القمة التاسعة للأمريكيتين.. إستياء ومنصة محاضرات
صحيفة البعث السورية-
هناء شروف:
بدأت القمة التاسعة للأمريكيتين في لوس أنجلوس يوم الاثنين الفائت وستستمر حتى غد الجمعة، وهذه هي المرة الثانية التي تستضيف فيها الولايات المتحدة القمة منذ الافتتاح في 1994.
بعد سنوات رئاسة دونالد ترامب التي توترت خلالها العلاقات بين الولايات المتحدة وجيرانها بشدة، تود الإدارة الحالية للرئيس جو بايدن أن يتم تذكر هذه القمة باعتبارها قمة واحدة شاركت فيها دول المنطقة ذات مرة، ومرة أخرى لتلتف حول القيادة الأمريكية لمواجهة التحديات المشتركة بشكل مشترك، لكن الظروف تشير إلى نتيجة مختلفة تماماً، فالقمة ليست “قمة وحدة”، ولكن “قمة استياء” لوجود تأثيرات دائمة لنفوذ الولايات المتحدة في المنطقة، وهناك ثلاثة قرارات أمريكية مسؤولة عن ذلك:
أولاً: اختارت الولايات المتحدة تحويل القمة إلى منصة يمكن من خلالها إلقاء محاضرات على الدول الأخرى بدلاً من منصة للحوار الصريح بين الشركاء، ولا شيء يوضح هذا أفضل من قرار إدارة بايدن بعدم دعوة كوبا ونيكاراغوا وفنزويلا لحضور القمة بحجة مفبركة أن الحاضرين يجب أن يحققوا المعايير الأمريكية للديمقراطية.
وقد انتقدت معظم دول المنطقة قرار إدارة بايدن باعتباره إعادة تأكيد ليس للقيادة الأمريكية بل لغطرسة الولايات المتحدة، الأمر الذي من شأنه أن يأخذ المنطقة في الاتجاه الخاطئ، حيث قال كثيرون إن أسلاف بايدن دعوا كوبا لحضور قمتي 2015 و2018.
الجدير بالذكر أن الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، زعيم رابع أكبر اقتصاد في الأمريكيتين، اشترط لحضوره دعوة جميع دول المنطقة إلى القمة، وبعد تعنت الولايات المتحدة في الموضوع أعلن أنه لن يحضر القمة، وسار قادة بوليفيا وغواتيمالا وهندوراس وسانت فنسنت وجرينادا على خطا لوبيز أوبرادور.
يحضر زعماء دول المنطقة الأخرى مثل الأرجنتين والبرازيل القمة، ولكن فقط بعد أن أرسلت الولايات المتحدة مبعوثيها لإقناعهم بالقيام بذلك، وقالت معظم دول الكاريبي إنها ستستغل القمة كفرصة لانتقاد الولايات المتحدة.
ثانياً: فشلت الولايات المتحدة في إدراك نفاق أفعالها، لأنها مهووسة بمشاكل الدول الأخرى، بينما فشلت في رؤية مشاكلها، وتُظهر استطلاعات الرأي الأخيرة عدداً متزايداً من المواطنين الأمريكيين الذين يشككون في مؤسسة الديمقراطية ذاتها، خاصة بسبب محاولات قلب نتيجة الانتخابات الرئاسية لعام 2020، وعلى سبيل المثال أظهر استطلاع للرأي أجرته الإذاعة الوطنية العامة /ابسوس/ بعد عام من أعمال الشغب في مبنى الكابيتول الأمريكي، في كانون الثاني 2021، أن حوالي 64 بالمئة من الأمريكيين يعتقدون أن الديمقراطية في الولايات المتحدة تمر بأزمة ومعرّضة لخطر الفشل.
وفي استطلاع آخر أجرته جامعة ماساتشوستس، في كانون الأول 2021، تبيّن أن 33 في المئة من المستجيبين قالوا إن فوز بايدن في انتخابات 2020 كان على الأرجح أو بالتأكيد غير شرعي، وهكذا اضطر سكان الأمريكيتين إلى الاعتقاد بأن ما يسمى حصن الديمقراطية في حالة من الفوضى.
علاوة على ذلك فإن الميثاق الديمقراطي للبلدان الأمريكية الذي استخدمته الولايات المتحدة لانتقاد الظروف في كوبا وفنزويلا ونيكاراغوا ينص على أن الديمقراطية هي أكثر من مجرد انتخابات، وتعتمد أيضاً على التقدم في مجالات أخرى مثل التخفيف من حدة الفقر، والقضاء على العنصرية والتمييز، ومع ذلك، لاتزال الولايات المتحدة تعاني من عمليات إطلاق النار، واستهداف الأقليات العرقية، وعنف الشرطة، والعنصرية الهيكلية التي تؤثر اجتماعياً واقتصادياً على الفئات الأكثر ضعفاً، بما في ذلك السكان الأمريكيون من أصل أفريقي، واللاتينيون في البلاد.
هل ينبغي إذاً استبعاد الولايات المتحدة من القمة بالنظر إلى عيوبها كديمقراطية؟ بالتأكيد لا، ومن الأفضل جلب الجميع إلى طاولة المفاوضات بدلاً من استبعاد البلدان بناء على شعور لا أساس له من التفوق.
ثالثاً: اختارت الولايات المتحدة أن تهدم القمة بغض النظر عن التناقضات التي ظهرت على طول الطريق، كما يعطي جدول أعمال القمة الأولوية للمناقشة حول قضايا مثل الهجرة والاستجابة للأوبئة، ولكن كيف يمكن مناقشة الهجرة دون حضور الزعيم المكسيكي؟ ماذا يمكن أن تقول الولايات المتحدة عن الاستجابة للوباء عندما قامت بتخزين اللقاحات في المرحلة المبكرة من الوباء، وقررت عدم دعوة كوبا وهي رائدة إقليمية في مجال الرعاية الصحية؟.
علاوة على ذلك، قوضت الولايات المتحدة شرعيتها بوعود لم تتحقق، ولم يخرج الكثير من إطار تطوير البنية التحتية “إعادة بناء عالم أفضل”، ومع استطلاعات الرأي المبكرة التي تشير إلى فوز الجمهوريين في انتخابات الكونغرس النصفية، تتوقع الدول الأخرى من الأمريكيتين أن يلتزم القليل جداً من وعود بايدن.
ونقلاً عن “الكتاب المقدس”، قال أبراهام لنكولن ذات مرة: “البيت المنقسم على نفسه لا يمكن أن يصمد”، يجب على بايدن الانتباه إلى هذا التحذير، وإعطاء الأولوية للحوار بدلاً من الإقصاء، والقواسم المشتركة بدلاً من المفاهيم التعسفية للاختلاف، وذلك للحفاظ على منزل الأمريكيتين سليماً، ولكن إذا فشل في القيام بذلك فسوف يزداد ضعف مكانة الولايات المتحدة في المنطقة، فهل ستكون قمة السخط القمة الأخيرة للأمريكيين؟.