الكليات العسكرية في #حلب.. وقائع وأهداف
أثارت عملية استعادة الجيش السوري للكليات العسكرية جنوب حلب أسئلة إضافية حول طبيعة العمليات العسكرية التي حصلت خلال اقتحامها وسرعة استردادها من أيدي الجماعات المسلحة، بالقدر الذي أثارته من أسئلة حول سرعة سقوطها بيد المسلحين قبل حوالي الشهر. بالنظر إلى طبيعة المهام التي تقع على عاتق هذه الكليات التدريبية أولا والدفاعية ثانيا لابد من التوقف عند نقاط عدة:
1 – على مدار عقود من الزمن ظلت الكلية الفنية الجوية في حلب مركزا تدريبيا مرموقا للمتطوعين على مختلف رتبهم العسكرية باختصاصات الدفاع الجوي المتنوعة وبالتالي تم تخريج الآلاف منها على مدار تلك العقود. أما كلية التسليح فلم تكن بعيدة عن الطابع التدريبي ضمن اختصاصها، في حين شكلت كلية المدفعية العنوان الأهم في سياقين اثنين الأول تخريج الكوادر العسكرية بهذا الاختصاص الميداني الذي يشكل العمود الفقري لأي جيش، والثاني ظلت كلية المدفعية خزانا كبيرا للقدرات التسليحية والتدريبية للجيش السوري على مدار السنين الطويلة التي مرت عليها.
2 – الموقع الجغرافي لهذه الكليات منحها القدرة على الإشراف على محاور مدينة حلب وكذلك ريفها مما جعلها في دائرة الاستهداف والاستهداف المضاد بين المسلحين والسلطة السورية منذ اندلاع الأحداث في مدينة حلب لأن من يسيطر على تلك المساحة الجغرافية يصبح بإمكانه فرض وقائع جديدة على محيطها المباشر وتوسيع نطاق سيطرته ناريا على أكثر من اتجاه.
3- مع بداية انتقال القتال من الريف الحلبي إلى قلب مدينة حلب قبل حوالي الأربع سنوات أضيفت إلى هذه الكليات وظائف أخرى مرتبطة ارتباطا مباشرا بالعمليات القتالية الناشبة في المدينة وذلك من خلال تحويلها إلى مراكز تخزين للسلاح من قبل الحكومة السورية دعما لعملياتها هناك وجعلها مواقع انطلاق للعمليات العسكرية سواء باتجاه الريف الحلبي او داخل المدينة علاوة على وظيفتها الدفاعية أساسا.
4 –الرمزية الكبيرة التي تحفل بها هذه الكليات كونها تمثل بشكل مباشر سيادة السلطة السورية عسكرية أكانت أم مدنية ، فهي على مر السنين كانت رمزا لهذه السيادة وعنوانا رئيسيا في أجندة الحكومة السورية المتعلقة بتكوين الجيش السوري .
معلوم أن العملية التي شنها المسلحون منذ حوالي شهر باتجاه تجمع الكليات وصولا الى الراموسة وطريقها الاستراتيجي كانت وفقا لكثير من المراقبين هي الأعنف والأكثر عددا من المسلحين المشاركين فيه ونفذوا الهجوم على شكل دفعات متتالية وصل تعداد بعض موجاتهم الى اكثر من 7 الاف مسلح وسرعان ما انهارت دفاعات الجيش السوري والقوى العسكرية المتمترسة في تجمع الكليات أمام هذا الهجوم فكانت السيطرة للمسلحين بشكل مطلق خلال أقل من اثنتين وسبعين ساعة.
ومع رمزية هذا الاستيلاء الا ان سيطرة المسلحين على طريق الراموسة الاستراتيجي شكل عامل ضغط معنويا كبيرا أيضا على السلطات السورية وعلى القطاع العسكري تحديدا، فسرعة سيطرة المسلحين طرحت أسئلة كثيرة حينها عن واقع حال تلك المواقع العسكرية التي يفترض ان تكون محصنة بشكل كبير فضلا عن وجوب الاستعداد لمثل هكذا سيناريو قد يحدث طالما أن المعارك على مشارف تلك البقعة الجغرافية .
في ظل هذا المشهد الذي ارتسم حينها كان الرد الرسمي السوري عمليا قد تجلى باستقدام تعزيزات كبيرة من القوى العسكرية السورية ودخول سلاح الطيران بشكل مكثف على مسرح العمليات وقد استمرت عملية حشد القوات ووصولها الى محيط تلك الكليات حوالي الاسبوعين رافقه تعتيم اعلامي حول مجريات العملية في حين كانت المعلومات الواردة من هناك تفيد بأن القوات الحكومية تنفذ مناورات واسعة لاطباق الحصار على محيط الكليات من ثلاث جهات ولربما كانت هذه الاستراتيجية عنصرا فعالا استفاد منها الجيش السوري في التقدم لاحقا وانجاز عملياته العسكرية بالسيطرة على الكليات العسكرية بدءا بالكلية الفنية الجوية فكلية المدفعية فالتسليح وكان ذلك سريعا أيضا.
على أن سرعة استعادة القوات الحكومية للكليات العسكرية الثلاث ومعها جزء واسع من الراموسة وطريقها الحيوي شكل مادة للحديث والاستفسارات عن سر الذي حصل للمسلحين وتقهقرهم السريع أمام زحف الجيش السوري، فهناك من أحال الأمر الى شراسة هجوم القوات الحكومية وسلاح الطيران الفعال بقوة، وهناك من أرجع الأمر الى مفاعيل التفاهمات الاقليمية والدولية التي تصب في الحاضنة التركية، بمعنى أن أنقرة خففت دعمها المباشر للمسلحين في حلب وتحديدا للذين سيطروا على تلك الكليات ومحيطها متذرعة بانشغالها الواسع بعملية درع الفرات في شمال سوريا وهمومها بتقديم مصالحها العليا الاستراتيجية على ماعداها، في حين تحدثت أوساط قريبة من المسلحين عن أن الهدف من عملية السيطرة على الكليات تحقق وتمثل في الاستيلاء على معظم محتويات تلك الكليات من سلاح وامدادات وما تحوزه مخازنها من الدعم اللوجستي.
بصرف النظر عن ما يساق من تفسيرات وحجج من قبل هذا الطرف أوذاك بشأن عملية الكليات العسكرية فان ما حصل يشير الى أن الطرفين، الحكومة السورية من جهة والمسلحين في حلب من جهة أخرى، يخوضون قتالا أقرب الى عمليات الكر والفر، إذ ليس بعيدا عن الأذهان مشهد سيطرة القوات الحكومية على طريق الكاستيلو الاستراتيجي وحي بني زيد الأهم بالنسبة للمسلحين في حلب وكذلك الليرمون ليرد المسلحون بهجومهم العنيف ويسيطرون خلاله على الكليات العسكرية، الأمر الذي يدفع بالاحتمالات حول استمرار هذا المشهد الى أجل قد يطول أو ربما تقطعه تفاهمات روسية أمريكية يجري الحديث عنها بشأن حلب تحديدا وعموم سوريا.
المصدر: روسيا اليوم