القمة الإسلامية بدار الفتوى تحذر من الانجرار وراء الفتنة
عقدت القمة الاسلامية اجتماعا طارئا في دار الفتوى في بيروت حضره مفتي الجمهورية الشيخ عبد اللطيف دريان، نائب رئيس المجلس الاسلامي الشيعي الأعلى الشيخ عبد الأمير قبلان، شيخ عقل طائفة الموحدين الدروز الشيخ نعيم حسن، رئيس الطائفة العلوية في لبنان الشيخ أسد عاصي. وقد تم التداول في الأوضاع العامة لبنانيا وعربيا، وتوقفت القمة باهتمام أمام انعكاسات هذه الأوضاع على العلاقات الاسلامية – الاسلامية وعلى العلاقات الاسلامية – المسيحية.
وأبدت القمة في بيان أيده وتبناه جميع العلماء “قلقها الشديد جراء استمرار الاضطرابات التي تعصف بالعديد من الدول العربية والتي تأخذ طابعا طائفيا ومذهبيا وعنصريا، الأمر الذي يشكل خطرا على وحدة مجتمعات هذه الدول بما فيها لبنان، وتاليا على أمنها واستقرارها. وهي تحذر من أن هذه الاضطرابات لا تخدم سوى العدو الاسرائيلي، وأنها لا تصب إلا في مشروعه الذي يستهدف شق الصف الاسلامي وتمزيق النسيج الوطني الذي يجمع بين مكونات المجتمعات العربية المتعددة”.
وأبدت قلقها “من تبادل الاتهامات بين بعض المسؤولين السياسيين على خلفية مذهبية، الأمر الذي يعطي خلافاتهم بعدا مذهبيا من شأنه ان يعمق الهوة التي يعمل العدو الاسرائيلي على حفرها وتوسيعها واستغلالها. وفي الوقت الذي تمضي فيه اسرائيل باحتلال الأراضي العربية المحتلة، وبناء المزيد من المستوطنات عليها، وفي الوقت الذي تواصل تهويد مدينة القدس والاعتداء على حرمات المسجد الأقصى وكنيسة القيامة، وعلى العديد من المقدسات الاسلامية والمسيحية الأخرى، تأتي الصراعات والاضطرابات داخل الدول العربية، وبينها، لتوحي خطأ، بأن المسلمين عموما والعرب خصوصا، تخلوا عن أولوية القضية الفلسطينية، وأن الأولوية التي تستقطب اهتماماتهم وتسيل من أجلها دماؤهم هي للمشاريع المذهبية والطائفية”.
أضاف البيان:”من أجل ذلك تؤكد القمة الروحية الاسلامية الثوابت الاسلامية التي ألقاها الامين العام للقمة محمد السماك الاتي نصها:
أولا: دعوة المسلمين ، جميع المسلمين، الى التمسك بحبل الله المتين، والى عدم التفرق، وهذا لا يعني عدم الاختلاف، بل انه يعني تقبل الاختلاف واحترامه على اساس القاعدة الإيمانية الجوهرية “انما المؤمنون أخوة “. إن تعدد المذاهب والاجتهادات لا يلغي ولا يضعف هذه الأخوة التي تقوم على الإيمان بالله الواحد العلي القدير وعلى الإيمان برسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم، وبكتاب الله القرآن الكريم.
ثانيا : التأكيد على حرمة قتال المسلم للمسلم والالتزام بتعاليم رسول الله عليه السلام التي تؤكد على “ان كل المسلم على المسلم حرام ، دمه وماله وعرضه “.
ثالثا : إدانة كل أشكال التطرف والغلو وتكفير المؤمنين بالله الواحد والتي تخرج في الشكل والأساس عن سماحة الاسلام وتتناقض مع قيمه ومبادئه السامية، وتسيء الى رسالته وتشوه صورته.
رابعا: الدعوة الى اعتماد الصراط المستقيم في العلاقات الاسلامية – الاسلامية، وفي العلاقات الاسلامية – المسيحية ، صراط الذين أنعم الله عليهم . وهي صراط العدل والاعتدال واحترام التعدد والاختلاف بين الناس. والابتعاد عن صراط المغضوب عليهم وعن صراط الضالين منهم عن سماحة الاسلام وسمو تعاليمه.
خامسا : إدانة السلوك الارهابي الذي يلازم التطرف والغلو والتنطع الذي نهانا عنه وحذرنا منه قدوتنا وأسوتنا الحسنة رسول الله. وهو السلوك الذي يتناقض مع الشريعة الاسلامية ومبادئها وتأكيد كرامة الانسان وحرمة النفس البشرية على قاعدة “من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ، ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا”. ان الاسلام الذي يؤمن برسالات الله جميعها، وبرسل الله وأنبيائه جميعا ، لا يضيق بتعدد الاجتهادات الفقهية داخل الدين الواحد ، وتحت سقف الإيمان بالله الواحد وبرسوله الكريم عليه السلام . وهو يتكامل مع رسالات التوحيد التي أوحى بها الله سبحانه وتعالى على النحو الذي يمثله قول رسول الله صلى الله عليه وسلم :” انما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”.
سادسا : تدعو القمة الاسلامية المسلمين من كافة المذاهب في لبنان وفي الدول العربية والاسلامية الأخرى الى وعي الثوابت الإيمانية التي تقوم عليها العقيدة الاسلامية والإلتزام بها لتجنب الوقوع في فخ التأويلات الضالة والمضللة التي تقول الاسلام ما لم يقله، ولتجنب الانجرار الى فخ الفتنة التي ينفخ في نارها العدو الاسرائيلي والقوى الداعمة له. فالدين واحد وإن تعددت شرائعه والاسلام واحد وإن تعددت مذاهبه والله وحده يحكم بين الناس يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون.
سابعا: تدين القمة الاسلامية، ومن منطلقات إيمانية وانسانية ووطنية، الاعتداءات التي تعرض لها ويتعرض لها مسيحيو الشرق على خلفية دينية والتي استباحت ظلما وعدوانا، بيوتهم وقراهم وممتلكاتهم ومقدساتهم التي أوصى رسول الله باحترامها وحمايتها والذود عنها. وتعتبر هذه الاعتداءات التي ارتكبت باسم الاسلام والتي شملت مسلمين أيضا على نطاق واسع ، وغير مسلمين من أهل العقائد والثقافات المختلفة كالازيديين ، بمثابة اعتداء على الاسلام نفسه، شرعة ومنهاجا. كما تعتبرها اعتداءات ضد المجتمع الانساني كله.
ثامنا: إن القمة الاسلامية إذ تؤكد إيمانها باحترام الكرامة الانسانية، وبالحريات الخاصة والعامة، بما فيها حرية الإيمان والعقيدة، وبرفض الاكراهية في الدين وعلى الدين.
وتابع البيان: “إذ تؤكد التزامها بالدولة الوطنية التي تساوي بين جميع مواطنيها في الحقوق والواجبات، تهيب بجميع أبنائها خصوصا وبجميع اللبنانيين، احترام مؤسسات الدولة والالتزام بدستورها وقوانينها وأنظمتها والدفاع عن السلم الأهلي على قاعدة الاعتراف بتعددية المجتمع الوطني الواحد. إن القمة الاسلامية إذ تحذر من الانجرار وراء دعاة الفتنة وإذ تؤكد على الأخوة الدينية بين المسلمين والمسلمين، وعلى الوحدة الوطنية بين المسيحيين والمسلمين، تجدد ثقتها بقدرة لبنان على معالجة مشاكله الداخلية بالحكمة والترفع عن الغرائز الطائفية والمذهبية، كما تجدد أملها في أن يتمكن لبنان، انطلاقا من انتخاب رئيس جديد للجمهورية هو الرئيس المسيحي الوحيد في العالم العربي، من أن يرتفع الى المستوى الذي يجعل منه قدوة صالحة لمعالجة الأزمات التي تعصف بالعديد من الدول العربية الشقيقة”.
وقد انضم الى الاجتماع عدد من العلماء من المذاهب الاسلامية الأربعة.