الكثير من المال، والكثير من الصداقة
لا يوجد هناك بديل لعلاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة الأمريكية. إسرائيل لن تحصل من أية دولة أخرى على مساعدة كهذه. ويمكن لإسرائيل أن تعارض مطالب الولايات المتحدة الأمريكية، وحتى أن تدخل معها في خلافات شديدة عندما تتعلق الأمور بمصالحها الحيوية. ولكن يجب فعل ذلك بحرص، ومع الإدراك بأن الصداقة مع الولايات المتحدة الأمريكية هي لبنة أساسية في سور الأمن الإسرائيلي. وهذا الاتفاق هو دليل آخر على ذلك.
الاتفاق متعدد السنوات مع الولايات المحتدة الأمريكية هو حدث بالغ الأهمية بالسنبة لدولة إسرائيل لأسباب ثلاثة: فهو يشير إلى عمق العلاقات وإلى التزام الزعامة في الولايات المتحدة الأمريكية بأمن إسرائيل – على الرغم من كل الخلافات، وهو يفسح المجال أمام التخطيط متعدد السنوات، الهادئ والمستقر، لبناء قوة الجيش الإسرائيلي في كل المجالات، كما أنه يرسل بإشارة إلى كل الأشرار في المنطقة وفي العالم قاطبة بأن الصداقة مع الولايات المتحدة الأمريكية قوية وستستمر لسنوات طوال.
المفاوضات لم تكن سهلة وذلك لأن الحديث يدور عن التزام كبير جداً – 38 مليار دولار – وهي المليارات التي سيتم نقلها إلى إسرائيل اعتباراً من تشرين الأول / أكتوبر 2018 وعلى مدى عشر سنوات، وهو ما يعني 3.8 مليار دولار سنوياً. وهذه زيادة تتراوح ما بين 150 -200 مليون دولار في العام أكثر مما تلقته إسرائيل خلال السنوات الأخيرة. وكان هناك في إسرائيل من اعتقدوا أنه من الصواب أن نطلب مساعدة أكبر بكثير من الولايات المتحدة الأمريكية وذلك في ضوء احتياجات إسرائيل لمواجهة التهديدات القائمة أمامها، كنقطة انطلاق للمفاوضات، إلا أن الكثير من بين هؤلاء الذين يعرفون جيداً الوضع الاقتصادي للولايات المتحدة الأمريكية، ومطلعين جيداً على الصراع المتواصل بين الإدارة الديمقراطية والكونغرس الجمهوري حول إدارة الموازنة الأمريكية برمتها وضرورة تقليصها (بما يشمل التقليص العملي لموازنة الدفاع الأمريكية) – تنبؤوا بتخفيض كبير في المساعدة، وهي الأضخم التي تمنحها الولايات المتحدة الأمريكية لأصدقائها.
لقد أدرك الواقعيون العاملون على هذا الموضوع أن مبلغ المساعدة سيتراوح بصورة أو بأخرى، حول الرقم الذي تم الاتفاق عليه. ولم يحدث قبل ذلك في الواقع مطلقاً وأن طُرح على الطاولة مبلغ أكبر من المبلغ الذي وافق عليه الجانب الأمريكي أو ألمح إليه. والإدارة الأمريكية لم تحاول ابتزاز إسرائيل عن طريق عرض “مساعدة بدون خطاب” مقابل خيار آخر “مع خطاب”. وبملاحظة عِرِضِيّة هنا أضيف وأقول إنه لو تم عرض خيار كهذا، فالويل لإسرائيل لو أن رئيس الحكومة غيّر موقفه وتنازل عن نضاله في موضوع الاتفاق من أجل حفنة (ولو كانت كبيرة) من الدولارات. ومن كان يعتقد أن المساعدة سيئة كان عليه أن يخوض صراعاً ضدها في ضوء الخطر الذي ستواجهه إسرائيل – إذا ما صدق الذين ينظرون بشكل سلبي للاتفاق ولنتائجه.
تنازل غير سهل
وإلى جانب المبلغ الكبير فإن في الاتفاق ميزة أخرى: فكل التمويل للدفاع النشط، الذي أُعطي بعد مداولات بين البيت الأبيض والكونغرس (الذي قدم بشكل تقليدي أكثر مما كان يريد البيت الأبيض في هذا المجال) – قد تم ضمانه لسنوات طويله. وفي هذه الحالة لن تكون حاجة للعودة إلى طلب ذلك في كل عام، من جديد، ولتقديم التوضيحات والدخول في الخلافات الدائمة بين هاتين الهيئتين الأمريكيتين.
والإدارة التي تعرف جيداً المعارك المتكررة في هذا السياق، طلبت من إسرائيل أن تلتزم بعدم الطلب من الكونغرس تخصيص أموال إضافية تتجاوز ما تم الاتفاق عليه، أي أكثر من 3.8 مليار دولار في السنة، وقد وافقت إسرائيل على ذلك، إلا أنه ظل هناك احتمال للحصول على مساعدات إضافية في حالة الحرب.
إن التنازل عن تدخل الكونغرس لم يكن بالأمر السهل. وهناك من يدعي أنه يُحظر على إسرائيل أن تسمح بأن يكون للبيت الأبيض الحصرية في موضوع المساعدات، لأن ذلك سيلحق الضرر بالعلاقات مع الكونغرس. ويضيف أصحاب هذا الادعاء إنه كان من الممكن، على ما يبدو، الحصول على مساعدات أكبر بكثير في كل سنة. إلا أن محاولة تحديد طبيعة موازين القوى في الكونغرس بعد خمس أو عشر سنوات هي مقامرة، وليست تقديراً – وميزانية بناء قوة الجيش الإسرائيلي ليست موضع مقامرة، حتى وإن لم تكن فرص نجاح (المقامرة) متدنية. وكل من يتفاخرون بأنهم يعرفون ليس فقط الصورة التي سيكون عليها الكونغرس (في المستقبل) بل أيضاً الصورة التي سيكون عليها البيت الأبيض، وكيف ستكون موازين القوى بينه وبين الكونغرس، هم مخطئون ويغطون في أحلام كاذبة.
وعلاوة على ذلك فإن الاستقرار والانتظام في المدفوعات هو قيمة اقتصادية بحد ذاته. وهو يترك أثراً إيجابياً على بناء قوة الجيش الإسرائيلي، حتى وإن كان بوسع دولة إسرائيل، نظرياً، الحصول على دولارات أكثر في نهاية كل الصراعات المتكررة بشكل سنوي. وفي الوضع الجديد، الذي تنتفي فيه الحاجة للعودة والطلب في كل عام من الكونغرس، بيد ممدودة، فإن هناك إمكانية لمبادرات جديدة. وهذا هو الوقت للتفكير مع الأصدقاء الكُثر لإسرائيل في الكونغرس عن أساليب عمل أخرى لتحسين ولتعميق العلاقات الإسرائيلية الأمريكية. ويجب أن يكون هذا هو الجهد القادم في الكونغرس وخارجه.
اليد التي تنقل الشعلة
لقد طالب الأمريكيون بتغيير جزء مهم من الاتفاق، وذلك لأن الوضع الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية يؤثر، في نهاية المطاف، على اعتبارات متخذي القرارات. ولذلك كان من المهم بالنسبة لهم أن يتم استخدام كل الأموال التي يقدمونها كهبة لتمويل المشتريات الأمنية داخل الولايات المتحدة الأمريكية فقط، في الوقت الذي تم فيه حتى الآن صرف 24% من المساعدات الأمريكية في إسرائيل. والحديث هنا يدور عن مبلغ يصل إلى حوالي 800 مليون دولار للمشتريات في الولايات المتحدة الأمريكية بدل إسرائيل. ومبلغ كهذا سيتم خصمه، مثلما سبق القول، من المبلغ المصروف في الصناعات الأمنية في البلاد، وهذا تغيير ليس بالسهل.
وقد نجح المفاوضون الإسرائيليون – وفي مقدمتهم نائب رئيس مجلس الأمن القومي العميد (احتياط) يعقوب ناغِل، الذي أشرف على الموضوع (تقريباً) خلال السنوات الأربع الأخيرة – نجحوا في تأجيل هذا التغيير. فهو لن يبدأ فوراً، وستكون وتيرة تنفيذه بطيئة. وإذا ما قامت الصناعات (الأمنية) بالاستعداد بالشكل المناسب للحدث فإنه ربما يكون بالإمكان تحقيق المعجزة، إلا إنه من الواضح أن الأمر يتطلب جهود توفير حقيقة في الصناعات الأمنية وتخصيص الموازنات وفق جدول أفضليات واضحة، وبدون الميل (لاستخدام) “المال السهل” من أمريكا.
إن الاتفاق هام جداً أيضاً لجهة ما يرتبط بموقع إسرائيل في الولايات المتحدة الأمريكية. وليس سراً أن الإدارة الحالية في البيت الأبيض، التي وقعت على الاتفاق، على خلاف عميق مع إسرائيل في موضوعين هامين هما: الاتفاق مع إيران والمستوطنات.
لقد كان من المهم أن نُظهر للعالم، وبخاصة لمن هم ليسوا أصدقاء مميزين لإسرائيل، أنه في موضوع ضمان قدرات إسرائيل في القتال والدفاع عن نفسها لا خلاف أيضاً مع الإدارة الحالية. لذلك كان من المهم جداً أن تقوم هذه الإدارة الديمقراطية بنقل شعلة المساعدات قدماً وألاّ تقطعها. والخلافات في هذه المواضيع ستستمر بكل تأكيد، وحتى أنها ستتفاقم في بعض الأحيان، وقد كان من المهم رسم معالم الطريق، بشكل واضح، في مثل هذه الحالات: على الرغم من الخلافات، فإن الولايات المتحدة الأمريكية تقدم الدعم الإسرائيل من أجل بناء قدراتها للدفاع عن نفسها، بنفسها. والاتفاق الآن هو دليل إضافي على الرؤية الأمريكية السليمة في هذا السياق. وهذا القول القاطع، الذي يجد تعبيراً عنه في هذا الاتفاق، يساوي أكثر بكثير من أي مبلغ آخر من الدولارات.
كما أن الاتفاق هام أيضاً من أجل التوضيح للحالمين وللهاذين، بين ظهرانينا، أنه لا يوجد هناك بديل لعلاقات إسرائيل مع الولايات المتحدة الأمريكية. إسرائيل لن تحصل من أية دولة أخرى على مساعدة كهذه. ويمكن لإسرائيل أن تعارض مطالب الولايات المتحدة الأمريكية، وحتى أن تدخل معها في خلافات شديدة عندما تتعلق الأمور بمصالحها الحيوية. ولكن يجب فعل ذلك بحرص، ومع الإدراك بأن الصداقة مع الولايات المتحدة الأمريكية هي لبنة أساسية في سور الأمن الإسرائيلي. وهذا الاتفاق هو دليل آخر على ذلك.
المصدر: “إسرائيل اليوم” – ترجمة الميادين نت