القنص الغادر، والرصاص البعيد المدى
موقع قناة المنار-
أمين أبو راشد:
لا نقرأ في جريمة الطيونة وقائعها التفصيلية، طالما أننا بلغنا زمن الكاميرات التي باتت تسجيلاتها في عهدة القوى الأمنية والقضاء، وتوقيف المتَّهمين قد حصل، وقد يحصل توقيف المزيد على ضوء التحقيقات، لكن كارثة سقوط شهداء الطيونة لا تُشبه بالطريقة استشهاد أبرياء تفجير المرفأ، حيث في المرفأ مسار مُعقَّد حول مَن استورد مواد الإنفجار ومَن أهمل التعامل معها، بينما في الطيونة الأمور واضحة: عصابة قنَّاصة من جماعة الكانتونات البالية تُحاول إعادة إحياء محاور التقاتل الماضية، وعودة بالزمن الى حربٍ أهلية لم يكُن سلاح المقاومة موجوداً ليكون طرفاً فيها.
ما أقدم عليه رئيس “حزب الكانتونات”، الذي يدَّعي الوصاية على أمن المجتمع المسيحي، نعرف نحن كمسيحيين سيرته الذاتية، وتاريخه الإجرامي ومصادر الثروة التي يتربَّع عليها، ونعرف أيضاً “التنشئة الحربجية الميليشيوية” لمدرسة سياسية تعمل بلا كلل من أجل قيام “كانتون”، والرفض الشعبي لهذه المدرسة ينطلق من مُعاناة مواطني الأطراف في لبنان، الذين لولا التزامهم بالحدّ الأدنى من مبادىء العيش الواحد، لكانوا في الشمال والبقاع والجنوب أفسحوا المجال لمُغامر الكانتون أو سواه بافتعال معارك خائبة شبيهة بما حصل في الجبل وشرق صيدا.
مُعاناتنا قديمة مع التقسيميين في لبنان، من قبل ولادة “حزب الكانتونات”، وتعود للعام 1975، حين كانت جماعات من قرى الأطراف تسكن بيروت وتزور قُراها حاملة معها طروحات إنعزالية، وسواء كانت هذه الطروحات تحت مُسمَّى تقسيم في الماضي وفيدرالية في الحاضر، فهي إعلان تهجير صريح للأقليات الى حيث مركز الكانتون المذهبي المُزمع إقامته لها، وحتى لو سلمنا جدلاً رفض مواطنو الأطراف ترك أرزاقهم وأرضهم، فإن ضريبة احتسابهم – ولو ظلماً – على زعيم كانتون مُعيَّن، هي ضريبة عليهم وضربة لأحلام أولادهم بالإستقرار، ونحن نتشرَّف بالإعلان عن أننا ننتمي لشريحة مواطني الأطراف الرافضة لمبدأ استخدام ناسها وقوداً لأوهام قيام أي كانتون، وندعو دائماً لقيام ثقافة ما نسمِّيها “اللامركزية المُجتمعية” التي تُراعي القواسم المناطقية المُشتركة.
صحيح أننا نشهد إقبالاً من جيل الشباب الحالي لبناء منازل في قراهم، ولو على سبيل “بيوت صيفية”، وهذا ما يشرح الصدر ويُطمئِن القلب، لكن هؤلاء الشباب ينتمون لمناطق لم تشهد تهجيراً، كالبقاع الغربي على سبيل المثال، لكن جيلاً كالذي ينتمي لمناطق كانت مُهجَّرة ونشأ أبناؤه في بيروت، هذا الجيل حاول “حزب الكانتونات” استجلابه وشحنه بثقافة الحقد، كي ينزع من أفكاره رغبة العودة الى مسقط الرأس، والبقاء ضمن الكانتون المزعوم ولكن، ما فشِل التقسيميون به في الماضي لن ينجحوا في فعله اليوم لأن درجة الوعي باتت عالية، والتاريخ الأسود لبعض دُعاة القيادة لم تُحسن تبييضه مسألة إخراجهم من السجن تحت عنوان التسوية وليس العفو عن جرائم قتل باتت معروفة لهذا الجيل حتى ولو لم يُعاصرها.
نحن مطمئنون، أن دماء الشهداء لن تبقى على الأرض، والمجرمون سوف يدفعون الأثمان، و”محور” عين الرمانة – الشياح قد حوَّله تفاهم مار مخايل الى ملتقى حوار، وقد يكون من إيجابيات كشف هوية مجرمي الطيونة أنهم كشفوا مجدداً السيرة الذاتية لمُجرم يحلم ببناء كانتون ولو على عظام ودماء الأبرياء، ومن غير المسموح العودة الى زمن القنص الغادر، ولا لرصاص بعيد المدى في فلك العمالة..