القطيف: حرب الإبادة الصّامتة!
جريدة البناء اللبنانية-
شوقي عواضة:
شكّل عهد إمام الإنسانيّة الإمام علي بن أبي طالب لمالك الأشتر حين ولّاه على مصر في التّاريخ الإسلاميّ والإنسانيّ أوّل دستور إنسانيّ والمدماك الأوّل للديموقراطيّة بمعناها الحقيقي الذي يدرك قيمة الإنسان قبل وجود أيّ قانون أو محاكم دوليّة لا تزال تعيش جدليّة التّسميات والمصطلحات وتحديد الأولويّات في الجرائم التي ترتكب ضدّ الإنسانيّة من جرائم إبادات جماعيّة وعنصريّة عرقيّة أو قوميّة أو إثنيّة أو ثقافيّة أو دينيّة، مقارعاً الظّلم والجهل والاستبداد ومقدّماً حريّة الرأي والتّعبير والتعدّد والعيش بكرامة، ملخّصاً ذلك في مقدّمة عهده للأشتر قائلاً: (وَأَشْعِرْ قَلْبَكَ الرَّحْمَةَ لِلرَّعِيَّةِ، وَالْـمَحَبَّةَ لَهُمْ، وَاللُّطْفَ بِهِمْ، وَلاَ تَكُونَنَّ عَلَيْهِمْ سَبعاً ضَارِياً تَغْتَنِمُ أَكْلَهُمْ، فَإِنَّهُمْ صِنْفَانِ: إِمَّا أَخٌ لَكَ فِي الدِّينِ، أو نَظِيرٌ لَكَ فِي الْخَلْقِ)
أمّا في تاريخنا المعاصر المليء بالظّلم والاستبداد وجرائم الحرب والإبادات الجماعيّة والفصل العنصريّ الذي تتميّز فيه الكثير من الكيانات الاستبداديّة والديكتاتوريّة بل وتتسابق في عتوّها وبغيها على الشّعوب وعلى رأس تلك الكيانات الوظيفيّة الكيان الصّهيوني المؤقّت الذي لا يزال يشنّ حرباً عدوانيّة لإبادة الشّعب الفلسطينيّ بالقوّة والقهر والقتل وتدمير المنازل ومصادرة الأراضي وتهجير الفلسطينيين واعتقالهم ونفيهم ومصادرة أراضيهم وإجراء عمليّة تغيير ديموغرافي على أسسٍ عنصريّةٍ. وبنفس الوتيرة بل وأكثر يشنّ الكيان البحريني منذ سنواتٍ طويلةٍ حربه العنصريّة على الشّيعة في البحرين منافساً الكيان الصّهيوني في ممارسة استبداده من خلال قمع الشّيعة الذين يشكّلون جزءاً مهمّاً من المجتمع البحرينيّ.
أمّا الكيان السّعودي المتفوّق على الكيان الصّهيوني إجراماً وإرهاباً وعتياً فتاريخه الأسود حافل بجرائم الإبادة منذ تأسيسه في نجد وفقاً للمصادر التاريخيّة عام 1746 على يد محمد بن سعود عبر اغتصابه أملاك أهالي شبه الجزيرة العربيّة ومصادرتها وشنّ غزواته على كلّ القبائل ليغتصب الملك عبد العزيز بن سعود الملك من آل رشيد بدعمٍ بريطانيٍّ في تنفيذ سياسة التوسّع على حساب ممالك الحجاز وعسير وسواحل الخليج مرتكباً مذابحَ شنيعةً طالت العلماء والفقهاء الذين عارضوا المذهب الوهابي من مشايخ وأعيان وأمراء القبائل العربيّة.
واختصاراً للتاريخ الدّموي الذي أصبح منهجاً لحكام آل سعود على التوالي بارتفاع نسبة عمليّات القمع التي تستهدف أبناء الطّائفة الشّيعيّة في القطيف حيث يركّز على استهدافّ ممنهجٍ ومدروسٍ أمام مرأى من العالم وفي ظلّ صمتٍ إعلاميٍّ ودوليٍّ وفقاً لما يلي:
1 ـ التّهجير القسري في القطيف من خلال جرف أحياء بكاملها في العوامية وجنوبها وفي حي المسورة والبحاري وحي سيحة البحاري والمزيرع والخَبّاقَة، وشملت عمليّات التجريف مساجد وأوقافاً، ومعالم أثريّة.
2 ـ تهجير الجزء الأكبر من سكان المنطقة، إلى مناطق أخرى كالرياض وغيرها وإخضاعهم للسيطرة الوهابيّة ومنعهم من ممارسة عباداتهم الدّينيّة.
3 ـ تصعيد الحملات الأمنيّة والاعتقالات التّعسفيّة العشوائية وفرض الحصار على المناطق المستهدفة.
4 ـ طمس تاريخ أبناء المنطقة بهدف مسح هويتهم الثقافيّة وتدمير الشّواهد التاريخيّة للنّضال ضدّ المحتلّين والمعتدين من القبائل التي كانت تغزو بلدات القطيف.
5 ـ تضاعف عمليّات الإعدام بحقّ المواطنين التي تنفذ سرّاً بأغلبها بعد تولي الملك سلمان وابنه محمد بن سلمان مقاليد الحكم منذ عام 2015.
دون الدّخول في تفاصيل الأرقام والحسابات لا يمكن تسمية ما يقوم به الكيان السّعودي إلّا بالجرائم الإنسانيّة، إذ تتوفّر فيها كلّ آليات الحربٍ العنصريّة والدّينيّة والثّقافيّة بل هي حربٌ وجوديّةٌ وإلغائيّةٌ تستهدف طيفاً من أطياف الجزيرة العربيّة الأساسيّة في ظلّ موقفٍ دوليٍّ مؤيّد لاستمرار حرب الإبادة التي يشنّها الكيان السّعودي على شيعة القطيف من خلال صمته. فالصّمت يعني الرضا والقبول بما يجري ولا يمكن تفسيره بالرّفض وهو نفس الصّمت الذي رأيناه في فلسطين واليمن وسورية والعراق ولبنان والبحرين حيث لاذت كلّ مؤسّسات المجتمع الدّولي بصمتها الذي لم ولن يعبّر إلّا عن تأييد ورضا لكلّ ما يقع من جرائم حرب في المنطقة وفي مقدّمتها في الكيانين الصّهيوني والسعودي اللذينِ يشكّلان وجهين لعدوٍّ ومشروعٍ واحدٍ.
ذلك المجتمع الدولي الذي حاكم كبار ضبّاط جيش الرايخ الثالث في محكمة نوربورغ بالإعدام بتهمة ما يُسمّى جرائم حرب إنسانيّة ومنهم القائد النازي يوليوس شترايخر ناشر صحيفة دير شتورمر الألمانية (المهاجم) المعادية لليهود وناشر كتاب فرية الدم الذي يحرّض على تخليص ألمانيا من الوجود اليهودي تمّ إعدامه عام 1946 ومحاكمة ضدّ جان بول أكايسو في راوندا عام 1998 وغيرها من المحاكمات التي يصحو فيها (الضّمير الدّولي) وتنشط هيئة الأمم والمؤسّسات الدّولية لمحاكمة (المعادون للسّامية) واعتبارهم مجرمي حرب يصعّدون خطاب الكراهيّة والعنصريّة ويحرّضون على العنف والإرهاب، في حين يصبحون صمّاً بكماً أمام ما يجري في مملكة الإرهاب التي لا يحكمها دستورٌ ولا قانونٌ سماويٌّ أو وضعيٌّ ولا اتفاقياتٌ ولا أبسط حقوق الإنسان في شرع الغاب.
فالكيان السّعودي العاجز عن التصالح الداخلي مع مكوّناته الاجتماعيّة التي يراها عدوّاً له ولا يعمل على استقطابها بإعطائها أبسط حقوقها الإنسانيّة حتماً سيفشل في إنجاح أيّ اتفاقٍ أو تسويةٍ، ففي مملكة القهر والاستبداد يتلطّى خلف الإسلام مستبدٌّ ظالمٌ وشيطانٌ يقدّم نفسه خادم الحرمين، وسفّاحٌ متعطّشٌ للدّماء التي لم تشفِ غلّه في اليمن.
في مملكة الإرهاب يُعدم الشّيخ نمر النمر على قوس المحاكم الدّوليّة لانتقاده الطّاغية الحاكم والعالم يصفّق للمستبدّ، ويقطّع جمال خاشقجي الذي قد نختلف أو نتفق معه نتيجة مواقفه وتقدّم الأوسمة على عدد أشلائه تحفيزاً للسفّاح وتشجيعاً له على تقديم القرابين أوراقاً لاعتماده عبداً لسيّده الأميركيّ والإسرائيليّ وملكاً على أشلاء الشّعب…