القمة العربية بنكهات سويدية وهولندية
موقع العهد الإخباري-
يونس عودة:
بلا شك أن القمة العربية في دورتها الحادية والثلاثين اكتسبت أهمية واحدة هي المكان التي انعقدت فيه، أي الجزائر، بلد المليوني شهيد الذي يبقى نبراسًا مهمًا في التحرير والتحرر من الاستعمار والدفاع عن السيادة الوطنية في فضاء عربي ينوء بالتبعية.
لقد حاولت الجزائر وبإصرار مع طيب نوايا، لمّ شتات الشمل العربي المتشظي، وقد حملت فعلًا كرة النار العربية بصدر واسع، وسعت لتصويب البوصلة من خلال إعادة العرب إلى قضيتهم المفترض أنها جامعة، ولا خلاف حول مركزيتها كقضية عربية ألا وهي القضية الفلسطينية.
إن الجزائر برعايتها للمصالحة الفلسطينية قبيل القمة، أرادت أن تقول لكل العرب إن من يضيع بوصلة فلسطين يخسر اليقين، وهي تدرك مسبقا أن لمّ الشمل العربي لن يصبح واقعًا اذا لم تلتم الدول العربية حول فلسطين، وسيبقى مجرد أنشودة اعتادت عليها معظم القمم العربية حتى بلوغ “الثورات الملونة” الفضاءات العربية لتدمر وتشرذم أينما حلت وبغمرة أحضان بعض العرب الذين أعماهم الثراء النفطي.
صحيح ما قاله الرئيس الجزائري في كلمته والتي تحول مضمونها الى “اعلان الجزائر” من حيث ان “القمة تنعقد في ظروف حساسة ومتوترة وأزمات صعبة في العالم العربي، وهناك تحديات داخلية وخارجية وظروف عالمية قلبت الموازين في كل أنحاء العالم وفي ظل الأوضاع الدولية الراهنة، تبقى قضيتنا المركزية الأولى هي القضية الفلسطينية التي تتعرّض للتّصفية من قبل الاحتلال عبر ممارساته”، لكن اللافت أن أحدا لم يسمّ الاحتلال باسمه ومن الذي يغطيه ومن يقدم له عناصر القوة والصلف وبعضها عربي المنشأ والصفة بكامل الأوصاف، وهذا أحد العناصر المحورية الذي جعل القمة غير قادرة على الارتقاء من الخطابات العامة الى مستوى القرار، أو الى حد مواكبة الحدث والفعل الفلسطيني الذي تحدثوا عنه وكأنه مسألة عابرة.
كان يمكن الاستناد بقوة في القمة الى التضحيات التي يقدمها الشعب الفلسطيني لو كان هناك قليل من الجدية، باعلان المشاركين من المطبعين علنًا أو حتى لفت ضمائرهم إلى أن الاجتماع “العربي” فرصة، ولتعتبر “تاريخية” كما يحب العرب، لاعلان الانسحاب من صفقات “القرن” الإسرائيلية، السياسية والاقتصادية، بدل التشديد على أن “مبادرة السلام العربيّة ركيزة أساسية لقيام سلام عادل وشامل يضمن إقامة دولة فلسطينية مستقلّة في حدود الـ67”.
أما الحديث الممجوج عن المبادرة العربية وحدود الــ67 والذي لا يعيره الكيان المؤقت أدنى أهمية، فهو ساقط أصلًا، في التكتيك وليس فقط في استراتيجية ابراهيميي القرن، لأن الثورة الفلسطينية المعاصرة لم تنطلق عند وضع هذه الحدود، بل هي انطلقت عام 1964 وأطلقت رصاصتها الأولى عام 1965 من أجل تحرير فلسطين، أي قبل احتلال ما تبقى من فلسطين عام 1967، ويأتيك من يردد أن: “السلام العادل والشامل على أساس حل الدولتين ومبادرة السلام العربية وقرارات الشرعية الدولية، خيارنا الاستراتيجي”.
أليس هذه اللازمة الخطابية يجري اجترارها منذ عشرين عامًا على الأقل ويقابلها كيان المستوطنين بمزيد من الاستيطان في أراضي الـ67 بما فيها القدس مدينة السلام ومسرى الرسول “ص” التي يرابط أبناؤها للذود عن المسرى المقدس ويشاهدون عربان التطبيع تتوقف عند حائط البراق بتنظيم من الاحتلال وتحت نجمته الدموية؟
كان يمكن للمجتمعين في القمة العربية أن يعطوا مثلًا بسيطًا لو كانوا صادقين في الاتجاه للمّ الشمل ولا سيما في الظروف الدولية، وعلى الأقل في قضية خلافية واحدة من القضايا التي أشبعت خطابة بلغة عربية يتقنها الأغراب أكثر بكثير مما نطق به الأمين العام للجامعة العربية، الذي حطم المجمع اللغوي وأرقص عظام سيبويه في قبره، وقطّع “لسان العرب” اربًا، وغيره من الخطباء كانوا أيضا على المستوى نفسه.
كان يمكن أن تغفر خطايا اللغة لو نجحوا في علاج ما شخصوه أنه جرح من جراح الأمة التي تزداد مع موعد كل قمة، فكيف يجري لم الشمل واليمن ينزف بغزارة وشعبه يقتل ويجوع منذ 8 سنوات من دول شقيقة وثروته تسرق؟ وما يخرج عن القمة سبقه اليها القاصي والداني في كل دول العالم “دعم الحل السلمي في اليمن ودعم الاستقرار هناك”.
أليس دعم الحل السلمي يستدعي أولًا وقف الحرب ورفع الحصار حتى يقرر اليمنيون مصيرهم؟
وعندها فقط وبعد حل كل المشكلات العربية التي تسببت بها وأججتها دول عربية موّلت الإرهاب ولا تزال، بأوامر خارجية ومن غرفة عمليات واحدة كغرفة “موك” ضد سوريا، يمكن “العمل على تعزيز العمل العربي المشترك لحماية الأمن القومي العربي بمفهومه الشامل وبكل أبعاده ورفض التدخلات الخارجية بجميع أشكالها في الشؤون الداخلية للدول العربية”.
لا يمكن التبصير في ما قُصد من التأكيد أو التشديد على “قيام الدول العربية بدور جماعي قيادي للمساهمة في جهود التوصل إلى حل سياسي للأزمة السورية بما يضمن وحدة سوريا”. وأما ما فسره امين عام الجامعة احمد أبو الغيط فهو كمن يفك السحر بقوله إن سوريا لم تشارك في القمة العربية، لكن الحديث عنها كان مهما للغاية، وحظي بأهمية بالغة.
وفي المشكلة الليبية حيث التناحر لا يزال على أشده فإن خلاصة القمة: “دعم الجهود الهادفة لإنهاء الأزمة الليبية من خلال حل ليبي – ليبي يحفظ وحدة وسيادة ليبيا ويصون أمنها وأمن جوارها”.
من المستغرب أن المجتمعين خلصوا في أطروحاتهم وكأنهم فقط ضيوف حصلوا على تأشيرة مجاملة مجانية وليسوا المعنيين المباشرين كأبناء السويد أو الهولنديين، ولم يتبادر الى ذهن أي منهم ما قاله رئيس أذربيجان الهام علييف أمامهم في كيفية حل مسألة مناطق كانت تحت سيطرة أرمينيا، واعتبرها محتلة طيلة 30 سنة ولم يكن الحل الا عسكريا.
كان يمكن أن يكونوا في قلب الفعل الدولي وتكون للعرب مكانة لفتهم اليها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين برسالته لهم مؤكدا على أهمية الدور الذي تلعبه دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بسكانهم الـ500 مليون بشري وثرواتهم الواسعة، وقال بوتين في رسالته “إن العالم يشهد تغيرات سياسية واقتصادية هامة، عملية تشكيل نظام متعدد الأقطاب في العلاقات الدولية، يقوم على مبادئ المساواة والعدالة واحترام المصالح المشروعة لبعضنا البعض، تكتسب زخما”.
لم تكن القمة العربية أفضل من سابقاتها، إلا من حيث المكان الذي يرمز لاعتزاز لا يمكن لغير المقاومين أن يقدروا قيمة الحضور بين ظلاله.