القيادة المرجعية.. بين أَلَقِ القائد المؤثر ورماد الناكب المتعثر
صحيفة المسيرة اليمنية-
د. عبدالله القديمي:
يسري الناموسُ الإلهي في التأثير وَالتأثُّر من الذّرةِ إلى المجرّة على أَسَاسِ علاقةٍ تنظّمُ التابعَ وَالمتبوعَ، بحيث نجدُ الكثرةَ تدورُ في فلك متبوع يكون مصدرَ طاقتها وَصمامَ أمان تحَرِّكُها في مجال جاذبيته، فالإجرام الميكروية تدور في فلَك أنوية الذرة كما أن الإجرام (الماكروية) تدور في فلَك شموسها، فالشموس مرجعيات للإجرام الماكروية كما أن الأنويةَ مرجعيات الإجرام الميكروية، وَبفعل قانون السببية الإلهي يحفظ ربنا العزيز الحكيم الكون وَيمسك السماوات وَالأرض أن تزولا.
إذا علمنا أن الإنسانَ بسمته وَفطرته هو بين الميكروية وَالماكروية، فَـإنَّه ليس نشازاً في ذلك الناموس وَلا ينفك عن هذا الانضباط وَالتناغم الكوني، بل إن عليه أن يتفكر وَيتدبر ليتأسى بصنع الله في كونه، ليجد عُمُـومًا في نماذج القيادة الناسوتية وَتسلسلاتها الجزئية أن القادة الذين هم مصادر طاقة لأتباعهم نجدهم قلّة، لهم جَلَد، فاجرهم وَعفيفهم، إن أحداً لو ندَّ وَأَبِقَ عن قيادته لن يستقرَّ وَسيبقى مستثاراً حتى يحدَّ لنفسه قيادةً جديدةً تنسجمُ مع مصالحه فيتسامى معها وَيترسَّبَ إليها علواً وَانحداراً.
إن توافُرَ قيادةٍ واعية مستقلة -ليست تستمدُّ طاقتَها إلا من الملك الحق المبين، هي مرجعيةٌ ذاتية، واعية بما تأسس عليه فعلها وَظروف مرحلتها- لَـهُوَ من تمام المنّة الربانية، فقائدنا تكوينياً يطيقُ ما لا يطيقُه غيرُه وَقد امتحن اللهُ قلبَه للتقوى وَكان أحق بها وَأهلها، وَشرعياً هو الذي احتسب على نفسه إنقاذ البلاد من وهدة التآمر وَالتبعية المستخذية للذي يتربص بنا الدوائر وَيودّ عنتنا وَإصرنا واضعاً أغلالاً إقليمية وَدولية على كاهل بلادنا.
إن اليمن لم يسبق أن توافر فيه وَله عدل أَو نظير لقيادتنا الشمّاء، ففي أزمان مضت كانت فيه القيادات زعامات كالنعامات تضطرب وَتؤسس أفعالها على أَسَاس تكتيكات وقتية لاستراتيجيات مستدامة، كان فيها كُـلّ ما يتعلق بالوطن يخضع للتغيرات دون ثوابت تنطلق منها أَو تأوي إليها، كانت تلك القيادة الكارتونية إن عالجت مشاكل الوطن بما فيها القضايا الكبرى تعالجها بما يماثل رش المبيدات على المستنقعات! أَو على طريقة المسكّنات الوقتية التي لا تعد عقارات ناجعة تحلّ أزمة من شأفتها أَو تجتث مشكلة من جذورها.
إن هذه القيادة الثورية التي امتن الله على اليمن بها يجب أن تُستلهم وَلو بقدر القطرة إلى البحر وَالحصاة إلى الجبل، وَكي لا نحمّل الناس مآثر الوعي وَمكامن الفكر، فَـإنَّ الذي يُرجى من عامة الناس إنما هو التسلُّك بسلوك فكر مستمد من ذلك القائد، وَلست أدري لعمري كيف يداومُ زيدٌ وَعَمْرٌو من الناس على الدروسِ الرمضانية لسماحة السيد القائد وَلا تجدُ لحياتهما أثرَ المصلح؟! إن تلك الدروس لو كانت شجرةً لرأيت ثمارَها مشتبهةً وَغير متشابهة، وَهي تُسقى من محور واحد ينبع من الثقة بالله وَالعزّة المستقلة برب العزة، وَثمرتها هي المُركِّبة العامة لرضا الله التي قطاف استثمارها إنما هو نجاح على الصعيدين الحامي وَالباني، فيخلص الناضح عرقه في بناء الوطن كما يخلص النازف دمه في سوح الوغى ذائداً عنه، كما أن تلك الدروس تتناول عدة جوانب بحيث لا تغفل عن مضامين عملية بسيطة، فالثقافي سيجد نفسه فيها وَالاجتماعي سيرى نبراساً منها وَالحكومي يتنسم ما يصلح عمله بها، صاقلة الجميع بحيث لا يحتاج أي منهم إلى ضابطٍ يوجِّهُه وَلا داعٍ يسدده أَو رقيبٍ بشري يروّض سلوكه.
أن نجد من يتمثل الوعي وَيتأسس لديه أن له رباً يعلم مثاقيل الذر وَتنفعه الذكرى، لن نجده وَحسب خطيباً يتقن تذكير الناس بمرجعيتها، وَإنما سنجد من كانت له تلك المرجعية طاقة وقّادة تزهر في نفسه وَتزخر في مولدات سلوكه الموجب وَمصدراً لاتِّزانه وَتوازنه.
فاللهَ اللهَ يا أنصار الله.. لا تخفروا قائدَكم في عمل ينقض منهجَه، وَاعلموا أن حقَّه عليكم أن تشكروا الله عمليًّا بأن تكونوا حاذقين، فكما ترونه بأدبه الجمّ يكرهُ إزجاءَ الأوامر وَيقدمها في صورة مقترحاتٍ أَو يشمل نفسُه فيقول في خطاباته: علينا أن نفعلَ كيت وَذَيت، فكونوا لذلك لمّاحين وَبه مستمسكين بقدر صلتكم بهذا القائد الباذخ وَبقدر أمله فيكم.