجيش صار على تماس مباشر مع قوى «سورية معتدلة مسلحة» ما يُسقِط عنوان محاربة الإرهاب عن أي معركة يقوم به.
لذا كان لابد لواشنطن من تقديم أولوية إدارتها لمعركة تثبيت نفوذها في سورية من بوابة سيطرتها على بعض المناطق في شرق سورية على ما عداها، انطلاقاً من اعتبار أنها إذا تمكنت من منع الاتصال بين طرفي الحدود السورية العراقية ومن ثم وقف «التمدد» الإيراني عبر هذه الحدود فإن ذلك سيكون كافياً لطمأنة كيان العدو الإسرائيلي على جبهة الجنوب.
لكن يبدو أن هذه الخطط الأميركية كافة وتواصل النظام السعودي مع كيان العدو الإسرائيلي لم تُقنِع قادته السياسيين والعسكريين والأمنيين بجدوى الانتظار، وهو ما دفع رئيس وزرائه بنيامين نتنياهو للقاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ست مرات حتى الآن، محاولاً تلمس مخرجٍ لأزمته المستعصية في الجنوب السوري، إضافة إلى تكثيف الاتصالات واللقاءات الأمنية والعسكرية الإسرائيلية مع الجهات الروسية المعنية، التي كان آخرها زيارة وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو إلى كيان العدو.
يعلم قادة العدو في قرارة أنفسهم ووفقاً لمعلومات أجهزتهم الاستخباراتية ولقراءات وتحليلات مراكزهم البحثية، أن هناك واقعاً جديداً صار قائماً فعلاً على خط الجبهة الجنوبية مع الاحتلال الإسرائيلي، وأن هذا الواقع يحكمه الكثير من الخفايا والمفاجآت التي لن تكون سارّة لكيان العدو في حال التفكير في العدوان على دمشق، ذلك أن هذا الكيان سيواجه ميدان مقاومة موحداً على الجبهتين اللبنانية والسورية.